بغداد قلقة من «تظاهرات مختلفة» في ظرف غير معتاد

نشر في 02-08-2015 | 00:11
آخر تحديث 02-08-2015 | 00:11
No Image Caption
منذ عام 2010 اعتاد العراقيون أن يتظاهروا في صيف يوليو الساخن ضد فشل الحكومات في إصلاح الكهرباء، التي تعطلت منذ عام 1991، ولم يصلحها أحد رغم إنفاق نحو 70 مليار دولار خلال عشر سنوات، على نصب محطات جديدة وصيانة شبكات النقل.

ومع كل تظاهرة تصاب السلطات بالخوف من أن يجري استغلال الغضب الشعبي عبر تدخل الخصوم واندساسهم، وخلط الأوراق، لكن القلق يتراجع كل مرة مع خفوت حماس الجمهور، وهو في الغالب يتحرك بمبادرة ناشطين يساريين وصحافيين معروفين، ولا يتخلله انفعال خارج السيطرة. وهذا ما يحصل منذ نحو أسبوعين في البصرة وبغداد، وأخيراً في النجف، وقد يتواصل أسبوعين آخرين بشكل متقطع.

إلا أن بعض ما يحصل يثير القلق من السيناريوهات المحتملة، ويجعل الساسة يصابون بالرعب من احتمال أن يقرر خصومهم استغلال التظاهرات، ففي تظاهرات فبراير 2011 الشهيرة، قام بضع مئات من المتظاهرين بمحاولة عبور جسر رئيسي يؤدي إلى مقرات الحكومة في المنطقة الخضراء، ونقل السخط الشعبي إلى هناك، لكنهم تراجعوا بعد إلحاح أطراف متعقلة، لكن الفكرة بقيت مرعبة: «ماذا لو قرر عشرة آلاف بغدادي غاضب، اقتحام المنطقة الخضراء بكل رمزية، ماذا سيحدث؟».

أما مساء الجمعة الماضي في النجف، فحصل ما هو أخطر في دلالته، إذ تحرك بضع مئات من المتظاهرين الذين كانوا يطلقون اعتراضات على البرلمان المحلي في المحافظة، واقتربوا من بيت المرجع الديني الأعلى علي السيستاني، وراحوا يطلقون هتافاً بحياته: «تاج، تاج، على الراس، سيد علي»، في محاولة للقول إن التظاهرة تطلب دعم المراجع ضد حكومة فاسدة، لكن المراقبين يفهمون ذلك بنحو معكوس، إذ إن اقتراب تظاهرة غاضبة من منزل ديني كبير، قد يجري استغلاله لإحداث فوضى كبيرة، لا أحد يعرف كيف ستنتهي في زقاق نجفي حساس، يتحكم بآخر التوازنات السياسية في العراق!

ويضاف إلى ذلك أن نقص المال عند الحكومة، في موازنة متقشفة، قد يؤدي إلى إشعال غضب من نوع جديد، فنقص التمويل منع تحقيق تقدم في ملف الكهرباء، كما أن تراجع عوائد النفط إلى النصف، جعل الحكومة تفرض ضريبة مبيعات، بدأت ببطاقات شحن الهاتف النقال، ولن تنتهي بتذاكر السفر والسجائر والكحول.

ولم يعتد العراقيون هذه الضرائب، كما أن توقيت تنفيذها تزامن مع تظاهرات عارمة، ومن الممكن استخدامها لشحن العواطف انطلاقاً من حملة لمقاطعة شركات النقال مدة ساعة كل يوم.

أما أخطر مرحلة قد يمر بها العراقيون فهو عجز محتمل في صرف مرتبات موظفي الحكومة، البالغ عددهم خمسة ملايين.

وقبل أيام اضطر سائقو القطارات في بغداد إلى الاحتجاج على تأخر المرتبات، بأغرب الطرق، حيث حركوا القطارات على سكك تخترق وسط العاصمة، وقاموا بشل حركة السير عدة ساعات، حتى إن وزير النقل اعتبر ذلك، في بيان، مؤامرة و»أمراً دبر بليل»، ما أثار سخرية المحتجين الذين رفعوا لافتات في تظاهرة ببغداد كتب عليها «أمر دبر بليل».

واعتبر المحتجون أن كل ما حصل من أخطاء في العراق هو «أمر دبر بليل»، بما في ذلك وجود الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والعجز.

ويقول مراقبون إن أي اتساع في التظاهرات لن يكون مبعث قلق إلا إذا قررت «أطراف كبيرة» أن تستغل ذلك، وليس ثمة طرف كبير يمكن أن يقوم باستغلال مقلق جداً يصل إلى حد إسقاط الحكومة، سوى «الجناح الإيراني في الحشد الشعبي»، حسب رأي هؤلاء، إذا ما قررت إيران تسليط الضوء على عجز الوزراء المحسوبين على «الاعتدال الشيعي» لمصلحة تقوية صورة «المتشددين الشيعة» الذين ظهروا بصورة «زاهدة» كمقاتلين ضد تنظيم «داعش»، ينامون على الأرض، و»يتركون بغداد لوزراء فاسدين»، كما يردد أنصار هذا الجناح.

إن الغضب هو نفسه، لكن المقلق أن يجري في ظروف مختلفة جداً.

back to top