مبررات الصفقة النووية مع إيران

نشر في 27-07-2015
آخر تحديث 27-07-2015 | 00:01
تشكل الدولة الإيرانية المتسلحة نووياً خطراً يهدد حلفاءنا في الشرق الأوسط، فضلاً عن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبإزالة هذا الخطر عن الطاولة، تسهّل هذه الصفقة معالجة مشاكل كثيرة أخرى نواجهها في سلوك إيران الإقليمي.
 واشنطن بوست عندما تسلّم الرئيس الأميركي باراك أوباما منصبه، واجه دولة إيرانية كانت قد أتقنت دورة الوقود النووي، وبنت منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم داخل جبل، وكانت تعمل على تركيب نحو 20 ألف جهاز للطرد المركزي بغية تخصيب اليورانيوم، كذلك كانت تعمل على أجهزة طرد مركزي متطورة وتبني مفاعلاً للماء الثقيل يستطيع إنتاج بلوتونيوم يمكن استخدامه في صنع الأسلحة، وإذا أرادت إيران تطوير سلاح نووي، فكانت قد سلكت شوطاً كبيراً على هذا الدرب، فضلاً عن أن المجتمع الدولي ما كان يملك معلومات كثيرة عن برنامجها، ورغم هذه الخلفية والتطورات تعهد الرئيس بألا يسمح مطلقاً لإيران بتطوير سلاح نووي.

لا تشكل الصفقة في فيينا هذا الشهر الطريقة الفضلى لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي فحسب، بل تُعتبر أيضاً الخيار الدائم والفاعل الوحيد لتحقيق هذا الهدف، فقد وحّد هذا القرار الدبلوماسي الشامل دعم القوى الكبرى في العالم، كذلك أطال الوقت الذي تحتاج إليه إيران لتطور سلاحاً نووياً، وفرض تدابير تفتيش وتحقيق قوية تمنحنا الوقت الكافي للرد، إن اختارت إيران السير على هذا الدرب، من دون أن يلغي أياً من الخيارات الأخرى الموضوعة على الطاولة.

تعرقل هذه الصفقة بالتحديد كلاً من دروب إيران المحتملة إلى إنتاج مواد انشطارية بغية تطوير سلاح نووي: دربَي إنتاج اليورانيوم والبلوتونيوم العاليي التخصيب، فضلاً عن أي درب سري، وتستند هذه الصفقة إلى التحقق، لا الثقة. فقبل الحصول على تخفيف كبير في العقوبات الاقتصادية، على إيران أولاً أن تحد من عملياتها في مجالات التخصيب والبحث والتطوير، فضلاً عن مخزونها من اليورانيوم المخصَّب. وبغية تفادي أي عملية غش سيحظى المفتشون الدوليون بقدرة غير مسبوقة على تفتيش منشآت إيران النووية المعلن عنها وغيرها من المواقع المشتبه فيها، فضلاً عن سلسلة الإمداد النووي الكاملة، بدءاً من إنتاج اليورانيوم وصولاً إلى تصنيع أجهزة الطرد المركزي وتشغيلها.

إذا لم تلتزم إيران بواجباتها، فستواجه العقوبات مجدداً، ولا يمكن لأي بلد أن يمنع حدوث ذلك، فإن حاولت إيران التهرب من الصفقة برمتها، فسوف يتسنى للعالم فترة أطول (سنة مقارنة بشهرين) للرد قبل أن تتمكن من إنتاج قنبلة، كذلك نتمتع بالسلطة الأخلاقية النابعة من استنفاد كل الخيارات الدبلوماسية.

ولكن هل هذه صفقة جيدة بالنسبة إلى الولايات المتحدة والعالم؟ لنتأمل في الوقائع.

من دون هذه الصفقة تستطيع إيران مضاعفة قدرتها على تخصيب اليورانيوم في فترة زمنية قصيرة، ومع الصفقة عليها أن تحد من هذه القدرة كثيراً في الحال.

من دون هذه الصفقة تستطيع إيران متابعة تطوير أجهزة الطرد المركزي المتقدمة بسرعة كبيرة، ومعها سيخضعها برنامجها لقيود كبيرة.

من دون هذه الصفقة تستطيع إيران توسيع مخزونها الحالي من اليورانيوم المخصَّب، ومعها سيُخفَّض هذا المخزون بنحو 98%، وسيظل هذا سقفه طوال 15 سنة، كذلك سيكون على إيران أن تتخلص من اليورانيوم المخصَّب إلى نسبة 20%، الذي يشكل الجزء الأكبر من تقدمها نحو الحصول على مواد يمكن استخدامها في القنبلة.

