تقرير اقتصادي: سرية «احتياطي الأجيال» إلى متى؟... «الشفافية» ليست تشكيكاً في الذمم

نشر في 28-05-2015 | 00:09
آخر تحديث 28-05-2015 | 00:09
No Image Caption
• نشر المعلومات سيعطي أكثر من رأي متخصص في تقييم العمليات
• يجب ألا تتكرر فضيحة «التأمينات» في أي مؤسسة
بينما يضع صندوقا النرويج وسنغافورة السياديان استثماراتهما الفصلية والسنوية وبياناتهما المدققة على شكل إعلان مدفوع الثمن في الصحف الاقتصادية العالمية، تعرض حكومة الكويت معلومات قاصرة.

التقرير الذي نشرته صحيفة «التايمز» البريطانية بشأن تعمد مكتب الاستثمار الكويتي في لندن شراء استثمارات سيئة وتحقيق خسائر مخطط لها، فتح الباب لنقاش اوسع حول طبيعة السرية التي تحيط بالصندوق السيادي الكويتي «احتياطي الأجيال» الذي تديره الهيئة العامة للاستثمار.

ورغم انه لا يمكن الجزم بصحة ما ورد في تقرير «التايمز» ولا التحقق منه، فإن مجرد نشر بعض الشكوك يمكن أن يكون اساسا لتطوير مستوى الشفافية لصندوق احتياطي الأجيال الذي يصنف في مرتبة متواضعة من الشفافية، خصوصاً بالمقارنة مع صناديق سيادية أخرى تأسست بعد 20 أو 30 عاماً من تأسيس الصندوق الكويتي عام 1953، فمثلاً نجد أن صندوقي النرويج وسنغافورة السياديين يضعان استثماراتهما الفصلية والسنوية وبياناتهما المدققة على شكل إعلان مدفوع الثمن في الصحف الاقتصادية العالمية، في وقت تعرض حكومة الكويت معلومات الصندوق السيادي في جلسة سرية في مجلس الأمة تعرف باسم «جلسة مناقشة الحالة المالية للدولة»، وما يتسرب من هذه الجلسة إلى الإعلام لا يتعدى معلومات نهائية عن حجم الأصول التي يديرها الصندوق وصافي الموجودات ومعلومات غير تفصيلية.

أما ما تنشره الصناديق السيادية الأخرى، حتى في بعض الدول غير الديمقراطية مثل تشيلي والصين فضلاً عن سنغافورة والنرويج، فهو تفصيلي وشفاف إلى حد كبير، حيث يوفر تقارير مالية مدققة من جهات مستقلة سنوياً، ومعلومات ونسباً عن الملكيات في الشركات والحصص والتوزيع الجغرافي للاستثمارات وتنوع العملات والمعلومات عن القيمة السوقية للاستثمارات والعوائد والتعليمات الخاصة بقواعد الحوكمة والإفصاح والسياسات الاستثمارية ونسب المخاطرة، فضلاً عن الإفصاح عن بيانات الدخل التي تخضع للتدقيق والمراجعة، والإفصاح عن مصادر التمويل ومؤشرات الأداء المالي.

اللافت أن هناك مؤسسات دولية، تقدر قيم الصناديق السيادية، رفعت تقديراتها لأصول الصندوق السيادي الكويتي خلال أقل من 3 سنوات من 260 مليار دولار إلى ما يوازي 550 ملياراً دون بيان لطبيعة هذا النمو وحقيقته، لا من مصدر رسمي أو حتى غير رسمي، ولعل محدودية الشفافية يمكن قياسها عبر مؤشر «لينابورغ ماديول» الذي يقيس درجة شفافية الصناديق السيادية والصناديق الاستثمارية المملوكة للحكومات في العالم، إذ حصلت الهيئة العامة للاستثمار على 6 نقاط من أصل 10، في حين أن المطلوب على الاقل 8 نقاط للحديث عن مستوى شفافية مقبول عالمياً.

