تمويل التنمية على الطريقة الصينية

نشر في 27-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 27-05-2015 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت بعد فورة متأخرة من الإضافات إلى العضوية المؤسِسة للبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية، أصبح الاهتمام الآن منصباً على وضع القواعد والتنظيمات التي ستحكم عمل البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية بقيادة الصين، ولكن تظل بعض التساؤلات المهمة قائمة، وأكثرها أهمية ما إذا كان البنك منافساً محتملاً أو تكملة محمودة للمؤسسات المالية الدولية القائمة مثل البنك الدولي.

منذ وقعت الصين وعشرون دولة أغلبها آسيوية على مذكرة التفاهم الأولية بشأن البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية في أكتوبر الماضي، انضمت إلى الأعضاء المؤسسين 36 دولة أخرى، بما في ذلك أستراليا، والبرازيل، ومصر، وفنلندا، وفرنسا، وألمانيا، وإندونيسيا، وإيران، وإسرائيل، وإيطاليا، والنرويج، وروسيا، والمملكة العربية السعودية، وجنوب إفريقيا، وكوريا الجنوبية، والسويد، وسويسرا، وتركيا، والمملكة المتحدة.

وفقاً لوزارة المالية في الصين، فإن الأعضاء المؤسسين للبنك من المفترض أن يستكملوا المفاوضات حول بنود الاتفاق قبل شهر يوليو، على أن يبدأ العمل الفعلي بحلول نهاية هذا العام، وسوف تتولى الصين منصب الرئيس الدائم لاجتماعات المفاوضين بالمشاركة مع البلدان الأعضاء المستضيفة للمحادثات، وقد اختتم اجتماع كبار المفاوضين الرابع في بكين في أواخر إبريل، ومن المقرر أن تستضيف سنغافورة في أواخر مايو الاجتماع الخامس. وقد اختير رجل الاقتصاد الصيني جين لي تشون لقيادة الأمانة المؤقتة المتعددة الأطراف، والمكلفة بالإشراف على تأسيس البنك.

وبينما يشكل الناتج المحلي الإجمالي المعيار الأساسي لتخصيص الحصص بين الأعضاء المؤسسين، فقد اقترحت وزارة المالية في أكتوبر أن الصين لا تحتاج بالضرورة إلى حصة الخمسين في المئة التي يشير ناتجها المحلي الإجمالي إليها ضمنا. فضلاً عن ذلك، ورغم أن مقر البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية سوف يكون في بكين، فقد صرحت وزارة المالية بأن عملية اختيار المقار الإقليمية والتعيين للمناصب الإدارية العليا سوف تخضع للمزيد من التشاور والتفاوض.

ومثله كمثل بنك التنمية الجديد الذي أعلنته دول مجموعة البريكس (البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا) في الصيف الماضي، واجه البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية قدراً كبيراً من التمحيص، حتى إن بعض قادة الغرب شككوا في إدارته ومدى شفافيته والدوافع من ورائه، بل إن كثيرين في الغرب صوروا تأسيس هذين البنكين كجزء من محاولة لإزاحة المؤسسات المقرضة المتعددة الأطراف القائمة حاليا.

ولكن يبدو أن اهتمام بنوك التنمية الجديدة بالحلول محل المؤسسات الحالية أقل كثيراً من اهتمامها بالأداء بشكل أفضل، وهو هدف مشترك لدى تلك المؤسسات نفسها. فكما أشار وزير المالية شي ياو بين مؤخرا، فإن المؤسسات المقرضة المتعددة الأطراف القائمة حالياً أظهرت، باعترافها بالحاجة إلى إصلاح إدارتها، أنه لا يوجد في واقع الأمر ما يمكن اعتباره "أفضل الممارسات"، بل هناك فقط "ممارسات أفضل". ولا يوجد سبب قد يمنع نشوء التحسينات في مكان آخر.

الواقع أن الصين، في ضوء نهجها التجريبي في التعامل مع التنمية، مناسبة تماما- وكما أشار بعض كبار المسؤولين، أكثر من مستعدة- للمساهمة في هذه العملية، وإذا تمكنت الصين من المساعدة في إيجاد وسيلة لتحقيق التوازن بين الحاجة إلى معايير عالية والضمانات اللازمة لمشروع يقدم القروض استجابة لضرورة التوزيع السريع للقروض، فإن إدارة الاقتصاد العالمي ستستفيد من هذا إلى حد كبير.

