كامل الشناوي ... شاعر الليل (6) ... عشرة جنيهات مع وقف التنفيذ

نشر في 23-06-2015 | 00:01
آخر تحديث 23-06-2015 | 00:01
قليلون يجمعون بين طزاجة اللحظة وعتق الماضي، يحضرون في الأذهان كشخصيات أسطورية تأتي من أزمان ذهبية وتتدفق حكاياتم كأنهم غابوا أمس.

 كامل الشناوي واحد من هؤلاء صنع مجده الخاص في بلاط صاحبة الجلالة وفي عالم الشعر ودنيا الجمال والحب فكان الشاعر في ديوان الصحافة والصحافي وسط إلهام الآداب والفنون والثقافة والعاشق المتيم بالجمال والراهب الناسك في محراب الحب.

ترك الشناوي، الذي سماه والده مصطفى كامل لأنه وُلد في أعقاب رحيل الزعيم الوطني مصطفى كامل، آثاراً إبداعية وثقافية وصحافية ومعارك ثقافية وفنية وسياسية كان طرفا أصيلا فيها، وحكايات لاتزال تتردد حتى الآن، طازجة كالحب المتجدد، نستعيدها هنا مع سيرته ومسيرته التي تعيدنا إلى زمن جميل مضى نحاول الإمساك به.

بقدر فرحة كامل الشناوي بانضمامه إلى صالون أمير الشعراء الأدبي الكبير المعروف بمنتدى {كرمة ابن هانئ}، بقدر توتره من رغبة شوقي بك من أن يُلقي كامل أحدث قصائده في المناسبات العامة والحفلات الشعرية الكبرى. وكان تقليداً متبعاً وقتها، أن يكون لكل شاعر كبير راوٍ لشعره ينوب عنه في إلقاء قصائده في الحفلات الرسمية والمنتديات العامة، وقد كان جمع الشاعر بين موهبة الشعر ومهارة الخطابة والإلقاء على غرار شاعر الثورة العربية محمود سامي البارودي من الاستثناءات. وكان المعروف عن شوقي بك أن شعره أفضل بكثير جداً من مهارته في الخطابة والإلقاء. وكان حافظ إبراهيم أحد هؤلاء الذين يجمعون في ذلك العصر بين موهبة الشعر وبين مهارة الخطابة والإلقاء، ورغم ذلك كان له رواة معتمدون يُلقون قصائده بالنيابة عنه في بعض الحفلات الرسمية.

حاول كامل الهروب من هذا الاختيار، رغم استغراب الكثير من أصدقائه تحفظه على هذه الفرصة الكبرى التي يحسده عليها الجميع.

قال له شقيقه {مأمون} معاتباً:

- {كيف لا ترغب في أن تروي نيابة عن أمير الشعراء؟}.

يرد كامل بعزة نفس وكبرياء بالغين:

- {لأنني شاعر ولست راوياً للشعر}.

يسخر شقيقه الذي يصغره بأربع سنوات من إحساسه المفرط بالندية مع الشعراء الكبار، صحيح أن كامل لا يطرح الأمر بهذا الشكل المفهوم من {الندية}، ويعترف أمام الجميع بأنه ما زال في أول الطريق، شاعراً بازغاً أو على طريق البزوغ، وليس موهبة كاملة التحقق وعظيمة الأثر مثل أحمد شوقي. لكن ذلك كله لم يمنع أصدقاءه وصحبته وشقيقه مأمون من السخرية منه:

- {(خفير الشعراء) لا يريد أن يروي قصائد (أمير الشعراء)}.  

 

هروب من الأزمة

كان السبب في تعلق أحمد شوقي بموهبة كامل في إلقاء الشعر، ما لمسه هو وكل رواد صالونه الأدبي {كرمة ابن هانئ} من براعته في الإلقاء، وقدرته على التعبير بنبرات صوته وملامح وجهه وحركة يديه عن معاني القصيدة وما فيها من صور شعرية، حتى بات شوقي بك يحلو له سماع قصائده بصوت كامل الرنان وإلقائه الواعي للمعنى والموقف والحالة الشعرية، لذلك فتح له صالونه الأدبي على مصراعيه، وصار حضوره ينافس حضور مطرب الملوك والأمراء محمد عبد الوهاب الذي كان أبرز المواهب التي تعهدها أحمد شوقي بالرعاية الكاملة، حتى قيل إن عبد الوهاب ربيب شوقي بك. ومع الوقت صار غناء عبد الوهاب وإلقاء كامل للشعر هما الفقرتان الأهم والأكثر إمتاعاً في فعاليات منتدى {كرمة ابن هانئ}.

