مفتي الديار المصرية شوقي علام: التجديد لا يعني تسويغ البدع بل الفهم الجديد للنصوص

نشر في 04-07-2015 | 00:01
آخر تحديث 04-07-2015 | 00:01
No Image Caption
دعا مفتي الديار المصرية، الدكتور شوقي علام، إلى تبني خطاب إسلامي جديد سواء في بنيته وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، أو في تجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حامليه، بهدف تلبية احتياجات الشعوب المسلمة، واعتبر علام في مقابلة مع {الجريدة} أن تجديد الخطاب الديني أصبح في عصرنا الحالي ضرورة ملحة، في ظل خطاب ديني مفكك وفردي، في وقت تسيطر على العالم فكرة التجمعات والمؤسسات والتطور التكنولوجي، وعليه لابد من خطاب واعٍ ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يجاري التقدم والنهضة الحادثة في العالم، بل ويساعد عليها ويدفعها إلى إخراج الأمة من هذا التيه... وإلى نص المقابلة.
ما المقصود بتجديد الخطاب الديني؟

التجديد سنة من سنن الكون، وضرورة من ضرورات العصر التي لا غنى عنها، لقوله (صلى الله عليه وسلم): «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يجدد لها دينها»، لذا كان الفرد والمجتمع معنيين دائماً بالتجديد والتحديث والتغيير والإبداع، لما ينطوي عليه ذلك من تطوِّر وتقدم. ويتوقف التجديد على فهم الواقع والتعرف إلى سلبياته ومحاولة علاجها، ورد الناس إلى المنهج الإسلامي الصحيح، وفكرة التجديد في الخطاب الديني قديمة حديثة، ليست قائمة على العشوائية، إنما تستمد قوتها من الاستيعاب الواضح للواقع المعاش والتعرف إلى السلبيات التي تنتشر في المجتمع، ثم بعد ذلك إطلاق روح الإبداع في سبيل إصلاح الخطاب الديني - المتمثل في الدين والدنيا معاً - لدى جميع المسلمين.

كيف يتم التجديد؟

التجديد الذي نذهب إليه هو تجديد في الآليات والوسائل بعيداً عن المساس بالثوابت المتمثلة في القرآن الكريم وسنة النبي (صلى الله عليه وسلم)، فليس المراد بالتجديد الإلغاء أو التبديل أو تجاوز النص لكن المراد هو الفهم الجديد للنص. هذا الفهم يهدي المسلمين إلى معالجة مشاكلهم وقضايا عصرهم، معالجة نابعة من الوحي الإلهي. بالتالي، يؤدي الفهم الجيد للنص إلى العلاج الجيد، ومن ثم الوصول إلى الخطاب المبني على صحيح الدين، انطلاقاً من قاعدة المقدمات الجيدة تؤدي إلى النتائج الجيدة.

ما خصائص الخطاب الديني الرشيد وبرأيك ما أبرز الغايات المقصودة من وراء هذا التجديد في زماننا الراهن؟

تجديد الخطاب الديني ليس بالعمل العشوائي أو الارتجالي، إنما هو عمل مبني على برنامج فكري شامل ومتكامل، يأتي بعد أهداف وخطط وأساليب واستراتيجيات ومتطلبات مادية وبشرية، تشمل الداعية ومؤسسات الدعوة ومؤسسات المجتمع كافة، وبما أن الأديان السماوية تشكل في ذاتها جانباً ومكوناً أساسيّاً من مكونات هوية الأمة من أفراد ومجتمعات، فإن الخطاب الديني أصبح مؤثراً مهمّاً في تشكيل وتوجيه أفكار وسلوكيات ومشاعر ووجدان أفراد الأمة. وللشيخ الغزالي كلمة جامعة في أمر التجديد، حيث رأى أن تجديد الدين يعني توضيح ما أبهم الجهلُ من تعاليمه، وتمكين ما زحزح التهاون من أمره، وحُسن الربط بين أحكامه وبين ما تُحدثُ الدنيا من أقضية، وتنزيل أحوال الحياة المتغايرة على مقتضيات القواعد العامة والمصالح المرسلة. ولم يفهم أحد من العلماء الأولين أو الآخرين أن تجديد الدين يعني تسويغ البدع ومطاوعة الرغبات وإتاحة العبث بالنصوص والأصول لكل متهجم، ونحن نفهم أن التجديد أصبح حاجة تحتمها طبيعة هذا الدين، وتفرضها الخصائص التي خص اللهُ بها هذه الشريعة الغراء.

