شخصيات شريرة: زكي رستم «الباشا» في إمبراطورية الشر

نشر في 30-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 30-06-2015 | 00:01
صاغ ملامح الفرح والحزن معاً. وفي لحظات درامية لا تنسى، ترك بصمة لا يمحوها زمن، أو تتجاهلها الأجيال في تاريخ السينما، واستطاع أن يلفت بأسلوبه أنظار النقاد في مصر والعالم، لدرجة أن مجلة {لايف} الأميركية وعلى ست صفحات، شهدت بأنه أعظم ممثل في الشرق وقارنت بينه وبين الممثل البريطاني الكبير تشارلز لوتون، كذلك اختارته مجلة {باري ماتش} الفرنسية بوصفه واحداً من أفضل 10 ممثلين عالميين، مشيرة إلى أنه فنان قدير ونسخة مصرية من أورسن ويلز بملامحه المعبرة ونظراته المؤثرة.
إنه {الباشا} زكي محرم محمود رستم، الشهير {بزكي رستم}، الذي عشق فن التمثيل، ولم يعمل في مجال الفن من أجل المال فقد كان متوافراً لديه بحكم نشأته الثرية التي جاءت في صباح الخامس من مارس عام 1903، وكان أبوه محرم بك رستم أحد أعيان الريف وكبار المزارعين بمحافظة المنوفية، وكان عضواً بارزاً في الحزب الوطني آنذاك.

نشأ زكي رستم في قصر جده اللواء محمود باشا رستم، الذي كان من قادة الجيش المصري، في حي الحلمية الجديدة بالقاهرة، حيث كانت تقطن الطبقة الراقية في أوائل القرن العشرين.

زكي رستم أحد الممثلين الذين جاؤوا من المسرح ليحققوا نجاحاً كبيراً في السينما، وكأنه انتقل من بيت كان يجد فيه راحته إلى بيت آخر وجد فيه راحة أكثر وترحيباً أكبر من كل المحيطين به بعدما صدر قانون يمنع من يعمل بالمسرح من العمل بالسينما، وفي الوقت نفسه كان رستم قد وقَّع خمسة عقود سينمائية فاضطر إلى الاستقالة من الفرقة، وكان ذلك نهاية عهده بالمسرح.

وكانت البدايه في السينما من خلال الفيلم الصامت {زينب}، حيث أدى دور {حسن} أمام كل من بهيجة حافظ، ودولت أبيض، وسراج منير وعدد من النجوم. وكان الفيلم من تأليف الدكتور حسين هيكل، وإنتاج يوسف وهبي.

 بعد نجاحه في فيلم {زينب}، قدَّم مجموعة من الأدوار الصغيرة في أفلام {الضحايا، والعزيمة، وليلى بنت الصحراء}، وهو عُرف رستم بابتعاده عن أداء الدور النمطي، فكان ممثلاً متنوعاً قام بأدوار مختلفة، مجسداً دور الباشا في أفلام عدة، ولكن كل مرة كان باشا مختلفاً، تارة ظالماً ومتغطرساً وأخرى شريراً وثالثة طيباً وحنوناً، وفي كلها كان قادراً على أن يبدع ويقنع المشاهد ببراعة ويسر من مشهد إلى آخر.

إلا أن رستم {الباشا} تميز أكثر بأدوار الشر، وفي كل مرة كان يقدم شخصية جديدة حسب مواصفات الدور المرسوم في السيناريو ويعطي لكل شخصية ملامح خاصة بها لا تتكرر في الشخصيات الأخرى. حتى إن دوره في فيلم {عائشة} كان إحدى العلامات البارزة في الخمسينيات من القرن العشرين. وتقمص ببراعة دور الباشا الإقطاعي المخطط للظلم الاجتماعي في {صراع في الوادي} مع كل من فاتن حمامة، وعمر الشريف، والمخرج يوسف شاهين (إنتاج عام 1954)، وهو دور يختلف عن دوره في {بائعة الخبز}، كما يختلف دوره في  فيلم {النمر} عن شخصيته في {رصيف نمرة 5}، فرغم أنه ظهر كمجرم في هذه الأفلام كافة، حرص على أن يعطي لكل دور ملامحه الخاصة به فلم يشعرنا بالتكرار.

انطواء

اشتهر زكي بالوحدة والانطواء، فلم يكن يقبل أي دعوة للسهر ولا يدعو أحداً، وكان الفن عنده هو {البلاتوه}، وتنقطع صلته به تماماً لحظة خروجه منه، لهذا لم يكن له أصدقاء سوى سليمان نجيب، وعبد الوارث عسر. كان يسكن بمفرده في شقة بعمارة {يعقوبيان} بشارع 26 يوليو، ولم يكن يؤنس وحدته سوى خادم عجوز قضى في خدمته أكثر من 30 عاماً وكلبه الذي كان يصاحبه في جولاته الصباحية.

عانى رستم في أوائل الستينيات من ضعف السمع، وأعتقد في البداية أنه مجرد عارض سيزول مع الأيام، وأنه بحفظه جيداً دوره وقراءته شفاه الممثلين أمامه قد يحل المشكلة. لكن هذا لم يحدث، ففي آخر أفلامه {إجازة صيف} كان قد فقد حاسة السمع تماماً، فكان ينسى جملاً في الحوار أو يرفع صوته بطريقة مسرحية، وكان يكره أن يستعين بسماعة من تلك الاختراعات الإلكترونية، خصوصاً أن السماعات كانت ما زالت بأسلاكها وبطاريتها ظاهرة للعيان إلى جانب أنها تقيد من طريقته في الاندماج، ومع ذلك أدى الدور على أحسن ما يكون. وعندما راح المخرج يوجهه أو يعطيه ملاحظاته كان لا يسمعها، ما أحزنه كثيراً. حتى إنه في إحدى المرات بكى في الأستوديو من هذا الموقف. الأمر الذي دفعه إلى اعتزال التمثيل نهائياً عام 1968، والابتعاد عن الناس بعد فقدانه حاسة السمع تدريجياً، وكان يقضي معظم وقته في القراءة ولعب البلياردو، بعدما قدَّم أكثر من 240 فيلماً، لكن الشهير منها والموجود 55 فيلماً فقط.

وبعد ذلك المجد كله، أصيب زكي رستم بأزمة قلبية حادة نقل على إثرها إلى مستشفى دار الشفاء، وفي 15 فبراير 1972 أسلم الروح ولم يشعر به أحد ولم يمش في جنازته أحد.

back to top