إيران... لماذا قدمت تنازلات متبادلة؟!

نشر في 03-08-2015
آخر تحديث 03-08-2015 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري ظل الرئيس الأميركي أوباما ماداً يده إلى إيران، وبخاصة في ولايته الثانية، وظل يرسل بإصرار مهنئا الشعب الإيراني في كل مناسبة وطنية، ويذكرهم بأمجاد إيران التاريخية، ويرغبهم في الانفتاح على العالم، إلا أنه لم يكن يجد من يصافح يده الممدودة، وبخاصة في عهد نجاد، الذي لم يفوت فرصة ضد أميركا، لكن ساكن البيت الأبيض لم ييأس رغم كثرة الصدود والسدود، وظل مستمراً في سياسة اليد الممدودة أملاً فيمن يصافحه، متجاهلاً حماقات هنا وهناك، إلى أن جاء الرئيس روحاني بتصريحاته الوردية وطاقمه الباسم ليرمم ما أفسده سلفه، وليتبع سياسة جديدة (الدبلوماسية الناعمة) بضوء أخضر من الولي المرشد الذي قال «يتعين علينا في بعض الأحيان أن نتمتع بالمرونة في مواقفنا، لكنها مرونة بطولية»، هذه «المرونة البطولية» هي البداية المبكرة والممهدة للمفاوضات الطويلة التي أثمرت الاتفاق النووي بين إيران والمجموعة الدولية.

التساؤلات المطروحة: لماذا وافقت إيران على هذا الاتفاق الذي يقيد قدراتها النووية لمدة زمنية معينة، ويخضع منشآتها ذات الصِّلة للتفتيش الدولي، وهي التي كانت باستمرار ترفض أو تقبل ثم تناور وترفض، رغم كثرة العروض المغرية، وسلة الحوافز المشجعة؟!

كيف قبلت إيران الانحناء بزاوية (90) درجة كما يقول عبدالرحمن الراشد، وهي التي كانت ترفض أي تفاوض حول إيقاف أو تجميد أو اشتراطات تقيد برنامجها النووي؟!

ما العوامل الضاغطة أو الاعتبارات المشجعة لإيران لقبول تقديم تنازلات؟ هل هي تجاوزات لخطوط حمراء كما يراها متشددو إيران؟!

لإدراك حجم الانحناءة التي قال عنها «الراشد» علينا تذكر:

 1 - إن تملك «التقنية النووية» المؤهلة للسلاح النووي الرادع أصبح- وبسبب الشحن الإعلامي المستمر والمخون من مؤامرات الأعداء- أشبه بـ»عقيدة» وطنية أو مشروع قومي عند معظم الإيرانيين، لا فرق بين محافظ أو إصلاحي لدرجة أن التفريط فيه أو المساومة عليه أو التنازل عنه خيانة عظمى.

 2 - إيران، ذات الحضارة العريضة، والإمبراطورية التاريخية الواسعة، ترى نفسها ولاعتبارات تتعلق بالعزة القومية والكبرياء الوطني، أنها الأحق والأولى بتملك التقنية النووية مقارنة بدول مثل: الهند وباكستان وكوريا الشمالية وإسرائيل، فكيف سمح المجتمع الدولي لهذه الدول بتملكها، ولا يسمح لإيران؟!

فالقضية هنا لا تتعلق بالقوة والهيمنة وتحقيق الردع فحسب، بل أيضاً بإرضاء الكبرياء القومي، ورد الاعتبار إلى الذات الوطنية.

 3 - لا يمكن لإيران أن تضحي أو حتى تقيد برنامجها الذي صرفت عليه المليارات، وتحملت في سبيله ما لم تتحمله أمة، من عقوبات قاسية وحصار خانق وأوضاع معيشية صعبة وعزلة دولية منهكة، ما لم تكن هناك تنازلات متبادلة، وخيارات أخرى مشجعة، واعتبارات تتطلب انحناءة الأبطال.     

