كامل الشناوي ... شاعر الليل (11): حوار مع الزعيم جمال عبد الناصر

نشر في 28-06-2015 | 00:02
آخر تحديث 28-06-2015 | 00:02
قليلون يجمعون بين طزاجة اللحظة وعتق الماضي، يحضرون في الأذهان كشخصيات أسطورية تأتي من أزمان ذهبية وتتدفق حكاياتم كأنهم غابوا بالأمس فقط...
كامل الشناوي واحد من هؤلاء صنع مجده الخاص في بلاط صاحبة الجلالة وفي عالم الشعر ودنيا الجمال والحب فكان الشاعر في ديوان الصحافة والصحافي وسط إلهام الآداب والفنون والثقافة والعاشق المتيم بالجمال والراهب الناسك في محراب الحب.
ترك الشناوي، الذي سماه والده مصطفى كامل لأنه وُلد في أعقاب رحيل الزعيم الوطني مصطفى كامل، آثاراً إبداعية وثقافية وصحافية ومعارك ثقافية وفنية وسياسية كان طرفا أصيلا فيها، وحكايات لاتزال تتردد حتى الآن، طازجة كالحب المتجدد، نستعيدها هنا مع سيرته ومسيرته التي تعيدنا إلى زمن جميل مضى نحاول الإمساك به.
هل كان كامل الشناوي مؤيداً لثورة يوليو؟ 

 

يجيب الكاتب يوسف الشريف عن  السؤال بقول {نعم} صريحة، لكنه لا يرجع ذلك إلى قناعته بالضباط الأحرار، أو برنامجهم المعلن، وإنما لأنه في هذه المرحلة كان يؤمن بحتمية التغيير، فكان مع الثورة في السعي إلى التغيير، ومعها في مواجهة الاستعمار والظلم والجهل، ومعها في نزعتها القومية واتجاهها العروبي. وقد سبق له أن خاض معارك كبرى رسخت وضعه ككاتب وطني شريف، ربما كانت أشهرها معارضته الواضحة الجريئة لمعاهدة {صدقي – بيفن} التي عقدها رئيس الوزراء القوي إسماعيل صدقي مع إنكلترا. ورغم أنها كانت تحقق الجلاء نظرياً، فإنها كانت تربط مصر في فلك بريطانيا، وتضمها إلى حلف معها، وتسمح للقوات البريطانية بالتدخل في مصر فوراً حال شعورها بتهديد لمصر أو للمجرى الملاحي في قناة السويس.

وكتب كامل تحت عنوان {ألعنها.. ولا أوقعها} مهاجماً المعاهدة وصدقي، رغم تأييد الجريدة التي يكتب فيها لصدقي، لكن ذلك لم يمنعه من دعوة الشعب إلى رفض هذه المعاهدة. 

 

الثورة... 

 

وعندما قامت ثورة يوليو 1952، كان كامل قد عاد إلى  «الأهرام» رئيساً لقسم الأخبار، وبدا للوهلة الأولى أن علاقته بضباط يوليو فاترة، وكان الظاهر منها ما بدا من كراهية يكنها له الصاغ صلاح سالم الذي كان وزيراً للإرشاد في حكومة الثورة الأولى، بسبب اعتبار سالم أن حصوله على البكوية وارتباطه بباشاوات ورؤساء حكومات العهد الملكي تحسباه على النظام القديم. 

كان مجلس قيادة الثورة أسس جريدة {الجمهورية}، وتولى كامل الشناوي رئاسة تحريرها بإشراف من الرئيس الراحل أنور السادات الذي كان من الضباط الأحرار وتربطه علاقات وثيقة بالكتاب والمثقفين. لكن صلاح سالم صار بعد ذلك رئيساً لمجلس الإدارة، وفكر في الإطاحة بـكامل أو اختيار شخص آخر ليكون رئيساً للتحرير، فيحجم يده  في الجريدة. عرف كامل بالأمر، ورشح الدكتور طه حسين مسترجعاً العلاقة القديمة منذ أيام جريدة «الوادي».وعندما استقرت الأوضاع، تبددت شكوك وهواجس صلاح سالم وصارت بينهما صداقة. بل إن كامل كتب الشعر الذي يتماشى مع برنامج ثورة يوليو، فغنى به عبد الوهاب قصيدته المهمة: «كنت في صمتك مرغم»، وفيها يقول: 

