Retina... فيلم كارلوس فرير التشويقي عن اعتداءات 11 سبتمبر

نشر في 22-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 22-07-2015 | 00:01
أدى كارلوس فرير أدواراً كبيرة خلال ست سنوات شارك فيها كل أوجه إنتاج فيلم التشويق Retina باستثناء التمثيل: فقد قلق المنتج في داخله بشأن الكلفة، أحب خبير المؤثرات الخاصة فيه المتفجرات، ركّز محرر الأصوات فيه على وقع الخطى، مزج المؤلف الموسيقي فيه الكمان مع التشيلو، صب كاتب السيناريو فيه كل اهتمامه على سرعة الحركة، عمل المصور السينمائي فيه على الظلال، أما المخرج فيه فجاب شوارع نيويورك ليخطط لاعتداء إرهابي.

يشكل فرير، الذي يجمع في شخصه كل هذه المهارات، دليلاً على أن خبراء مهووسين يعيدون تعريف الطبيعة الشاملة لصناعة السينما، في بعض الأوساط على الأقل.

أُجري الجزء الأكبر من العمل التقني في فيلم Retina، الذي يتناول التحكم في العقل واضطرابات العيش في أعقاب اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، في شقة في نيويورك بالاستعانة بجهاز مزج الأصوات، نظام صوت محيطي، بيانو، أربع شاشات، جهازي Mac Pro محملين بمؤثرات خاصة، وبرامج إلكترونية أخرى.

يذكر فرير، وهو ابن مصففي شعر أعد فيلمه الأول (with no nudity عن جريمة قتل محيّرة) عندما كان في السادسة عشرة من عمره: {يتعلق كل هذا بالكبرياء والتعاون. عملت كمخرج مع عدد من الفرق، إلا أنني شعرت دوماً بوجود جدار. أدركت أنني أستطيع أن أكون مخرجاً أكثر فاعلية، إن تمكنت من التحدث بلغتهم}.

صحيح أن القيام بكل التفاصيل هو بنفسه أبطأ العمل، إلا أنه عمّق فهم فرير لكيمياء صانعي الأفلام. استغرقت المؤثرات الخاصة الكثير من الوقت: ثلاثة أشهر من العمل لكل 15 ثانية من الخراب والدمار على الشاشة. أما تأليف مقطوعة موسيقية من 50 دقيقة، فحرك القصة وتطلب توتراً عميقاً بين آلة النفخ والآلات الإيقاعية والوترية. لكن مزج الأصوات من إطلاق النار إلى صفارات الإنذار البعيدة، كان العمل الأدق الذي تطلب الكثير من الجهد.

يقول فرير، رجل غريب الأطوار (29 سنة) يخبر أن كل مقدراته التحليليلة والمنطقية توقفت خلال مشاهدته فيلم ستيفن سبيلبيرغ E.T. the Extra-Terrestrial حين كان صغيراً: {أكنّ احتراماً كبيراً لمحرري الأصوات. قد يغفر لك الناس خطأك إن لم تكن الصورة عالية الجودة وعانت شائبة أو خدشاً ما، إلا أنهم لا يرحمون إن كانت الأصوات غير متقنة. فهذا مرتبط أشد الارتباط بحواسنا لأنه يعزز من واقعية ما نشاهده. هذا عمل دقيق، وعليك أن تتحلى بأذن جيدة}.

هفوات في السرد

تسمح التكنولوجيا لصانعي الأفلام بتقديم أعمال لا بأس بها، حتى لو لم يملكوا مواهب كبيرة. إلا أنها تدفع أيضاً عدداً من صانعي الأفلام المهرة، المستقلين، الذي يتمتعون بمواهب كثيرة إلى تقليص موازنتهم  وتوسيع آفاقهم، مقدمين أفلاماً متقنة قوية كانت مستحيلة قبل نحو عقد من الزمن.

