«ابنة ستالين»... حياة هاربة من الاتحاد السوفياتي

نشر في 29-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 29-07-2015 | 00:01
No Image Caption
{أينما ذهبت، سواء إلى أستراليا أو أي جزيرة أخرى، سأبقى دوماً سجينة سياسية لاسم أبي}. بهذه الكلمات عبَّرت سفيتلانا أليلويفا عن أساها، بعدما واجهت حكماً مؤبداً: حكم أن تكون الابنة الوحيدة لجوزف ستالين. وُلدت عام 1962 ونعمت خلال نشأتها بامتيازات كبيرة. فقد أطلق عليها البعض لقب أميرة الكرملين، حتى إن عطر «نسيم سفيتلانا» حمل اسمها. ولكن بالنسبة إلى ستالين كانت «عصفور الدوري الصغير». وكان لافرينتي بيريا، رئيس الشرطة السرية الشهير، يؤرجحها على ركبتيها، في حين استمتعت هي بالتحكم في رجال ستالين. لكن الحياة مع حاكم مستبد وقَّع أوامر قتل وأرسل الملايين إلى المعتقلات في سيبيريا لم تخلُ من الغموض والأسى. حتى أقاربها لم يكونوا محصنين: فقد أُعدم أعمامها وأخوالها وأولادهم أو سُجنوا. كذلك انتحرت أمها عام 1932 (حدث ما زال يلفه الغموض، فهل انتحرت احتجاجاً؟)، وأرسل حبيبها في سني المراهقة إلى معسكر الاعتقال.

أمضت ابنة ستالين، سفيتلانا أليلويفا، حياتها وهي تحاول تقبل الأعمال الوحشية التي ارتُكبت باسم أبيها. حوّلها فرارها إلى الغرب عام 1967 إلى شخصية من مشاهير الحرب الباردة لها أصل مريع. فما كان بإمكانها الهرب من عبارة {ابنة ستالين} القاتمة. اعتادت أن تردد: {تستطيع أن تعيش حياتك. لا يمكنك أن تعيش أي حياة. يعتمد وجودك على إشارة إلى اسم}.

في سيرتها الذاتية المؤثرة، تروي الكاتبة الكندية روزماري سوليفان قصة أليلويفا بتعاطف وبصيرة نفسية حادة. لا تحول سوليفان حياة سفتلانا إلى مأساة لا مفر منها أو انتصار معسول ضد كل الظروف. لا شك في أنها واجهت الكثير من العقبات، المالية منها والعاطفية. فقد تركت ولديها وراءها في الاتحاد السوفياتي. وعاشت حياتها في تجوال قسري لأنها كانت تبحث دوماً عن المكان الأفضل، مع أنها تعلم أنها لن تعثر عليه. تطلقت ثلاث مرات، ومرت بعدد من العلاقات الفاشلة. كذلك عانت الكثير في الغرب (عندما وصلت، ما كانت تعرف حتى كيفية كتابة شك)، وما استطاعت يوماً نسيان أرض الوطن. وقد عادت لفترة وجيزة إلى الاتحاد السوفياتي في ثمانينيات القرن الماضي.

لكن هذه المرأة الفخورة، العنيدة، الصادقة، المتقلبة، والمثيرة للجدل، التي تمتعت بذكاء حاد ومواهب أدبية وافرة، اعتمدت على قوة حياة نادرة. تقول سوليفان: {كانت تتحلى بتفاؤل لا يخبو صاغته سنوات من مواجهة الكثير من المشقات الوحشية وخيبات الأمل والخسائر. رغم ذلك كله، نجحت بطريقة ما في الحفاظ على إيمانها بالمستقبل}.

إذاً، ناضلت سفيتلانا لأجل البقاء. بعد موت ستالين عام 1953، الذي شكل حدثاً ضخماً، تابعت دراساتها في الأدب وسعت إلى بناء الصداقات بين المثقفين.

كذلك تبنت شهرة والدتها. لكن هذه الحرية الوجيزة سرعان ما انتهت بموجة من القمع مع دخول الأصدقاء إلى السجن بسبب كتاباتهم. كذلك دفعتها قصة حب مع شيوعي هندي مريض إلى السفر إلى الهند كي تنثر رماده بعد موته. ومن هناك هربت إلى السفارة الأميركية في نيودلهي.

تشويق

 ويُعتبر ما حدث بعد ذلك أشبه بفيلم تشويق عن الحرب الباردة. فقد سارع المسؤولون الأميركيون إلى إخراج سفيتلانا من الهند قبل أن يعرف السوفيات ما أقدمت عليه.

تحوَّلت سفيتلانا وقصة حياتها إلى موضوع مثير جداً للاهتمام، حتى إنها وقَّعت عقد كتاب عاد عليها بالملايين. لكن هذه الأموال الوفيرة جعلتها هدفاً. فقد بدأت بمرافقة أرملة فرانك لويد رايت، التي أدارت ما يشبه أخوية ملتزمة تضم أتباع هذا المهندس. ثم تزوجت أحدهم، ويس بيترز، وانتهى بها المطاف إلى الوقوع في أزمة مالية وعاطفية (أعطت مبالغ كبيرة من المال لزوجها الذي كان مديوناً دوماً).

كما تشير سوليفان، تكمن المفارقة المحزنة أن سفيتلانا التي تربت في عالم يقوم على الريبة وعدم الثقة، كان تضع ثقتها في الرجال الذين أحبتهم.

تكتب سوليفان أنها كانت دوماً تبحث عن الشريك المثالي ولا تجده. لكن زواجها الأخير منحها ابنتها الحبيبة أولغا، التي قدمت كامل دعمها للكاتبة.

تفاصيل

يزخر كتاب {ابنة ستالين} بتفاصيل مستمدة من عشرات المقابلات والأبحاث الضخمة في أرشيف ملفات جهاز الاستخبارات السوفياتي KGB ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية. لا شك في أن هذه اللمحات عن أسرة ستالين مذهلة. أما تجوال سفيتلانا التالي بحثاً عن السلام الداخلي فعظيم بامتياز. نتيجة لذلك، دعا جورج ف. كينان، خبير شهير متخصص في الشؤون السوفياتية ودبلوماسي من زمن الحرب الباردة استقبل سفيتلانا عند وصولها إلى الولايات المتحدة، رحلتها هذه {ملحمة لا تُفهم}. ويعود الفضل إلى سوليفان في تحويل تجوال سفيتلانا أليلويفا الغامض (علماً أنها ماتت وهي مفلسة عام 2011) إلى قصة مفهومة، لا بل مؤثرة على نحو لا يُنسى.

back to top