 

كنت في صمتك مرغم

..كنت في حبك مكره

فتكلم.. وتألم

..وتعلم.. كيف تكره

عرضك الغالي على الظالم هان

..ومشى العار إليه وإليك

أرضك الحرة غطاها الهوان

..وطغى الظلم عليها وعليك

غضبة للعرض، للأرض لنا

..غضبة تبعث فينا مجدنا

 

واللافت أن القصيدة كانت تقول «أنت في صمتك مرغم»، فاتفق معه عبد الوهاب على تبديل أنت بـ «كنت» لتنسحب على العهد الملكي قبل الثورة. والحقيقة أن كامل الذي تٌوفي قبل عامين من نكسة 67، وجد في مشروع الثورة حتى قبل موته إنجازات عدة تستحق الاحتفاء. صحيح كان لديه غصات من اعتقالات أصدقائه المثقفين، لكن ذلك لم ينف  إيمانه بمنجزات الثورة، لذلك أيضاً غنت له أم كلثوم قصيدته الشهيرة «أنا الشعب»، في تمجيد الثورة ومشروعها والاحتفاء بالجلاء وبالسد العالي وبجمال عبدالناصر أيضاً.   

 

الحوار الأول مع القائد

 

في بدايات عام 1956، كانت الثورة استقرت، وتثبت نفوذ جمال عبدالناصر باختياره رئيساً للجمهورية، بعد حسمه للأمور كافة: حل الأحزاب وحظر «الإخوان»، وعزل اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية، وعقد اتفاقاً للجلاء مع البريطانيين يحقق الاستقلال التام من دون شروط مسبقة أو ربط مصير مصر بالتبعية والوصاية البريطانية.وحتى هذا التاريخ لم يكن عبد الناصر يظهر إعلامياً إلا في الخطابات الرسمية والجماهيرية التي كان يلقيها من وقت إلى آخر، ولم يجر أي حوارات أو لقاءات صحافية يظهر فيها أمام الرأي العام، يجيب عن أسئلة محاور يحاول الولوج لعقله. لكن كامل الشناوي كان هذا المحاور الذي أجرى وهو رئيس تحرير جريدة «الجمهورية» أول حوار صحافي مع الرئيس جمال عبد الناصر، في الثلاثين من مايو عام 1956، أظهر فيه الكثير من أفكار عبد الناصر ونواياه وتصوراته في وقت مبكر، وهذه مقتطفات منه:        

- كامل الشناوي: قررتم رفع الرقابة عن الصحف نهائياً وبصورة كاملة، فهل سيتبع ذلك اتخاذ قرار بتخفيض قيود الأحكام العرفية التي فرضت على البلاد أثناء فترة الانتقال؟

* عبد الناصر: الأحكام العرفية استمرار لقرار آخر برلمان في ٢٦ يناير سنة ١٩٥٢ مع فرق أنها كانت تستعمل ضد الوطنيين. أما بعد الثورة فقد استخدمت ضد أعداء الوطن، وسأعلن وجهة النظر في هذا الخصوص في نهاية هذا الأسبوع.

-  الشناوي: والمعتقلون؟

* عبد الناصر:  قررنا الإفراج عنهم.

-  الشناوي: جميعاً؟

 * عبد الناصر: جميعاً وبلا استثناء، هل تعرف كم عدد المعتقلين؟

-  الشناوي: ليس عندي معلومات أكيدة عن عددهم.