كيف يتسنى لنا تجديد هذا الخطاب الديني؟

تأتي الإجابة عن هذا السؤال من حديث النبي آنف الذكر عندما يقول «يجدد لها دينها»، ذكر النبي فيه تجديد الدين، والخطاب الديني جزء من هذا الدين ومن هذا التجديد، وعليه فهذا التجديد يشمل الفرد والجماعة والمؤسسات الدعوية، في ظل توسع الأمة واتساع رقعتها وما تشهده من أحداث إضافة إلى انفتاح العالم بحيث أصبح قرية صغيرة، وما تبع ذلك من خلل في المنظومة العالمية، فإن واجب الوقت يفرض علينا التجديد، وهذا التجديد لا يكون مقصوراً على الفرد وحده بل من خلال مجموعات تتكامل في ما بينها، وتؤدي أدواراً مختلفة وتخصصات علمية متباينة وحقول معرفية كلها تنتهي إلى أصول الشريعة الإسلامية.

مفهوم التراث

كيف يتعامل الخطاب الديني مع التراث؟

علينا أن نوضح للناس مفهوم التراث، الذي لا يخرج عما ورثه خلف هذه الأمة عن سلفنا، ممثلاً في النتاج العلمي، أو الأمور التي تتعلق بالعلوم والثقافة والفكر والحضارة، ما يعني أنه نتاج إنساني خالص. كذلك علينا أيضاً توضيح الحد الفاصل بين التراث الإسلامي والإسلام كدين، لأن الخلط بين المصطلحين يؤدي بنا إلى إحداث عدة إشكالات، منها تعظيم الفهم البشري المظنون، وتقديس الرأي الإنساني غير المعصوم، مع العلم أن نقد التراث والفكر الإسلامي واجب لكن على المتخصصين والعلماء الذين يعرفون كنهه ومكانته، كما أنه علينا أن نبين أن التراث الإسلامي تتنازعه طوائف مختلفة منهم الفقهاء ومنهم المحدثون ومنهم المتكلمون وأصحاب المذهب الصوفي.

ما الميزان الذي نزن به التراث؟

الميزان الذي نزن به التراث قوامه الكتاب والسنة النبوية المطهرة، وعليه لا بد من الانتباه إلى مجموعة من المبادئ يجب الالتزام بها عند نقد التراث الإسلامي وهي: التثبت من صحة السند، والاقتناع بأحقية نقده، ووجوب العدل والإنصاف في النقد والتقويم والرد حول مسائل الاختلاف، وعدم الانتقال من النقد إلى الطعن والتجريح.

يحتاج الخطاب الديني اليوم إلى استراتيجية يسير عليها لأجل إحداث أمرين: التجديد والغاية من هذا التجديد، فما وجهة نظركم في هذا الأمر؟

أصبح تجديد الخطاب الديني في عصرنا الحالي ضرورة ملحة، في ظل خطاب ديني مفكك وفردي في وقت تسيطر فيه على العالم فكرة التجمعات والمؤسسات والتطور التكنولوجي، وعليه فلابد من خطاب واعٍ ومعاصر ومنضبط يستطيع أن يجاري التقدم والنهضة الحادثة في العالم بل ويساعد عليها ويدفعها لإخراج الأمة من هذا التيه والدوران الذي تدور فيه حول نفسها. لذا علينا أن نتبنى خطاباً إسلاميّاً جديداً، سواء في بنيته وأولوياته وإعادة صياغة أطروحاته، أو في تجديد تقنياته ووسائله وتطوير قدرات حامليه، بهدف تلبية احتياجات الشعوب المسلمة في الظروف الراهنة التي تعيشها، واستجابة للتحديات التي تواجهها في سياق التفاعل مع ما يجري حولها في العالم من أحداث، نحن بحاجة إلى خطاب بنائي وليس خطاباً إنشائيّاً، يدفع حركة المجتمع عبر الفرز بين قيم التحلي وقيم التخلي، وإدراك سنن التغيير الحضاري، بحيث يعيد للإنسان دوره وفاعليته وحضوره في حركة المجتمع، خطاب ينبع أولاً من طبيعة الإسلام، الذي ينطوي على دعوة مستمرة إلى التجديد، وفي الوقت نفسه يستجيب للتطلعات المشروعة للشعوب العربية والإسلامية في الحرية والتقدم وتحقيق الشهود الحضاري، إن على دعاة التجديد أن ينتقلوا من ضيق الرأي والمذهب والجماعة إلى سعة الشريعة ومقاصدها، مع أهمية هذا كله في العلم الإسلامي والديني، لكنني أدعو إلى الاعتصام بسعة الشريعة وبحبوحتها لتجديد الاجتهاد الإسلامي وتيسيره. يقول الله تعالى: { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ» (النساء: 83).