حاول كامل في البداية الاعتذار بهدوء ولباقة ودون أن يُغضب الشاعر الكبير، كلما طلب منه أن يمثله في المناسبات العامة، وأن يكرر ما يفعله في الصالون الأدبي في الحفلات العامة على المسارح الكبرى، يتحجج كامل بحجج شخصية. ومرة رشح له صديقه الممثل والمحامي يوسف حلميلقراءة قصائده، وكان يوسف أحد أولئك الذين يحسدون كامل على الفرصة التي لا يرغب في اغتنامها، لكن شوقي بك لم يكن يرغب أن يقوم شخص عُرف عنه أنه ممثل أن يُلقي شعره.

حتى جاءت اللحظة الفارقة، حين تقرر تنظيم احتفال مهيب لتأبين الزعيم الليبي المناضل عمر المختار الذي قاد الشعب الليبي في كفاحه ضد الاستعمار الإيطالي لبلاده، وألقت قوات الاحتلال الإيطالي القبض عليه بعدما أنهكهم بدهائه في المقاومة، وقدرته على تحفيز الشعب الليبي للنهوض لمقاومة الاستعمار، ونفذت فيه القوات الإيطالية حكم الإعدام بعد محاكمة استعمارية صورية، ورثاه أحمد شوقي بقصيدة حماسية مؤثرة جداً يقول في بعضها:

ركَزوا رُفاتَكَ في الرِمالِ لِواءَ     

.. يَستَنهِضُ الوادي صَباحَ مَساءَ

يا وَيحَهُم نَصَبوا مَناراً مِن دَمٍ     

.. توحي إِلى جيلِ الغَدِ البَغضاءَ

يا أَيُّها السَيفُ المُجَرَّدُ بِالفَلا     

.. يَكسو السُيوفَ عَلى الزَمانِ مَضاءَ

تِلكَ الصَحاري غِمدُ كُلِّ مُهَنَّدٍ     

.. أَبلى فَأَحسَنَ في العَدُوِّ بَلاءَ

خُيِّرتَ فَاِختَرتَ المَبيتَ عَلى الطَوى     

.. لَم تَبنِ جاهاً أَو تَلُمَّ ثَراءَ

إِنَّ البُطولَةَ أَن تَموتَ مِن الظَما     

.. لَيسَ البُطولَةُ أَن تَعُبَّ الماءَ

في ذِمَّةِ اللَهِ الكَريمِ وَحِفظِهِ     

.. جَسَدٌ بِبُرقَةَ وُسِّدَ الصَحراءَ

كَرُفاتِ نَسرٍ أَو بَقِيَّةِ ضَيغَمٍ     

.. باتا وَراءَ السافِياتِ هَباءَ

لَبّى قَضاءَ الأَرضِ أَمسِ بِمُهجَةٍ     

.. لَم تَخشَ إِلّا لِلسَماءِ قَضاءَ

وافاهُ مَرفوعَ الجَبينِ كَأَنَّهُ     

.. سُقراطُ جَرَّ إِلى القُضاةِ رِداءَ

شَيخٌ تَمالَكَ سِنَّهُ لَم يَنفَجِر     

.. كَالطِفلِ مِن خَوفِ العِقابِ بُكاءَ

الأُسدُ تَزأَرُ في الحَديدِ وَلَن تَرى     

.. في السِجنِ ضِرغاماً بَكى اِستِخذاءَ

وَتَخَيَّروا الحَبلَ المَهينَ مَنِيَّةً     

.. لِلَّيثِ يَلفِظُ حَولَهُ الحَوباءَ

شَرَعَت حُقوقَ الناسِ في أَوطانِهِم     

.. إِلّا أُباةَ الضَيمِ وَالضُعَفاءَ

يا أَيُّها الشَعبُ القَريبُ أَسامِعٌ     

.. فَأَصوغُ في عُمَرَ الشَهيدِ رِثاءَ

أَم أَلجَمَت فاكَ الخُطوبُ وَحَرَّمَت     

.. أُذنَيكَ حينَ تُخاطَبُ الإِصغاءَ

ذَهَبَ الزَعيمُ وَأَنتَ باقٍ خالِدٌ     

.. فَاِنقُد رِجالَكَ وَاِختَرِ الزُعَماءَ

وَأَرِح شُيوخَكَ مِن تَكاليفِ الوَغى     

.. وَاِحمِل عَلى فِتيانِكَ الأَعباءَ

وهذه المرة وأمام أهمية الاحتفال لم يستطع «كامل» الفكاك من طلب «شوقي بك» أن يُلقي قصيدته في حفل تأبين عمر المختار، واضطر أن يقبل وهو قليلة الحيلة، فيما يشعر بخوف أن تختزل موهبته ويختزل اسمه ويقترن برواية شعر «شوقي» لا غير، كان يتحسب للحظة يسمع فيها أحدهم اسمه فيقول:

- «نعم أعرفه، سمعت عنه، إنه شاعر جديد جيد»

لكنه يظن أن ظهوره يُلقي شعر «شوقي» سيختزل صورته عند الناس في هذا الفعل، وسيقول القائل:

- «نعم أعرفه، سمعت عنه، إنه الراوي الذي يقرأ شعر شوقي»

لم يستطع كامل أن يقاوم إصرار شوقي بك هذه المرة، وبدأ يستعد لإلقاء القصيدة، ويحتشد لذلك بالقراءة عن سيرة «عمر المختار» ومتابعة ما كان يُنشر في الصحف حول سيرته وكفاحه وطريقة إعدامه، حتى بات متأثراً جداً بشخصيته، بما يجعل رهان شوقي بك عليه في محله.

لكن النفاذ من الاختبار جاء هذه المرة فجأة ومن حيث لا يحتسب أو يتوقع، ومن دون عناء في البحث عن الأسباب والحجج بعد أن رضخ تماماً لطلب «أمير الشعراء» حيث قررت السلطات فجأة إلغاء الاحتفال قبل بضع ساعات من موعدها.

من الشعر إلى الصحافة   

 

بات كامل شاعراً معروفاً في الأوساط الثقافية، تُقبل الصحف بسهولة على نشر أشعاره وقصائده، ولا يجد ما كان يجد في السابق من تباطوء في النشر، وبدأ شعره يذيع صيته، خصوصاً شعره السياسي الذي كان يعبر به عن مشاعر الأمة ورغبتها في الحرية والاستقلال. تتويجاً لهذا الدور التحق بالحزب الوطني الذي أسسه الزعيم مصطفى كامل وحمل كامل اسمه منذ أن وُلد في  عام رحيل الزعيم خالد الذكر نفسه، فكان عضواً فاعلاً وحيوياً ويفيض حماسة ووطنية، كان ذلك في زمن تولى إسماعيل صدقي باشا رئاسة الحكومة، وتبلور موقفه المناهض لدستور 23، ولقضية الجلاء. ولما كان كامل أحد شعراء المعارضة في ذلك الوقت كتب قصيدة حماسية تعبر عن موقف الحزب الوطني من إسماعيل صدقي وحكومته، هجا فيها صدقي وحكومته هجاء موجعاً، وذهب بها إلى جريدة «كوكب الشرق» حيث التقاه صاحبها أحمد حافظ عوض بك بترحاب شديد، وقرأ القصيدة، وهو الوفدي المسؤول عن صحيفة وفدية تتلاقى مع مواقف الحزب الوطني في مسائل الدستور والجلاء ومعارضة الحكومة، وأُعجب بما فيها من هجوم عنيف على صدقي باشا، وأمر بنشرها على الفور.

وبينما يحدث الترحيب والإشادة بالقصيدة، يدور حديث جاد بين الاثنين حين يسأل حافظ عوض بك ضيفه عن أحواله وما يفعل في حياته.