* عبد الناصر: سأذيع خلال أيام قليلة بياناً عمن اعتقلناهم ومن أفرجنا عنهم، وسيفاجأ الرأي العام حين يعلم أن حملات التضليل قد ضربت الرقم الحقيقي للمعتقلين في عشرة أو عشرين. كذلك سيعلم الرأي العام أننا لم نؤذ معتقلاً في رزقه، ولم نهمل شأنه أو شأن أحد ممن يعولهم، وأن الاعتقال كان إجراءً تحفظياً اقتضته سلامة الدولة وحماية مصلحتها العليا، وأن الاعتقال بالنسبة إلى كثير من المعتقلين لم يكن عقوبة بل كان علاجاً ووقاية.

-  الشناوي: هل أستطيع أن أعرف عددهم؟

* عبد الناصر: عدد المعتقلين الآن ٥٧١ سيفرج عنهم جميعاً قبل ٢٢‎ يونيو.

-  الشناوي:  المشتغلون في الصحافة تصل إليهم رسائل من المعتقلين تتضمن شكوى أو طلبات، وقد تلقيت أخيراً كلمة من أحد المعتقلين قال فيها إنه حارب الثورة اعتقاداً منه بأنها عقدت اتفاقاً لتنظيم الجلاء لتنضم إلى المعسكر الغربي، وتجر البلاد إلى الدمار. ولكن الأيام أثبتت أن قائد ثورة مصر هو الذي قاد الثورة على الأحلاف العسكرية في منطقة الشرق الأوسط، وأنه حرر بلاده- حقيقةً لا قولاً- من الفساد، والإقطاع، والملكية، والموت، أي من الأحلاف العسكرية. ويقول هذا المعتقل: «إنني لا أبغي بهذا الكلام أن ألتمس طريقاً للإفراج عني، ولكني أردت أن أعبر عن شعوري».

 

* عبد الناصر: إن هؤلاء المعتقلين كانوا ضحية التغرير وحملات الافتراء التي شنها علينا خصوم البلاد وأعوان الاستعمار الذين فقدوا آمالهم بقيام الثورة، فأرادوا أن يستردوا هذه الآمال ولو كان فيها قضاء على آمال الأمة، واستغلوا عواطف الشباب وحماستهم في تشويه أعمالنا، وإلقاء ظلال الشك والريبة على تصرفاتنا، وحضوهم على الاندفاع في مؤامرات لو نجحت لدمرت البلاد، وردتها على أعقابها مئات السنين إلى الوراء. ولقد أثبتت الحوادث أننا كنا صادقين، وأننا استطعنا أن نصنع لبلادنا شيئاً.

* إن ما عرفته الثورة من أعمال يحتمل ألا يبقى، ما لم يكن ثمة مجتمع سليم يحمي هذه الأعمال، ويحرص عليها، ويدافع عنها، ولا يقف منها موقف المتفرج، بل يشارك فيها، ويضيف إليها، وهذا ما نحاول اليوم أن نضع خطوطه الرئيسة.

-  الشناوي: هنا يمكن أن يقال إن فكرة الاتحاد القومي هي أحد الخطوط الرئيسية للمجتمع الذي تريدونه؟

* عبد الناصر: أنا أومن بأن الاتحاد القومي هو الوسيلة لتكتيل جهود الشعب، والسير به في الطريق المؤدي إلى تحقيق أهداف الثورة، وتجنيبه ويلات الخلافات التي قاسينا منها ما قاسينا بعد اتحاد الشعب في ثورة سنة ١٩١٩، ولقد كانت هذه الخلافات سبباً في نكسة هذه الثورة فحادت عن أهدافها الحقيقية. كان هدفها الأول الاستقلال التام أو الموت الزؤام، ولكن الخلافات أضاعت هذا الهدف، ومكنت الاحتلال من البقاء، وظلت قواته تحتل أرض البلاد وتتغلغل في شؤونها، وتفرض سلطاتها على كل صغيرة وكبيرة، إلى أن قامت ثورة الشعب في ٢٣ يوليه سنة ١٩٥٢.