تُعتبر المؤثرات الخاصة والتصوير السينمائي في أفلام منخفضة الموازنة، مثل Monsters لغاريث إدواردز الذي صوّر بنحو 500 ألف دولار، متقنة، ذكية، وقوية. أما في فيلم فرير، فتتأجج كرات النار، تتداعى الأبنية، وينهار تمثال الحرية في رقصة مصوّرة، بغرابة، تخال أنها كلفت ملايين أكثر من المئتي ألف دولار التي جمعها فرير من الأصدقاء، أفراد العائلة، والمستثمرين.

توضح جانيت براون، المديرة التنفيذية في FilmBuff، شركة توزيع في نيويورك متخصصة في الأفلام المستقلة: {هذا مثير للاهتمام بالنسبة إلى صانعي الأفلام والمستهلكين}. صحيح أن التكنولوجيا تساهم في تحسين الإنتاج، وفق براون، إلا أن انتشار نماذج التوزيع غير التقليدية، مثل الفيديو عند الطلب، ساعد صانعي الأفلام المستقلين ليكونوا أكثر ابتكاراً ويستهدفوا شريحة محددة من الجمهور}. وتضيف: {تفاعلات التغيير سريعة اليوم. بات من السهل إنتاج فيلم، إلا أن سرد قصة جيدة ما زال بالصعوبة عينها}.

لكن Retina يحمل هفوات في السرد كأي فيلم يحاول تقديم الكثير. صحيح أن التوتر يزداد، إلا أن تطورات القصة تصبح غامضة في بعض المراحل، ما يولد بعض الحيرة بشأن قصة امرأة واقعة في قبضة شبكة إرهابية. لكن هذا العمل يُعتبر، عموماً، ذكياً ومتقناً، مبتكِراً مدينة خائفة يرتكز معظمها على ذاكرة فرير عندما كان صبياً في نيويورك وشاهد مركز التجارة العالمي يسقط، وعاش تداعيات هذا الاعتداء الإرهابية. يقول مايس نيوفلد، منتج أفلام ترتكز إلى روايات توم كلانسي وقدّم السنة الماضية The Equalizer مع دنزال واشنطن، إن مقدرات فرير الاحترافية الواسعة النطاق فاجأته.

يتابع نيوفلد، الذي وصف فرير قبل أكثر من عقد من الزمن، بعد تلقيه شريط فيديو عن فيلمه الأول، بالمخرج الشاب الواعد: {ذهلت. ثمة مشهد في Retina ترى فيه نيويورك من الجو. فسألته عما إذا قاد هو أيضاً طائرة مروحية. فأجابني أن الأمرين الوحيدين اللذين لم يقم بهما هما الماكياج وقيادة طائرة مروحية}.

يبحث فرير عن موزع لفيلم Retina. عُرض هذا الأخير في نيويورك ولوس أنجليس، واطلع عليه كثير من المسوقين، United Talent Agency، وشركات أخرى. يسعى الفيلم إلى استقطاب الأنظار في هوليوود المنشغلة راهناً بأبطال القصص المصورة ومشاريع النجوم الكبار. إلا أن صانعي أفلام عدة مثل فرير حققوا نجاحاً ملحوظاً: فيلم شاين كاروث الأول Primer الذي بلغت موازنته نحو 7 آلاف دولار وحقق أكثر من 424 ألفاً على شباك التذاكر. كذلك فاز بجائزة لجنة التحكيم الكبرى في مهرجان ساندانس السينمائي عام 2004.

تضارب وفصام

يدور فيلم كاروث الثاني Upstream Color حول مادة تتحكم في العقل تُستخرج من يرقة تعيش في الزنبق. بالإضافة إلى الكتابة، الإخراج، والتمثيل، صور كاروث هذا الفيلم، حرره، وألّف موسيقاه.

