الباحث والناشط الحقوقي عمرو عزت: يجب ألا تدعم السلطة خطاباً على حساب آخر

نشر في 26-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 26-06-2015 | 00:01
No Image Caption
اعتبر الناشط الحقوقي والباحث، مدير ملف الحريات الدينية بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، عمرو عزت، أن دعم الدولة لخطاب ديني على حساب آخر يؤخر مسألة إصلاح الفكر الديني في المجتمع. ولفت عزت في حواره إلى أن ثمة افتراضاً تعمل الدولة على ترسيخه عبر الممارسة السياسية والإدارية، وهو مبدأ سيادة المسلمين على غيرهم، وذلك ما يعطل، بحسب رأيه، مسألة تحقيق نموذج الدولة الديمقراطية القادرة على مواجهة التطرف. وإلى نص الحوار.
هل نحتاج إلى تجديد الخطاب أم إلى خطاب جديد؟

تجديد الخطاب الديني ليس الإجابة الصحيحة لإشكالية ملحة وموجودة تتعلَّق بوضعية الدين في المجتمعات والدول الحديثة والمعاصرة التي ورثت دولة الخلافة الإسلامية، وجميعها تعاني أزمة وضعية الدين سياسياً واجتماعياً وثقافياً. ودائماً عندما تثار تلك الأزمة يبدأ الحديث عن الخطاب الديني وتجديده. أعتقد أن هذه الإجابة عن المشكلة جزء منها، إذ إنها تتخيَّل أن الأفراد والشعوب الذين يعيشون الآن هم الأمة الإسلامية، وهذا في رأيي غير صحيح. وترتبط الإشكاليات التي تستدعي تجديد الخطاب الديني غالباً بظهور جماعات عنف مثل «داعش» أو حوادث مثل «شارلي إبدو». هنا، تظهر أزمة الخلط بين نحن وبين جماعة المسلمين، بحيث يتقارب تفكير الدولة مع تصورات داعش من حيث تخيل أن الجماعة الوطنية والاجتماعية هي {جماعة المسلمين}، بالتالي فإن إشكاليات الجماعة هي إشكاليات المسلمين، ومرجع ذلك عدم حدوث انقلاب جذري في علاقة الدين بالدولة والحريات الدينية. كذلك في التفكير الديني وعلاقته بالدولة والمجتمع. ونحن هنا بحاجة إلى التفكير خارج الدين من أكثر من منظور، فثمة غير مؤمنين وغير متدينين وثمة من لا يرغب في التفكير من داخل الدين، وهذا حقهم. ومن حقهم جميعاً المشاركة في الكلام عن الشؤون السياسية والاجتماعية، ويكون على المسلم والمتدين مراعاة الآخرين لأنه ليس في موقع سلطة على المخالفين له.

إشكالية التجديد

كيف ترى موضع قضية تجديد الخطاب من المجتمع وحدود تأثيرها واهتمامها؟

 تجديد الخطاب الديني إشكالية خاصة بالمسلمين والمتدينين منهم، وبالمهتمين بعلوم الدين وتراثه، وفي هذا المجال من لديه فكرة جديدة فليتفضل بطرحها.

ماذا عن سُبل مواجهة الجماعات المتطرفة؟

إذا أخذنا «داعش» مثالاً فسيكون الحل الدفاع عن نموذج الدولة الديمقراطية وتحقيقه، في مواجهة نموذج دولة سلطوية دينية التي تعانيها غالبية الدول العربية، بمعنى أن للمسلمين سيادة على بقية الأفراد في المجتمع، وهذه مسألة صارمة وسافرة في الدولة الإسلامية في داعش ولكنها تتفاوت بين بلد وآخر. ويتم الحديث عن المجال العام باعتباره إسلامياً، وذلك كله يرجع إلى قيام الدول كانقسامات لدولة الخلافة الإسلامية. وعندما نجد في الوقت الراهن وزير الأوقاف المصري يتحدَّث عن حق الدولة في إدارة كل المساجد في المجال الديني، ويستند إلى الفقه باعتبار أن تلك الأمور من حق إمام المسلمين ومن ينوب عنه، فهل نحن في دولة المسلمين أم دولة مواطنيها!