 اتبع الاستعمار البريطاني سياسته التقليدية: فرق تسد، ولقد فرق فعلاً وساد فعلاً... عمل على انقسام البلاد إلى شيع وأحزاب.كان يضرب حزباً بحزب وشيعة بأخرى حتى ثبَّت نفوذه، واستطاع بعد أن كان يحكم البلاد حكماً مباشراً عن طريق القسر والإكراه، أن يحكمها بواسطة صنائعه من مختلف البيئات والأحزاب، وهؤلاء الصنائع كانوا طبقة معترفاً بها في تعادل ميزان القوى الداخلية، كانوا ينفذون رغبات الاستعمار، بل كانوا يسبقونه إلى التكهن برغباته والتنافس في تنفيذها. كان هدفهم تحقيق مصالح الاستعمار أولاً، وتحقيق مصالحهم الذاتية ثانياً، وكانت مصالحهم ومصالح الاستعمار وثيقة الصلة والارتباط.

ولهذا لم تنجح ثورة سنة ١٩١٩، بل حدث انتكاس لها، وضاعت هدراً دماء المصريين الذين قتلوا في سبيلها برصاص الإنكليز، فأخذت الانقسامات تزيد وتتسع بين قيادات مختلفة، وكلما تزايدت الانقسامات واختلفت القيادة، تمكن الاستعمار من شد أزر صنائعه وأعوانه، فكانوا يكسبون الجولات في المعارك التى يخوضونها- وكل معاركهم على الحكم- وقد دفع ذلك أناساً كثيرين من أصحاب المبادئ إلى الالتجاء إلى الاستعمار، علهم يجدون عنده فرصة، وبذلك سقطت جميع القلاع الوطنية وانهارت عناصر المقاومة تحت وطأة الاستعمار، الاتحاد القومي سيجنبنا هذه الويلات.

-  الشناوي: هل الاتحاد القومي حزب؟

* عبد الناصر: الاتحاد القومي جبهة وطنية قومية لتنفيذ أهداف الثورة، وتمنع قيام منظمات شبه شرعية لأعوان الاستعمار، وبذلك لن تتكرر المأساة التي حدثت لثورة سنة ١٩١٩، ونستطيع أن نركز اهتمامنا وأعمالنا في تحقيق الأغراض الكبرى للثورة، وفي مقدمها الاستقلال التام والبناء الاقتصادي السليم، حتى يمكن خلق مجتمع تسوده الرفاهية.

-  الشناوي: هل يمكن أن نطلق على مجتمعنا الحالي اسماً أو صفة؟

* عبد الناصر: ماذا تعني؟

-  الشناوي: هل يمكن أن نسميه مجتمعاً رأسمالياً أو اشتراكياً أو شيوعياً؟

* عبد الناصر: مجتمعنا كما هو الآن مجتمع رأسمالي تقيده الدولة بالقوانين لخلق حياة طيبة للجميع، وهو لا يزال مجتمعاً استغلاليا. والمجتمع الذي نعمل على خلقه هو المجتمع التعاوني، والفرق كبير بين المجتمعين، ففي المجتمع الاستغلالي إذا أردت أن ترفع دخلك من ٥٠ جنيهاً إلى مائة جنيه لا تلجأ إلى العمل، ولكن تلجأ إلى الحيلة، أما في المجتمع التعاوني فإنك إذا أردت أن ترفع دخلك تلجأ إلى العمل ولا تلجأ إلى الحيلة، تزيد كمية عملك فيرتفع دخلك، هذا المجتمع هو ما أريده لبلادنا.

-  الشناوي: هل تتوقعون للحياة النيابية القادمة أن تكون حياة نيابية سليمة كما ينبغي؟

* عبد الناصر: أومن بالحياة النيابية السليمة، فهذا هو الهدف السادس للثورة إقامة حياة ديمقراطية سليمة، والسبب الأساسي في حرصنا على قيام الحياة النيابية، هو ألا يتجه المجتمع إلى السلبية بل يتجه إلى الإيجابية، فلا يعتمد في تسيير أموره على مجلس الثورة، بل يكون الشعب كله مجلس ثورة يشترك بجميع أفراده في الحكم بواسطة ممثليه في مجلس الأمة.