تقول ليندسي غورانسون، نجمة Retina: {لم يسبق لي أن قابلت مخرجاً آخر مثل كارلوس}. تؤدي هذه الممثلة دور امرأة تنضم إلى تجربة سريرية للتخفيف من القلق، إلا أنها تُحقن من دون علمها برقاقات تبرمجها لاعتداء معادٍ. تضيف: {يحدد لك بدقة ما يريد. ومن المنطقي أن ينكب على عمل بهذه الضخامة ليتعلم كل جزء من الأحجية كي يقدّم أحجية أفضل}.

جُمع العدد الأكبر من قطع الأحجية هذه في شوارع نيويورك وفي استوديو صغير في شقة والده في مانهاتن. يذكر فرير، الذي فاز عمله الأول Scallop Pond (فيلم تشويق تدور أحداثه في هامبتنز) بجائزة أفضل فيلم أعده طالب في مهرجان لونغ أيلند السينمائي: {شعرت أحياناً أنني منهك. عملت على Retina مع فريق مؤلف من شخصين. استغرق القتال في الشوارع نحو نصف المدة الضرورية. لا يتعلق ذلك بما يدور وراء الكاميرا. كان علينا اختيار أصوات مواقع التصوير. ولكن اضطررنا إلى إعادة تسجيل كل عنصر وكل صوت في المشهد}.

بالإضافة إلى ذلك، كان يشعر أحياناً بتضارب بين الأصوات في داخله.

يقول: {عانيت نوعاً من الفصام}. ويُضيف أن المؤلف الموسيقي في داخله شعر بالفخر حيال الموسيقى، إلا أن المخرج في داخله طلب خفت هذه الموسيقى في بعض المشاهد: {تصارعت مع ذاتي. وظللت أبدل رأيي بشأن أي من أجزاء الفيلم هي الأهم}.

لكن هذه الضوضاء الداخلية من الأصوات المتنافسة جعلته أحياناً ينفصل عن العالم الأشمل.

يخبر: «خصصت كل ساعة من كل يوم لأنجز هذا العمل»، مضيفاً أن غورانسون ومساعديه، بمن فيهم حامل الميكروفون، كانوا يتولون أحياناً تشغيل جهاز التسجيل. ويتابع قائلاً: «قدمنا تضحيات. خسرت أصدقائي. ترى الناس من حولك يتقدمون في حياتهم، فيما تصب أنت كل اهتمامك على أمر واحد. هذا صعب من الناحية العاطفية لأنك تشعر أنك فقدت الدعم».

خلال عملية الإنتاج، لم ينسَ فرير مطلقاً اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. فالاستوديو في شقة والده في الطابق الثاني والثلاثين من المبنى يطل جنوباً على موقع البرجين. كان فرير في حصة اللغة الإسبانية في الصف الثامن في مدرسة ومركز شيرشل في مانهاتن يوم الاعتداء.

يذكر: «لا أحد عرف ما كان يحدث. أنزلنا المدرسون إلى الطابق السفلي. ورحنا نستمع إلى جهاز الراديو لنعلم ما كان يحدث». كذلك أتى أناس وأخذوا أحد الطلاب لأن والديه يعملان في البرجين.

يؤكد فرير أنه ما زال يذكر مدى صفاء السماء في ذلك اليوم وكيف راحت محطات التلفزيون تعيد مراراً صور الطائرات وهي تصطدم بالبرجين. وتشكل الدقائق الأخيرة من فيلمه محاولة للوقوف برهبة أمام ما حدث.

يقول فرير: «بدّل هذا المدينة. فقد شعرت بخوف دائم من احتمال أن تتكرر هذه الاعتداءات. كان هذا كابوساً. تبدو المؤثرات الخاصة في نهاية الفيلم عاطفية جداً، وهي رائعة بالتأكيد. ولكن ما من رائع بشأن اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر. فهي لم تحدث على البطيء، بل حلت علينا بسرعة وبشكل مخيف. لم يكن المشهد الأهم. لذلك قررت التخفيف من المؤثرات الخاصة. لم أشأ الوقوع في المبالغة».

back to top