ممارسات الدولة

ما هي الأفكار الأخرى التي تسبب مشاكل الخطاب؟

من خلال عملي البحثي، فإن أبرز الأفكار الموجودة ليس فقط في الفكر الديني، ولكن مترسخة في ممارسات الدولة قانونياً سياسياً وإدارياً، بل والخطاب القضائي، وينبع منها أحدث ترخيص ببناء كنيسة أصدره رئيس مصر دون الاستناد إلى شيء، ويقول القضاء الإداري بأن رئيس الجمهورية هو الذي يصدر التراخيص مباشرة، ما يعني امتداداً لفكرة «الخط الهمايوني» الذي أسسه الخليفة العثماني أثناء وجود الخلافة في تركيا وكانت مصر تابعة لها، وجاء فيه أن من حق الطوائف والملل غير الإسلامية بناء دور العبادة، ولكن باستصدار قرار من الخليفة، وهو لا يزال جارياً، كذلك نص القانون على عدم الاعتراف بالبهائيين مثلاً وحقهم في تدوين معتقدهم في أوراقهم الرسمية، وتعني تلك الأمثلة كافة وجود منطق سيادة المسلم على غيره، وأن حقوق غير المسلم متعلقة بنظرة المسلم إليه.

أما الفكرة الثانية المتعلقة بمشكلات الخطاب، فهو الافتراض بوحدة المسلمين سياسياً، وعدم قبول أنهم أصحاب دين متفرقون في جماعات مختلفة دينية أو سياسية تدير شؤونها، لكن الدولة والقضاء يرتكزان على هذا المفهوم المركزي في دول عدة مثل مصر والسعودية والمغرب وبعض دول الخليج، حيث لا توجد طائفة مغايرة لمن في السلطة ويستطيعون فرض وجودهم، وهذه الفكرة بالأساس بُني عليها مشروع الإسلام السياسي.

وهاتان الفكرتان الرئيستان (السيادة وافتراض وحدة المسلمين سياسياً) تعتمد عليهما الدولة في دعم الفكرة المتخيلة لدى الدولة عن الإسلام الوسطي.

حدود التدخل

 لكن انسحاب الدولة من المشهد الديني قد يترك الساحة لتشكيل خطاب متطرف... برأيك ما حدود تدخلات الدولة في الشأن الديني؟

 

يجب أن تترك السلطة تنظيم مسألة دور العبادة كشأن خاص بالمترددين عليها ولا تدعم خطاباً لصالح آخر أو جماعة على حساب منافس لها، والدولة الديمقراطية الحديثة تتدخل فقط عندما يدعو أحد عبر المنابر مثلاً في المساجد للتحريض على الكراهية الدينية والعنف والتمييز أو كل ما يجرمه القانون. وما يحدث مع الأسف أن الدولة تتدخل للسيطرة بشكل كامل على تعددية المذاهب وترسل الإمام أو القس وتحدد له ما يقوله، وهو أشبه بما كان يسميه ابن خلدون بـ{الخطط الدينية» الخاصة بالحاكم الذي يملك الولاية على المظاهر الدينية الجامعة صلاة العيد وصلاة الجماعة والمسجد الجامع. وفي الهامش، تجد مساجد ومظاهر لمذاهب أخرى، والدولة تعسفت في استخدام فكرة الخطط الدينية للسيطرة على عالم الأفكار وتحديد ما يقوله رجال الدين وتعطي تراخيص بذلك، وقررت أن تسيطر على التفكير عموماً والديني خصوصاً لأنه يستخدم في مجال الصراع السياسي.

ما هو برأيك أفضل شكل لتدخل الدولة في المجال الديني؟

تتدخل الدولة إذا حدث ما يخالف القانون، ولدينا نماذج لتعامل الدول الديمقراطية في المجال الديني، فتدعم الجمعيات التي تروج لأسس المواطنة، ودولة مثل ألمانيا تمنح أراضي لبناء المساجد ولصالح جمعيات بعينها يتشكَّل مجلس إدارتها من أفراد غير معروف عنهم التطرف أو الكراهية ولهم مصادر مالية معروفة، وتحصل الجمعية على أموال من الدولة لممارسة الدين، وليس السياسة. أما أميركا فلديها تجربة أكثر تقدماً حيث تسمح بالكلام السياسي داخل دور العبادة وفق ضوابط معينة، فلتدخل الدولة هناك أشكال كثيرة يمكن أن تكون إيجابية بهدف تعزيز الجماعات الدينية الداعمة للعملية الديمقراطية والتعايش المشترك.

دور الأزهر

ماذا عن النموذج العربي؟ ولنتحدث عن حالة الأزهر نموذجاً.