فالسلبية شديدة الخطر على مستقبلنا، فإن البلد لا يتكون من أشخاص بذاتهم، ولا من وقت معين. بل يتكون من تعاقب أجيال وتتابع أشخاص، وقت يمضي ووقت يجيء، شخص يمضي وشخص يجيء. ويجب أن يكون في الأمة من يتولى القيادة ومن يستعد لتولي القيادة، فالحياة النيابية هي التي تتيح الفرصة لإظهار الكفاءات التي تحتاج إليها البلاد في قيادة أمورها. أومن أن في بلدي كفاءات ممتازة ولم تتح لها الظروف أن تظهر وتأخذ مكانها الجدير بها في خدمة البلاد. الحياة النيابية هي التي تسلط الضوء على هذه الكفاءات فتظهر وتستطيع البلاد أن تفيد منها. والدور الرئيس للحياة النيابية هو تكوين طبقة من القادة الأكفاء لتحقيق أهداف ثورة الشعب، والحياة النيابية تتيح الفرصة أيضاً لمعرفة العاملين وغير العاملين، فكما أن مهمة النائب مراقبة الحكومة، فإن مهمة الشعب مراقبة نوابه وتتبع أعمالهم، ليقدر إنتاجهم، ويحكم على مقدار جدارتهم لتحمل الأعباء، فيدفع المحسن إلى الأمام، وينحي المسيء عن حمل الأمانة.

* كانت الحياة النيابية في الماضي قائمة على التخريب والمجاملات، وهي اليوم تقوم على العمل الصالح، والسر في فساد الحياة النيابية في الماضي هو طغيان الإقطاع، وأحب في هذه المناسبة أن أوضح الحكمة في القضاء على الإقطاع، أنها ليست تمليك أكبر عدد من الأفراد، ولكن الحكمة هي تحرير أفراد الشعب من سيطرة الإقطاع، إذ لا يمكن لبلد أن يكون حراً إذا لم يكن الفرد حراً في عمله ورزقه. كان الفرد مستعبداً للإقطاعيين، يفكر بعقولهم، ويتكلم بلسانهم، ويستجيب لرغباتهم، يريد ما يريدون ولو كان شراً، ويرفض ما يرفضون ولو كان خيراً، والويل لمن يخرج عن مشيئة صاحب السيطرة، فهو يعرض رزقه للضياع، ويعرض نفسه للجوع، ولم يكن للأفراد رأي، ولكن كان الرأي رأي الإقطاعيين، فلم يكن عندنا حكم نيابي، ولكن كان عندنا حكم إقطاعي، هو حكم الأقلية المستغلة باسم الأغلبية العاملة.

واليوم لا سيطرة للإقطاع على الفرد، ولا سيطرة للمال ولا لصاحب المال، فالفرد حر والعامل حر، وهو بهذه الحرية يستطيع أن يحكم على الأشياء والأشخاص حكماً سليماً منبعثاً من صميم عقيدته، وهذا ما هدفنا إليه بوضع القوانين الخاصة بتأمين العمال، كان العامل مهدداً في رزقه بسبب الفصل التعسفي إذا هو لم يستجب لرغبات صاحب العمل، والعامل اليوم - بعد تطبيق القانون الخاص بمنع الفصل التعسفي- يستطيع أن يمارس إرادته وحريته وهو آمن على رزقه وعمله، ما دامت تصرفاته في حدود القانون.

*وليس هذا ما صنعناه فقط لضمان قيام الحياة النيابية السليمة، فقد وضعنا من الضمانات لسرية الانتخابات ما يحول بين إفساد الضمائر وشراء الذمم بالرشوة، فلأول مرة ستجرى الانتخابات بسرية كاملة، فلا رقيب على الناخب إلا ضميره حتى لو كان لا يعرف القراءة والكتابة.

وقد وسعنا القاعدة الانتخابية بإنزال سن الناخب إلى ١٨ سنة، ومنح المرأة حق الانتخاب، وجعل الإدلاء بالأصوات إجبارياً، وبذلك تنتهي المحاولات التي كانت تبذل في الماضي لمنع الناخبين من الإدلاء بأصواتهم، وكان مرشحون كثيرون ينتخبون انتخاباً سلبياً، وقد سمعنا عن نواب بلغ عدد من انتخبوهم أقل من ألف، بينما الدائرة الانتخابية تتألف من عشرة آلاف ناخب، إن الضمانات التي وضعناها للانتخابات تكفل لكل فرد أن يتحمل المسؤولية، ويمارسها بحرية ودون رقابة عليه إلا من ربه وضميره.

