«مدام بوفاري»... يفتقر إلى الخيال

نشر في 20-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 20-07-2015 | 00:01
No Image Caption
يتمتع فيلم {مدام بوفاري} بإطار عام مميز ودقة تاريخية عالية، فضلاً عن الأداء الرفيع مع تقديم الممثلة الرائعة ميا فاسيكوفسكا الدور الرئيس. إلا أن هذا الفيلم يضيق نطاق بحثه ويركز على محور مختلف في رواية غوستاف فلوبير هذه.
لكن التخلي عن التعقيد لا يبدد عقوداً من الجهود الملائمة التي تحاول تبرير أفعال ربة المنزل الضجرة والمكبوتة في أربعينيات القرن التاسع عشر فحسب. فقد تجرأت المخرجة صوفي بارثيس (Cold Souls) على اعتبار بطلتها الجميلة السطحية كامرأة شريرة. ولا شك في أن هذا سيثير استهجان البعض. نلتقي بإيما خلال تدريبها في الدير (هادئة ووقورة) ثم نراها في يوم زفافها. يبدو والدها سعيداً بتزويجها إلى طبيب وسيم وميسور (هنري لويد-هيوغز). لكن الوالد يعكس جانباً من طبيعة إيما، حين يتحدث عن {كل هذه الأفكار في رأسك}.

روتين ممل

تملك إيما ما يكفي من المعرفة عن العالم لتشعر أن حياة الريف التي يستقران فيها في بلدة يونفيل الصغيرة مملة. قد تبدو لنا الغابات الحرجية والمزارع الرعوية والأكواخ الريفية اليوم ساحرة، إلا أنها تعتبر مصيدة. تقتصر أحاديث العشاء على المرضى واستشارة الكاهن، الذي يتحول إلى مستمعها الوحيد الذي لا يرى أو يسمع مدى يأسها: هذا هو مستقبلها. ولكن لإيما منقذ. فمالك المتجر اللجوج «السيد لورو» (يؤدي هذه الشخصية الجشعة رايس إيفنز) يصفها بـ»السيدة الأنيقة صاحبة الذوق الرفيع». ثم يعرض عليها الأثواب الفاخرة، الستائر، والأثاث التي تحلم بها كل سيدة راقية مثلها. يضع كل هذا على حسابها. لكنها ليست متهورة كفاية لتقع في حب كاتب المحكمة الرومنسي إنما الساذج ليون (إيزرا ميلر، إلا أنه يبدو أقرب إلى شاب في فرقة غناء منه إلى رجل من تلك الحقبة التاريخية). رغم ذلك، يُحكم عليها بالهلاك. ولا يعود ذلك إلى اهتمام الماركيز الساحر (لوغان مارشال-غرين) فحسب. تنعكس رغبتها القوية في حياة أكثر ثراء على زواجها، عمل زوجها، وآخرين، فيما يمتلئ المنزل بأغراض باهظة الثمن، وتدفعها هذه الحاجة إلى خوض علاقات عاطفية.

واقعية فلوبير

تشدد بارثيس، التي شاركت في كتابة السيناريو، على عزلة إيما (لا صديقات أو شابات من سنها) وعلى سذاجتها. لكنها تغفل عن ذكر هوسها بالروايات الرومنسية التي غذت أحلام إيما وعلمتها أن العالم أكبر وأوسع من تلك البلدة. ويتجاهل هذا الفيلم أيضاً بعض علاقاتها والفتاة التي أنجبتها من تشارلز، علماً أن هاتين المسألتين جعلتا رغبتها في التقدم اجتماعياً تبدو أكثر أنانية على الورق. يؤدي بول جياماتي دور الصيدلي هومايس الجذاب واللجوج، إلا أنه يُجرَّد في هذا الفيلم من دوافعه الخفية. رغم كل هذا، تنجح فاسيكوفسكا في تصوير سأم إيما وسطحيتها. فهي شخصية لا تستطيع التعبير عن يأسها وترى الأمور من المنظار الذي يُقنعها به السيد لورو: «امتلكي ما تحبينه». ربما أدت حقبة Real Housewives (ربات المنزل الفعليات) إلى العودة إلى أفكار الواقعي الكبير، فلوبير، وروايته العظيمة، بما أننا سبق أن شاهدنا خلال الصيف الفيلم الفكاهي القاتم المنمق  Gemma Bovery المستوحى من هذه الرواية. صحيح أن فيلم {مدام بوفاري} الأخير هذا غني، إلا أنه يركز على محاور مأساوية ويربط بينها، مشدداً على ثقافة الاستحواذ. لا شك في أنه عمل متقن، إلا أنه لا يؤثر فينا عميقاً. لذلك من الطبيعي أن يستخف به مَن يرفضون إدخال أي تغيير على أعمال فلوبير.

ر. م

back to top