بفرض أن مشيخة الأزهر تدعم قيم الديمقراطية، فالدولة حالياً تدعمه من منطلق أنه ذراعها الدينية التي تمنح الشرعية للدولة، ومن الأفضل إذا تعاملنا مع الأزهر كنموذج، أن يعود إلى دوره كجامعة تعليمية، وتتشكل جمعيات أخرى تدعم فكر الأزهر وأخرى تدعم أفكاراً أخرى. في هذه الحالة، يكون من حق المواطنين حضور دروس في أي جمعية يريدون والتبرع للجهة التي يرونها، وتقر الدولة مبدأ التعددية الدينية، ويصبح معروفاً أن جمعيات تدعم فكر الأزهر أو الصوفيين أو السلفيين وغيرهم، ويقرر الناس سماع من يريدون. وفي رأيي، فإن تدخل الدولة في المجال الديني يجفف حيوية مؤسسات مثل الأزهر وانتعاش حيوية الإخوان والسلفيين.

متى بدأت أزمة الخطاب الديني في رأيك؟

بدأت المشكلة منذ اللحظة الأولى لظهور الجدل بين فكرة الدعوة الدينية الإسلامية وبين السلطة، فالإشكالية موجودة منذ فترة وتتباين طرق ظهورها، وظهر الخلاف بين الصحابة حول طريقة إدارة السلطة واتسع الشقاق وظهرت الفرق المختلفة. أعتقد أن مشكلة الخطاب الديني أحد أسباب أزمة التحديث وإدراك المسلمين ومن يعيشون تحت مظلتهم. وحدثت صدمة بأن ثمة حضارة أخرى أقوى منهم، وكانت من رمزية الصدمة لدى المسلمين مسألة سقوط الخلافة، وبدأت تظهر الكتابات المتعلقة ببحث أسباب تأخر المسلمين وما إذا كانت له علاقة بطبيعة الحكم وأصوله.

هل ثمة مساحات مشتركة بين الخطاب الديني للمؤسسات الرسمية وجماعات الإسلام السياسي؟

فكرة الأغلبية والهوية في خطاب التيارات الإسلامية هي اسم آخر لفكرة سيادة المسلمين على غيرهم لدى الدولة الرسمية، ومتضمنة فرضية وحدة المسلمين، وأنت كفرد تعتقد في الدين نفسه لن تكون بحاجة إلى تلك المفاهيم إذا كانت تعيش في دولة ديمقراطية. الأزهر مثلاً يخفي تلك التعبيرات من المناهج، وسبب ذلك أن المؤسسة لا تريد الفصل بين التاريخ والحاضر، ويظل بعض المسائل يُدرس كفقه ويُطبق في الواقع. لكن من الأفضل أن يظل تدريس الفقه باعتباره تاريخ المسلمين ويعرفه الناس بأنه عندما كانت ثمة دولة للمسلمين وحدهم كانوا يديرون أمورهم بالشكل الذي كان عليه الفقه في صورته التي يتم تدريسها، والآن نحن لسنا في دولة المسلمين ولكننا في دولة ديمقراطية.

أسباب الفشل

ما أسباب فشل محاولات تجديد الخطاب الديني في الماضي؟

أعتقد أن جزءاً من فشل هذه المحاولات يتمثل في أن المؤسسة الدينية التقليدية تحاول الدفاع عن نفسها وتطرد المخالفين، وما حقق الإصلاح الديني في المسيحية أن من خرجوا لم يكونوا مستضعفين بل أسسوا كنائس أخرى ودخلوا في معارك مع الكنائس القديمة وأصبح لهم حضور. وكانت محاولات التجديد تجابه بأنها أفكار غريبة عن دائرة الإسلام الواحدة، والمسلمون في حالة إنكار لحدوث شقاق كبير بين السنة والشيعة وتجد من ينكر وجود أقلية شيعية في دولة غالبيتها السنة والعكس صحيح. وما يحدث أن تمسك الدولة بأنها الحارس لدائرة الإسلام يدفعها لأن تفرض على المجدد أن يتحرَّك ضمن الدائرة نفسها. لم تذهب تلك المحاولات، في رأيي، هدراً لأنها خلقت الثقل العلماني الذي أثر في مسار التاريخ، وحرك التفكير الديني في السلطة قليلاً إلى الهامش، ولم تعد الدولة وريثة للخلافة بالكامل.