-  الشناوي:  كان في ذهني أن أسمع منك كلمة عن الجلاء، هذا الحدث الضخم الذي كان وهماً فصار واقعاً، وكان حلماً فأصبح حقيقة.

* عبد الناصر: إن لي في هذا الموضوع حديثاً طويلاً مع أبناء بلادي.

-  الشناوي: هل انتهت بالجلاء مرحلة الكفاح من أجل الاستقلال؟

* عبد الناصر: انتهت مرحلة، وبدأت مرحلة.

-  الشناوي: ثمة كثيرون يسألون، لماذا اندفعنا في طريق العروبة؟ وهل لنا سياسة عربية وأخرى مصرية؟

* عبد الناصر:  تغير الزمن الذي كانت السياسة فيه تسير طبقاً لنظريات محددة، أو تسير على نهج معين، والسياسة المصرية اليوم تقوم على الاستراتيجية المصرية، فهي ليست مسألة عاطفية أو جزئية تتعلق بنا وحدنا، ولكنها عملية تتعلق بمصالح الجميع، مصالحنا ومصالح العرب. قوتنا في قوميتنا، إذ يجب أن تتماسك هذه القومية وتترابط في الدفاع عن مصالحها ضد المؤامرات الاستعمارية التي تتربص بنا، وتريد أن تضع يدها على الضعيف فينا، لتلتهمه أولاً، ثم تلتهم الآخرين.

ولقد عارضنا حلف بغداد وحاربناه، لأن المستعمرين أرادوا أن يجعلوه قاعدة يثبون منها على الأردن، ولبنان، وسورية، ومصر والسودان، سياستنا إذن تقتضي ألا نفصل مصر عن المنطقة العربية، ولا أن نفصل ما حدث في إسرائيل عنا، فإن مؤامرة الاستعمار على العرب أعطت فلسطين للصهيونيين ليمحوا جزءاً من القومية العربية، وكلما التهموا جزءاً من الكيان العربي التهموا جزءاً آخر، ونحن في صميم هذا الكيان، فالشعوب العربية كلها منطقة واحدة لا يمكن عزل أرض منها عن الأخرى، ولا يمكن حماية مكان إلا بحماية جميع الأماكن.

ولقد آن الأوان كي تكون هناك استراتيجية واضحة يتفق عليها العرب جميعاً، والاستراتيجية المصرية واضحة، وعلى أساسها تقوم سياستنا الخارجية.وهذا الأساس ليس من قبل العواطف، ولكن مصلحتنا والمصالح الجوهرية المشتركة بيننا وبين العرب.

قصيدة {أنا الشعب}

«على باب مصر، تدق الأكف، ويعلو الضجيج

جبال تدور، رياح تثور، بحار تهيج

وتصغى! وتصغى! 

فتسمع بين الضجيج سؤالا وأي سؤال! 

وتسمع همهمة كالجواب، 

وتسمع همهمةً كالسؤال!

أين؟ ومن؟

وكيف إذن؟

نعم.. كيف أصبح هذا الجلال

بأقصى مداه؟

..حقيقة شعب 

غزاه الطغاة، وأي طغاه!

وتمضي المواكب بالقادمين

من كل لون وكل مجال

فمن عصر مينا إلى عصر عمرو 

ومن عصر عمرو لعصر جمال

وكل تساءل في لهفة:

أين؟ ومن؟

وكيف إذن؟

..أمعجزة مالها أنبياء؟

..أدورة أرض بغير فضاء؟

***

وجاء الغزاة

. . جميع الغزاة

فأبدوا خشوعًا

واحنوا الجباه

تلمح بين الجموع وجوهًا

يرف عليها حنان الإله

..ففيها المفكر والعبقرى

وفيها التقاة، وفيها الهداه

..فـ (موسى) تشق عصاه الزحام

وذلك (عيسى) عليه السلام

وهذا (محمد) خير الأنام

***

فأين تحقق ما كان وهمًا

ومن ذا الذي يا ترى حققه؟

وكيف تحرر من أسره

سجين الزمان؟ ومن أطلقه؟

لقد شاد بالأمس أهرامه

بأيدٍ مسخرة موثقة

على ظهره بصمات السياط

..وأحشاؤه بالطوي مرهقة!