الأرجح أن كامل وقتها كان في مفترق الطرق، ولا يعرف أي اتجاه يسلكه ويُكمل فيه، فهو الأزهري الذي انقطع عن دراسته الأزهرية، والراغب في دراسة الحقوق ويبدو أنه لن يُكمل طريقه فيها، فدروس اللغة الفرنسية تحولت إلى قصة حب كبرى، حتى تلك القصة لا يعرف لها نهاية، وباتت همته لدخول الحقوق «الفرنساوي» والسفر للالتحاق بجامعة «السوربون» الباريسية وقد همد عزمها، وهو الشاعر الذي تنتشر قصائده بين صفحات الصحف، لكن سؤال المستقبل يبقى غامضاً، يشغل أسرته وأصدقاءه، ويبدو أنه شغل حافظ عوض بك أيضاً حين سأله عن «صناعته» وما يفعله في حياته غير الشعر، خصوصاً أنه أوشك من العشرين من عمره وهي سن كبيرة بالنسبة لشاب مثله غادر الدراسة بإرادته، والمفترض أن يكون له عمل واضح يرتزق منه ويبني فيه مستقبلاً، إلى جانب استمراره في الشعر.

قال له حافظ عوض:

- « لماذا لا تفكر في الاشتغال بالصحافة؟».

رد كامل:

- «كلما كتبت قصيدة أرسلها للصحف».

البدروم الصحافي

لكن حافظ عوض حدثه على أن كتابة الشعر ونشره في الصحف ليس عملاً ثابتاً، وإنما هواية يمكن لمن يمارسها أن يفعلها من أي مكان ويرسلها عبر البريد حتى دون أن يتكبد عناء الطريق إلى مقر الجريدة، وكل الشعراء الناجحين في زمانه لهم وظائفهم في المصالح الحكومية والجامعة ودار الكتب والصحف وغير ذلك.

وانطلاقاً من ذلك سأله:

- «لماذا لا تعمل معنا في الجريدة وتبدأ تجربة جديدة مع الصحافة؟».

رد كامل وقد أبهرته الدعوة وأدخلت عليه السعادة:

- «هنا في كوكب الشرق.. هذا شرف كبير».

وعقد حافظ عوض بك صاحب جريدة «كوكب الشرق» اتفاقاً مع كامل أفندي الشناوي الحاصل على الابتدائية الأزهرية، للعمل في الصحيفة، مقابل أجر شهري قيمته عشرة جنيهات فقط لا غير.      

كان الأجر معقولاً جداً في هذا الوقت، بل وموضع حسد من أصدقائه وصحبته الذين بدأ في التعامل معهم باعتباره صحافياً «كسيباً» فأصروا على أن يعزمهم ويُكرمهم كما أكرمه الله.

لكن أصدقاءه رتبوا له زيارة مفاجئة لمقر الجريدة لمشاهدة صديقهم الذي بات مهماً والتباهي به وسط الناس، ونفذوا ما أرادوا، فوجدوا كامل» جالساً على مكتب في «بدروم» الجريدة، وأمامه البروفات والأوراق، وهناك شرح لهم أنه يعمل مُصححاً لغوياً ومدققاً للبروفات، وتلك من الاستفادات التي حصل عليها من ابتدائيته الأزهرية التي مكنته من قواعد اللغة العربية ونحوها وصرفها.

ورغم أنه بدأ طريقه الصحافي من «البدروم» وربما من مهنة داخل هيكل الصحافة بعيدة عن المعنى المعروف في الأذهان لمعنى الصحافة والصحافي بما يمثله من إبداع وكشف للحقائق وجلب للأخبار، بالإضافة إلى أن مهنة الكواليس تلك التي تبدو متأخرة في الهيكل الصحافي، وأصحابها لا تُكتب أسماؤهم في الجريدة ولا يعرفهم القراء، فإن أصحابه بما شهدوه من انشغاله، وصب جميع بروفات الصحيفة عنده لتصحيحها. وجدوا الأمر وكأنه تصريف لكبريات الأمور، فزاد انبهارهم به، وإحساسهم بأنه وجد طريقه وربما تفوق عليهم، ولم يعد في عيونهم ذلك الشاب الذي يتأخر عنهم رياضياً ببدانته، ودراسياً باكتفائه بالابتدائية الأزهرية، وإنما ظهر أمامهم شاب ناجح ومهم ومتيسر مادياً أيضاً بعشرة جنيهات شهرياً.

وهو ما جعل أسرته تُسلم أخيراً بأنه اختار طريقه، بعد وقت من الحيرة وعدم الاستقرار، وتكرس حاله الجديد وطريقه الوحيد في الصحافة.