مرصد التكفير

• «مرصد التكفير» التابع للدار، كيف يعمل وما خطتكم لتصحيح المفاهيم المغلوطة عند كثير من الشباب؟

المرصد هو أداة رصدية وبحثية لخدمة المؤسسة الدينية باعتبارها المرجعية الإسلامية الأولى في مجال الفتوى، وهدفه التصدي لظاهرة فتاوى التكفير والآراء المتشددة في مختلف وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وتقديم معالجات فكرية ودينية لتلك الظاهرة وآثارها، ومحاولة الوقوف على الأنماط التكفيرية والمتشددة في المجتمع لتكون محل مزيد من البحث والدراسة لتقديم تصور لعلاج الظاهرة والمرتبطين بها، ومنها أيضاً تحسين صورة الإسلام وتنقيح الخطاب الديني من ظواهر التشدد التي طرأت عليه بفعل أيديولوجيات وافدة أو مجتزئة والتي تدعو إلى العنف والتطرف.

 وثمة محاولات من الدار بالتنسيق مع الأزهر الشريف ووزارة الأوقاف المصرية عن طريق علمائهم لنشر المفاهيم الصحيحة في ربوع الوطن، والقضاء على ظاهرة التشدد والتطرف وتجفيف منابعها.

• برأيك لماذا ازدادت وتيرة الفتاوى الشاذة في مصر وغيرها من  بلدان العالم العربي رغم وجود مؤسسات دعوية وشرعية كثيرة؟

هذا أمر طبيعي نظراً إلى الأحداث التي يمر بها العالم العربي بوجه عام وتمر مصر بها بوجه خاص، وهذا يرجع أيضاً إلى وجود جماعات متطرفة تتبنى فكراً شاذّاً يساهم في الإساءة للدين وللأوطان، ونحن نحاول التصدي لمثل هذه الأفكار وهذه الفوضى في الفتاوى، وهذه المهمة ستكون الهم الأكبر عندنا في المرحلة المقبلة وهو القيام بوظيفة الدار من بيان للأحكام الشرعية بطريقة منضبطة تحد من الفتاوى التي تحدث بلبلة في المجتمع وتقضي على ما يسمى بفوضى الفتاوى. وسيكون هذا الأمر من خلال طريقتين: الأولى وهي الإسهام الفاعل في بث مزيد من الوعي العام لدى جماهير الأمة بهذه القضية، والعمل على إرساء ما سماه بعض علمائنا بـ «ثقافة الاستفتاء»، لأن هذا بمثابة التحصين من الوقوع في هذا الإشكال، والطريقة الثانية تتمثل في العمل الدؤوب على تصحيح المفاهيم الفاسدة التي تخلفها تلك الفتاوى الشاذة والغريبة على مجتمعاتنا وعلى روح الإسلام الوسطي الذي اتخذه الأزهر منهاجا له، فالمؤسسة الأزهرية هي عنوان للوسطية الإسلامية التي تسع الجميع وتحتوي الجميع، وستظل بفضل الله عز وجل مرتكزاً لكل دعوات الخير، وقيادة لا أقول روحيةً فقط، وإنما قيادة فكرية قادرة على ضبْط إيقاع المجتمع إذا ظهر فيه النشاز في أية صورة من صوره.