وقد يطرح البعض سؤالاً: ما الذي يمكن أن تستفيده الكويت إن أعلنت معلوماتها الأساسية الخاصة بالاستثمارات والاصول؟

وإجابة سؤال كهذا يجب تقسيمها على مجموعة من النقاط، تتمثل في ما يلي:

•نشر معلومات عن صندوق احتياطي الأجيال سيعطي أكثر من رأي متخصص في تقييم عمليات الصندوق وجودة الاستثمارات فيه، خصوصا أن العالم يشهد منذ نحو 8 سنوات أزمة مالية على مستوى الأصول والقروض ثم آليات المعالجة، وبالتالي فإن التقييم من اطراف حيادية ومستقلة يعطي جودة اكثر في الاداء، خصوصا فيما يتعلق بأثر الاستثمارات الكويتية في الولايات المتحدة، مركز الأزمة العالمية أو أوروبا التي تعاني لتجاوز أزماتها الاقتصادية.

• لم تتم مناقشة اثر الربيع العربي وما ترتب عليه من تغيير شامل في هياكل الحكم على الاستثمارات الكويتية في تونس ومصر وسورية مثلا وكيفية اداء هذه الاستثمارات ونسب المخاطرة وغيرها.

• لا نزال نعيش فضيحة اختلاس اموال المتقاعدين في التأمينات الاجتماعية، ويجب ألا يتكرر هذا النموذج الرقابي السيئ في استثمارات مؤسسات سيادية تدير اموالا بالمليارات، وهذا ليس تشكيكاً في ذمم القائمين على الصندوق السيادي بل دعوة إلى عمل مؤسسي اكثر وشفافية اوضح، خصوصا ان لدينا في هذا القطاع ذكريات مؤلمة في الفترة ما بين ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، وبالتالي كلما كانت البيانات واضحة ومتوافرة كانت فرص حدوث فضيحة مالية كبرى اقل.

•ضعف الشفافية في الصناديق السيادية يمكن أن يعيد الحملة الدولية مجدداً- التي توقفت مع انشغال العالم بالأزمة المالية العالمية- على أي دولة لم تلتزم بالمعايير الخاصة بشفافية صناديقها التي تدير مئات المليارات من الدولارات، لذلك نجد أن صندوق المبادلة الإماراتي أول صندوق سيادي خليجي ينشر بياناته المالية الكاملة العام الماضي، معلناً الصفقات والاستثمارات والتوزيع الجغرافي والقطاعي، وذلك بشفافية موازية لشفافية أكبر الصناديق السيادية كصندوقي النرويج وسنغافورة.

•عطفاً على النقطة السابقة، من المهم أن نفهم أن العالم اليوم أصبح أكثر حساسية فيما يتعلق بالاستثمارات غير الشفافة، ويمكن لدول أن تفرض عقوبات وغرامات وضرائب أكثر في سبيل رفع مستوى الشفافية في الأموال المستثمرة لدى شركاتها، خصوصاً مع تنامي الاتهامات بوجود معايير سياسية لا استثمارية تتحكم في اتجاهات صناديق الاستثمار، والتي تأتي في مقدمتها الصناديق السيادية الخليجية بالدرجة الأولى.

• ربما يكون في الإفصاح والشفافية إجابة عن سؤال محير حول قيمة الاستثمارات السيادية الكويتية مقارنة بصناديق اخرى لا يصل عمرها إلى نصف عمر الصندوق السيادي الكويتي، إذ من الممكن أن تكشف الشفافية جانبا من مقارنة الأداء بين الصناديق عبر نسبة النمو والقطاعات الرابحة والخاسرة، فالعبرة هنا في نسبة الاداء اكثر بكثير من قيمتها.

• إن شفافية أكثر في عرض تفاصيل مكونات واستراتيجيات الصندوق السيادي للدولة لابد أن تنعكس إيجاباً على التصنيفات السيادية التي تحصل عليها الكويت من كبريات مؤسسات التصنيف العالمية، وما يترتب على ذلك من آثار إيجابية على المناخ الاقتصادي في البلاد، وتشجيع الاستثمار وثقة المؤسسات الدولية بالكويت واقتصادها.

الخلاصة أن الشفافية والإفصاح وعرض البيانات المالية لم تعد ترفاً في عالم اليوم، خصوصا في ظل عودة التعافي النسبي للاقتصاد العالمي، بل ان التوجه يزداد ويتشدد في اتجاه جعل هذه المعايير واجبا على من يسعى للاستثمار في الدول المؤسساتية، لذلك من المؤسف ان يتشارك صندوق الكويت السيادي في مستوى الشفافية مع صناديق دول على مستوى كازاخستان وتيمور الشرقية وبوتسوانا، في حين كان من المفترض ان نتنافس مع صناديق النرويج وسنغافورة.

back to top