 4 - لإيران تاريخ في السعي للحصول على النووي العسكري قد يسبق بعض من حصلوا عليه منذ عهد الشاه الذي اشترى حصة في مفاعل «يورو ديف» الفرنسي (1974) مقابل قرض بقيمة مليار دولار، تساعد فيه فرنسا إيران في تطوير قنبلتها، لكن فرنسا أوقفت تعاونها بعد الثورة 1979.

وعودة إلى التساؤلات التي جعلت إيران تقبل بالاتفاق المقيد لنشاطها النووي، هناك جملة من العوامل والاعتبارات، منها:

 1 - المحافظة على النظام: أدركت القيادة الإيرانية أنه لا يمكن مواصلة تحدي المجتمع الدولي، وركوب الرأس والتصلب، فلا بد من المرونة وتقديم بعض التنازلات، وبخاصة أن العقوبات الدولية على التجارة الإيرانية، قلصتها إلى «مستوى العصر الحجري» بحسب تعبير الرئيس روحاني.

 2 - ضغوط الأوضاع الداخلية: هذا الشعب الذي فرح بالثورة، وترقب تحقيق آماله في معيشة كريمة، وجد نفسه بعد (36) عاماً من عمر الثورة يعيش أوضاعاً معيشية صعبة، الشباب وهم الأكثرية يتخرجون ومعظمهم لا يجدون وظيفة: بسبب ارتفاع معدلات البطالة وتفشي الفساد والمحسوبية من ناحية، وهدر الموارد في الخارج من ناحية ثانية، والإنفاق الهائل على الترسانة النووية والعسكرية من ناحية ثالثة.

تساؤلات انتقادية كثيرة برزت: إلى متى نستمر في هذه السياسات المحبطة؟!

 3 - اطمئنان القيادة الإيرانية إلى أن واشنطن لا تسعى إلى تغيير النظام أو إصلاحه أو تقييد سلوكه الإقليمي أو التدخل في شؤونه الداخلية، وإنما فقط منعه من تطوير أسلحة نووية، مع أن القيادة الإيرانية بنفسها تعلن دائماً وباستمرار أن برنامجها سلمي مدني، لا يهدف إلى السلاح النووي لأنه محرم دينياً وأخلاقياً وإنسانياً.

 4 - التضحية بقبول تحجيم السلوك النووي لمصلحة تعزيز السلوك الإقليمي: وجدت إيران نفسها- في ظل الحصار- أنها لا تستطيع تحمّل أعباء الإنفاق على الأمرين معا: النووي في الداخل، والنفوذ الإقليمي في الخارج، فاختارت تحجيم النووي في مقابل رفع الحصار واستعادة الأموال وضخ النفط والغاز، لاستمرار دعم حلفائها وتعزيز نفوذها في المنطقة.

 5 - اقتناص الفرصة الذهبية: درست القيادة الإيرانية نفسية سلوك ساكن البيت الأبيض، وتصورت أن هذه هي لحظتها التاريخية التي قد لا تتكرر، وأن عليها اغتنامها وعقد الصفقة، فالرئيس الأميركي شغوف بالاتفاق، وهو حسن الرأي بإيران كدولة كبيرة وقوية ولاعب دولي مهم، وهو يشيد بإلايرانيين كونهم غير متهورين، وعقلانيين وبراغماتيين، يعرفون مصالحهم، ومن هنا يمكن لهذه الإدارة أن تقدم صفقة متوازنة قد لا تتاح مستقبلاً.

 6 - وصول البرنامج النووي إلى «العتبة النووية» التي لا يمكن تطويرها أكثر إلا بأكلاف باهظة، لها تداعيات خطيرة على بقاء النظام نفسه.

 7 - سلسلة الخسارات المتتالية التي مني بها حلفاء إيران في المنطقة، بسبب «اليقظة» الخليجية والعربية التي جسدتها «عاصفة الحزم» المتصدية للتدخلات الإيرانية، وإدراك إيران أن نفوذها الإقليمي الذي وصل إلى قمته في اليمن، وقد آذن بمرحلة الانحدار والأفول.    

* كاتب قطري

back to top