من يتصدى لفكرة تصحيح المفاهيم في الخطاب الديني رجال الدين أم النخبة أم المثقفون؟

المشكلة أن الدولة تتحدث باعتبارها دولة المسلمين، والمؤسسات الدينية بطبيعتها تتحرك وفق إطار دولة المسلمين، بل والمعارضة العلمانية تقدم نفسها بأنها مسؤولة عن دولة المسلمين لكنها تطالب بتوسيع الإطار ليشمل الجميع، وتعارض أحياناً ما تقدمه الدولة ومؤسساتها باعتباره ضد الشريعة. ولدينا مثال ما قاله نائب رئيس الجمهورية الأسبق في مصر، الدكتور محمد البرادعي، أثناء التصويت على الدستور الذي قدمته لجنة يسيطر عليها جماعة «الإخوان»، وقال حينها نحن ضد الدستور لأننا نريد الشريعة، وبالعودة إلى التصدي لذلك الخطاب، سيكون الحل البديل ليس مجرد التوعية، بل إحلال التصورات الخاطئة بأخرى ترسخ الديمقراطية بحرية الدين والفكر والاعتقاد والتنظيم، وكل من يتحرك في إطار الديمقراطية يدفع الأفكار المأزومة إما إلى الانتهاء والتراجع أو تعديل أوضاعها ومراجعتها للتواؤم مع العالم. وبالأساس حل الأزمة الناتجة عن تغول التفكير الديني على أفكارنا الاجتماعية والسياسية يكون بالصراع والجدل معه بالمنطق الديمقراطي، ويكون الاهتمام بعدم منح سلطات زائدة للمؤسسة الدينية، كذلك الدفاع عن استقلالها، ودعم الحرية الدينية للسلفيين في الدعوة وتأسيس الجمعيات ما دامت لا تدعو إلى الكراهية والتحريض الديني.

 في سطور:

عمرو عزت، باحث حقوقي وكاتب، ومسؤول ملف «حرية الدين والمعتقد» في «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية». وهومنسق «منتدى الدين والحريات» الذي تأسس في القاهرة عام 2012.

أصدر دراسات وأوراق بحثية عدة أبرزها:

- لماذا يظل الأزهر جزءا من الدولة؟

- «الصراع على المساجد في مصر. بحثا عن كنيسة الإسلام».

- «لمن المنابر اليوم؟ تحليل سياسات الدولة في إدارة المساجد.

- «ترخيص بالصلاة.. أزمة حرية اتخاذ دور العبادة في مصر».

«إعادة التساؤل حول التكفير: من الإشكال الديني والسياسي إلى الإشكال الحقوقي».

متشددون في الصندوق

• لكن بمفهوم الانتخابات يمكن للمتشددين الوصول إلى السلطة وفرض مفاهيمهم عبر الصناديق الانتخابية؟

المنظور الديمقراطي قائم على أن العلماني والسلفي على قدم المساواة وليس من حق أحدهما سن قوانين تعتدي على حرية الآخر الشخصية باسم الدين، وهذه الإشكالية موجودة في كل منطقة بالعالم، فثمة يمين يريد جذب الديمقراطية باتجاه المحافظة والسلطوية بدعوى الصالح العام، وعلى الجانب الآخر ثمة من يدعون إلى المساواة. والنظم الديمقراطية خلقت مفاهيم مثل المحكمة الدستورية للحفاظ على المكاسب المختلفة، والتجارب الديمقراطية تبدأ التطور عندما تخلق آليات لحماية الحرية والمساواة بشكل أكبر. وفي أميركا يوجد إلزام بعدم سن قانون ضد أي دين أو منحاز إليه، ما يفسر أفضلية وضع الدين في الديمقراطية الأميركية، وهذه المبادئ لا يمكن خرقها، وإذا تعرضت أقلية للظلم فلن تسكت وستحتج وتعتصم.

• ما تفسيرك لتحول بعض الجماعات الدينية، التي قدمت نفسها في نشأتها الأولى كوسطية، إلى العنف؟

وجود الحاضنة الرسمية سواء كانت دولة أو مؤسسات دينية رسمية، تقدم أفكاراً توفيقية تقبل بفكرة الدين كإطار يدخل فيه الجميع، وعند الدخول في صراع تبدأ تظهر المشكلات. علينا التفريق بين تلك الأفكار التي تتجاهل الصراع والأخرى القائمة على التفاوض الاجتماعي. على سبيل المثال، نجد الجدل بشأن أي جانب نؤيد التحديث أم الإسلام، فتجد الفكر التوفيقي يقول بأنه لا توجد مشكلة فالشريعة لا تنافي القانون والإسلام لا يناقض العلم الحديث، وعند أول لحظة للخلاف تبدأ المشكلات والصراعات وينتهي التوفيق.

back to top