من دون هذه الصفقة تستطيع إيران إنتاج ما يكفي من البلوتونيوم الصالح ليُستخدم في الأسلحة لإنتاج سلاح نووي أو اثنين كل سنة، ومعها لن تنتج إيران أي بلوتونيوم صالح للاستخدام في الأسلحة.

من دون هذه الصفقة تستطيع إيران اتخاذ الخطوات الضرورية لإنتاج سلاح نووي، ومعها يحظر على إيران الإقدام على أي من هذه الخطوات.

إذا اشتبه المجتمع الدولي في أن إيران تغش فبإمكان الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلب دخول أي من المواقع المشتبه فيها. شهدنا ضجة كبيرة حيال الأربعة والعشرين يوماً المحتملة التي على المفتشين انتظارها قبل أن يتمكنوا من دخول مواقع نووية مشتبه فيها وغير معلن عنها، وتوخياً للتوضيح تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية طلب دخول أي موقع مشتبه فيه مع إشعار مدته 24 ساعة، وفق البروتوكولات الإضافية في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، التي ستُضطر إيران إلى تطبيقها بموجب هذه الصفقة، فلا يبدل الاتفاق الأخير هذا المعيار الأساسي، على العكس تعززه الصفقة بابتكار آلية جديدة تضمن حصول الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قدرة التفتيش المطلوبة، وتحدد إطاراً زمنياً ثابتاً لحل مسألة دخول أي منشأة في غضون 24 يوماً، وهكذا تقدّم هذه الآلية أداة مهمة تضمن أن إيران لا تستطيع التأجيل إلى ما لا نهاية.

الأهم من ذلك أن العينات البيئية تستطيع رصد أي آثار مجهرية للنشاط النووي حتى بعد محاولة التخلص من الأدلة، ويقدّم تاريخ إيران بحد ذاته مثالاً جيداً، ففي شهر فبراير عام 2003 طلبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية دخول منشأة مشتبه فيها في طهران وطالت المفاوضات، فيما حاولت إيران التخلص من أي أدلة، ولكن حتى بعد ستة أشهر، كشفت الاختبارات نشاطاً نووياً، رغم محاولات إيران إخفاء ذلك.

ما من تاريخ انتهاء صلاحية للخطة التي حظيت بالموافقة في فيينا، بل ستُطبق إلى أجل غير مسمى، وستظل بعض البنود سارية المفعول لعشر سنوات وبعضها الآخر لخمس عشرة سنة، وأخرى لعشرين أو خمس وعشرين سنة، لكن متطلبات الشفافية وواجب إيران الأساسي والأكثر أهمية (الحفاظ على طابع برنامجها النووي السلمي) دائمة.

في هذه الأثناء، ستظل العقوبات الاقتصادية على حالها إلى أن تستوفي طهران التزاماتها الأساسية، التي تشمل إزالة قلب مفاعلها في أراك، وفصل نحو 13 ألف جهاز للطرد المركزي وتخزينها، وشحن الجزء الأكبر من اليورانيوم المخصب إلى خارج البلد.

ولا شك أن تراجع الولايات المتحدة عن هذه الصفقة كان سيشكل خطأ تاريخياً، فكنا سننعزل عن شركائنا، ونواجه نظاماً معقداً من العقوبات، ونمنح إيران قدرة غير محدودة للمضي قدماً برنامجها النووي.

ندرك أن إيران لا تزال تشكل خطراً يهدد استقرار الشرق الأوسط، لكن هذا الخطر هو بالتحديد ما يجعل هذه الصفقة ضرورية، ويظهر لمَ نضالنا بقوة لاستمرار الحظر على الأسلحة المتعدد الأطراف طوال خمس سنوات إضافية، والحظر على الصواريخ البالستية ثماني سنوات، أما العقوبات الأميركية المرتبطة بالإرهاب، وحقوق الإنسان، والصواريخ، فستستمر أيضاً.

تشكل الدولة الإيرانية المتسلحة نووياً خطراً يهدد حلفاءنا في الشرق الأوسط، فضلاً عن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي، وبإزالة هذا الخطر عن الطاولة، تسهّل هذه الصفقة معالجة مشاكل كثيرة أخرى نواجهها في سلوك إيران الإقليمي.

أعلن الرئيس أوباما بوضوح أن إيران لن تطور أسلحة نووية، ولا يمكن للعقوبات أو العمل العسكري أن يضمنا نتيجة مماثلة؛ لذلك يكون الحل في الصفقة الدبلوماسية الشاملة التي توصلنا إليها في فيينا.

* جون كيري & إرنست مونيز

back to top