لكنه وهو الذي كان يعمل بهمة في جريدة «كوكب الشرق» في مراجعة البروفات وتدقيقها، وقف أمام الصراف في آخر الشهر، فلم يجد اسمه في كشف الأجور، لا في ورقة المحررين، ولا حتى في ورقة العمال. قال إن الأمر ربما يكون سهواً من صاحب الجريدة، فانتظر للشهر التالي، ولم يجد إلا ذات النتيجة. وقف لا يعرف ماذا يفعل، أصدقاؤه يعتقدون أنه يتقاضى هذا المبلغ شهرياً ويبخل عليهم، وحافظ عوض بك هو من عرض عليه العمل وحدد الأجر، فهل نسي؟ هل تراجع وندم بعد أن اكتشف سوء مستواه في العمل؟ هل يقصد أن يعتذر له بهدوء ويدفعه لمغادرة الجريدة دون إحراج؟ كل تلك الأسئلة لم يجد لها إجابات، وما كان له ليجد أية إجابة سوى بمواجهة حافظ عوض بك، لكنه يتحرج من الحديث معه في مسألة لها علاقة بالمال وهو الرجل الذي فتح له جريدته لينشر أشعاره وبعض المقالات ذات الصبغة الأدبية من دون اعتراض، لكن ما باليد حيلة ليكن السؤال مباشراً لصاحب الجريدة.

أحمد شوقي   

ولد أحمد شوقي بحي الحنفي في القاهرة في 16 أكتوبر 1868 لأب کردي وأم من أصول ترکية وشرکسية. كانت جدته لأمه تعمل وصيفة في قصر الخديو إسماعيل، وعلى جانب من الغني والثراء، فتكفلت بتربية حفيدها ونشأ معها في القصر، ولما بلغ الرابعة من عمره التحق بكُتّاب الشيخ صالح، فحفظ قدراً من القرآن وتعلّم مبادئ القراءة والكتابة، ثم التحق بمدرسة المبتديان الابتدائية، وأظهر فيها نبوغاً واضحاً كوفئ عليه بإعفائه من مصروفات المدرسة، وانكب على دواوين فحول الشعراء حفظاً واستظهاراً، فبدأ الشعر يجري على لسانه.

وهو في الخامسة عشرة من عمره التحق بمدرسة الحقوق سنة (1303هـ = 1885م)، وانتسب إلى قسم الترجمة الذي قد أنشئ بها حديثاً، وفي هذه الفترة بدأت موهبته الشعرية تلفت نظر أستاذه الشيخ محمد البسيوني، ورأى فيه مشروع شاعر كبير.

سافر إلى فرنسا على نفقة الخديو توفيق، وقد حسمت تلك الرحلة الدراسية الأولى منطلقات شوقي الفكرية والإبداعية، وخلالها اشترك مع زملاء البعثة في تكوين (جمعية التقدم المصري)، التي كانت أحد أشكال العمل الوطني ضد الاحتلال الإنكليزي، وربطته حينئذ صداقة حميمة بالزعيم مصطفى كامل، وتفتّح على مشروعات النهضة المصرية.

في عام 1927، بايع شعراء العرب كافة شوقي أميرا للشعر، وبعد تلك الفترة نجد تفرغ شوقي للمسرح الشعري حيث يعد الرائد الأول في هذا المجال عربيا ومن مسرحياته الشعرية، مصرع كليوباترا وقمبيز ومجنون ليلى وعلي بك الكبير.

لشوقي الريادة في النهضة الأدبية والفنية والسياسية والاجتماعية والمسرحية التي مرت بها. أما في مجال الشعر فهذا التجديد واضح في معظم قصائده التي قالها، ومن يراجع ذلك في ديوانه الشوقيات لا يفوته تلمس بروز هذه النهضة، فهذا الديوان الذي يقع في أربعة أجزاء يشتمل على منظوماته الشعرية في القرن الثامن عشر وفي مقدمته سيرة لحياة الشاعر وهذه القصائد التي احتواها الديوان تشتمل على المديح والرثاء والأناشيد والحكايات والوطنية والدين والحكمة والتعليم والسياسة والمسرح والوصف والمدح والاجتماع وأغراض عامة.

back to top