دعاة الغرب

• ما آليات تجديد الخطاب بشكل عملي ومؤثر لا أن يكون الأمر محض شعارات في بيانات رسمية أو مؤتمرات وندوات دينية؟

يجب على العلماء والدعاة في الغرب عرض الإسلام وشرح مفاهيمه بطريقة صحيحة، خصوصاً أن ثمة من يسمي الإسلام بالإرهاب والتعصب، واحتقار المرأة، والافتقار إلى التسامح مع غير المسلمين، ورفض الديمقراطية، وعبادة إله غريب وانتقامي. وتركز وسائل الإعلام الغربي على تصوير الحركات الإرهابية على أنها من تمثل الإسلام، حيث إنها حركات لا تحترم الديمقراطية وحقوق الإنسان، ولم تقف الحرب على ناحية دون أخرى، فالعدو يستغل الوسائل كافة لتشويه صورة الإسلام والتي تضعنا جميعاً أمام مهمة كبيرة للتصدي لها، خصوصاً أن الأمر لم يقف على وسائل الإعلام. هنا تكون مهمة الخطاب الديني، وكما نحاول أن نقوم به في دار الإفتاء، من الدعوة إلى عقد حوارات ولقاءات مع غير المسلمين لبيان حقيقة الإسلام بشرط ألا يكون الحوار في العقائد أو مقارنة عقيدة بعقيدة أخرى. لكن يجب أن ينصب موضوع الحوار على القيم المشتركة التي جاءت الأديان السماوية من أجلها، وتدعو إلى التعايش بين الناس بسلام.

على الخطاب الديني العمل على أرض الواقع والبدء فوراً في جولات تجوب العالم لتصحيح الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين والتعاطي الجيد مع وسائل الإعلام والمفكرين والعلماء والمثقفين وصانعي القرار هناك، حتى يتم تكوين رأي عام وثقافة سائدة إيجابية عن الإسلام، فمستقبل الإسلام، سواء في الغرب أو أي بلد آخر في العالم، يبشر بالخير، ذلك لأن الإسلام يتميز بخاصية مهمة لا تتوافر في أية ديانة أخرى، وهي صلاحيته لكل زمان ومكان.

 يملك الإسلام منهجاً متكاملاً للحياة، فيجب ألا نخشى عليه، لكن المطلوب منا أن نعمل لخدمة ديننا ووطننا بإخلاص وتفانٍ، وأن نقدم النماذج الطيبة التي تصور للناس الإسلام الصحيح، وذلك من خلال الدعاة المهرة الذين يجيدون فن الدعوة إلى الله بيسر وسهولة ويجيدون اللغات الأجنبية وفهم ثقافات الدول التي يذهبون إليها. فعلاً بدأنا في دار الإفتاء، من خلال استراتيجية محددة، التعامل مع هذه الظاهرة، وإيفاد علماء الدار إلى الخارج للتعامل مع هذه الظاهرة وتصحيح صورة الإسلام في الخارج.

في سطور:

الدكتور شوقي إبراهيم عبدالكريم علام من مواليد 1961. شغل منصب مفتي الديار المصرية في 11 فبراير 2013 بعدما انتخب في أول اقتراع سري من خلال هيئة كبار العلماء برئاسة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب. بالتالي، يعد علام أول مفتٍ منتخب بعد تعديل قانون الأزهر.

ولد علام في محافظة البحيرة إحدى محافظات الدلتا في مصر، وتدرج في التعليم الأزهري، حيث حصل على ليسانس الشريعة والقانون من كلية الشريعة والقانون في محافظة الغربية عام 1984 بتقدير جيد جداً، ثم حصل على درجة الماجستير عام ١٩٩٠ من كلية الشريعة والقانون في القاهرة بتقدير جيد جداً في موضوع {دراسة وتحقيق القسم الثالث والرابع من كتاب البيوع من مخطوط الذخيرة للإمام شهاب الدين أحمد بن إدريس القرافي المالكي}، بتقدير جيد جداً، كما حصل على الدكتوراة عام 1996 من كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر في القاهرة، في موضوع {إيقاف سير الدعوى الجنائية وإنهاؤها بدون حكم في الفقه الإسلامي والقانون الوضعي دراسة مقارنة} بتقدير مرتبة الشرف الأولى.

back to top