..وها هو يبني بحريةٍ

دعائم آماله المشرقة

بسد منيع، عجيب البناء

يبث الرخاء ويوحي الثقة

فأرزاق أبنائه حرة

وآراؤهم حرة مطلقه

وليس بهم سيد أو مسود

فكل سواء بلا تفرقه

***

وصاح من الشعب صوت طليق

قوي، أبي، عريق، عميق

يقول: أنا الشعب والمعجزة

أنا الشعب لا شيء قد أعجزه

وكل الذي قاله أنجزه!

***

..فمن أرضي الحرة الصامدة

بنيت حضاراتنا الخالدة

أنا الشعب، شعب ذرى والقمم

زرعت النخيل، صنعت الهرم

رفعت المآذن فوق القباب

بنيت المداخن تعل السحاب

أنا الشعب لا أعرف المستحيلا

ولا أرتضي بالخلود بديلا

بلادي مفتوحة كالسماء

تضم الصديق، وتمحو الدخيلا

أنا الشعب، شعب العلا والنضال

أحب السلام، أخوض القتال

ومني الحقيقة.. مني الخيال!

وعندي الجمال، وعندي جمال

 

كامل الشناوي

صلاح سالم 

يلقب بـ «الشرس» أو{رجل النظارة السوداء». هو صلاح مصطفى سالم الذي يصفه من شاركوه أحداث ثورة 23 يوليو 1952 بأقوى رجل في تنظيم الضباط الأحرار.

ولد صلاح سالم عام 1920 في مدينة {سنكات} شرق السودان، حيث كان والده موظفا هناك، أمضى طفولته هناك، وتعلم في كتاتيب السودان، وهو الأخ الأصغر لجمال سالم عندما عاد إلى القاهرة مع والده تلقى تعليمه الابتدائي، ثم حصل على البكالوريا، وتخرج في الكلية الحربية سنة 1938 وهو في 

الـ 18 من عمره.

تخرج سالم في كلية أركان الحرب سنة 1948، وشارك مع قوات الفدائيين التي كان يقودها الشهيد أحمد عبد العزيز، عُرف بأنه كان دائم ارتداء النظاراتين السوداوين، واتصف بالشدة والحزم في أية قضية تخص الثورة.

تعرف إلى جمال عبد الناصر، أثناء حصاره في الفلوجة، وانضم إلى حركة الضباط الأحرار، وكان صلاح سالم عضواً في اللجنة التنفيذية لهذا التنظيم، وعندما قام الضباط الأحرار بحركتهم في يوليو 1952، كان صلاح في العريش، وسيطر على القوات الموجودة هناك، فكان له دور كبير في نجاحها، قام بتوحيد شمال وجنوب السودان.

تولى وزارة الإرشاد القومي (الإعلام ) في الفترة من 18 يونيو 1953 وحتى 7 أكتوبر 1958.

اشتغل في الصحافة حيث تولى الإشراف على صحيفتي {الشعب} و{الجمهورية}، وكان أول مسؤول مصري سافر إلى جنوب السودان عام 1954 لتحقيق المصالحة الوطنية بين الشماليين والجنوبيين قبل انسحاب بريطانيا من مصر عام 1954 ومن السودان عام 1956.

كان أول من تُوفي من أعضاء مجلس قيادة الثورة، حيث تُوفي في سن صغيرة عن عمر 41 عاما في 18 فبراير 1962 بمرض السرطان، وشيع جثمانه في جنازة مهيبة تقدمها جمال عبد الناصر وجميع زملائه وكل الوزراء‏ في ذلك الحين.

back to top