في ريادة نهج أكثر واقعية في التعامل مع تمويل التنمية، فإن النموذج المؤسسي في الصين قد يكون صندوق طريق الحرير الذي تبلغ قيمته 40 مليار دولار والذي أعلنه الرئيس شي جين بينغ في نوفمبر الماضي، وسوف يخدم صندوق طريق الحرير والبنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية كأدوات مالية أساسية لاستراتيجية "حزام واحد، وطريق واحد" التي تبنتها الصين، فضلاً عن "طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين"، الذي يمتد عبر آسيا باتجاه أوروبا، وسوف تستهدف المبادرة تعزيز التعاون الاقتصادي والتكامل في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في الأساس من خلال توفير التمويل للبنية الأساسية مثل الطرق والمطارات والسكك الحديدية والموانئ البحرية، ومحطات الطاقة.

ولكن صندوق طريق الحرير لم يلق اهتماماً يُذكَر من وسائل الإعلام الغربية، وهو أمر مؤسف لأن القليل المعروف عنه يشير إلى أنه من الممكن أن يلعب دوراً مهماً في تحويل عملية تمويل التنمية.

فوفقاً لوسائل الإعلام الصينية، سوف تتولى أربع هيئات تابعة للدولة تمويل صندوق طريق الحرير، وسوف تكون حصة إدارة الصرف الأجنبي التابعة للدولة 65%؛ وسوف تكون حصة كل من مؤسسة الاستثمار الصينية (صندوق الثروة السيادية في الصين) وبنك التصدير والاستيراد الصيني 15%؛ وبنك التنمية الصيني 5%، وقد تم تسجيل الصندوق رسمياً في ديسمبر 2019، وعقد أول اجتماع لمجلس إدارته في الشهر التالي.

وبوسعنا أن نعتبر صندوق طريق الحرير أحدث مبادرة صينية في مجال صناديق الثروة السيادية، حتى إن بعض وسائل الإعلام أشارت إليه باعتباره "مؤسسة الاستثمار الثانية في الصين"، ولكن في حين تخضع مؤسسة الاستثمار الصينية السيطرة الإدارية لوزارة المالية، فيبدو أن عمليات صندوق طريق الحرير تعكس نفوذ بنك الشعب الصيني.

في مقابلة أجريت معه مؤخرا، اقترح محافظ بنك الشعب الصيني تشو شياو أن صندوق طريق الحرير سوف يكون أكثر تركيزاً على "مشاريع التعاون"، وخصوصا الاستثمار المباشر في الأسهم، قبل أن يلمح إلى ملامح تمويل الصندوق "المناسبة تماما". على سبيل المثال، أشار تشو إلى أن صندوق طريق الحرير سوف يتبنى أفقاً زمنياً للاستثمار لا يقل عن خمسة عشر عاما، بدلاً من أفق السبعة إلى العشرة سبعة أعوام الذي تبنته العديد من شركات الأسهم الخاصة، بحيث يتناسب مع العائد الأبطأ على الاستثمار في البنية الأساسية في البلدان النامية.

وعلاوة على ذلك، من الممكن أن يعمل صندوق طريق الحرير كمحفز لغيره من المؤسسات المالية التابعة للدولة لدفعها إلى المساهمة في تمويل أسهم مشاريع وديون مختارة، وسوف يقوم الصندوق وغيره من المستثمرين من القطاعين الخاص والعام أولاً بإنشاء استثمارات الأسهم المشتركة في المشروع، وفي وقت لاحق من الممكن أن يعمل بنك التنمية الصيني وبنك التصدير والاستيراد الصيني على توزيع القروض لتمويل الديون، في حين تعمل مؤسسة الاستثمار الصينية على توفير المزيد من تمويل الأسهم. وعندما يبدأ البنك الآسيوي للاستثمار في البنية الأساسية العمل، فهو أيضاً من الممكن أن يساهم في دعم هذه العملية، من خلال ترتيب تمويل الديون إلى جانب استثمار صندوق طريق الحرير الأولي في الأسهم.

بطبيعة الحال، لا يزال هناك الكثير الذي لم يستوعب بعد في مبادرات التمويل الجديدة هذه، ولكن بوسع المرء أن يرى الملامح الناشئة لمشهد تمويل التنمية من الجنوب إلى الجنوب، والذي يحمل في طياته إمكانية تحويل الإقراض المتعدد الأطراف بشكل أكثر عموما.

* ريتشارد كوزول رايت & دانييل بوون

ريتشارد كوزول رايت مدير قسم العولمة واستراتيجيات التنمية في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية، وأحدث مؤلفاته كتاب "تحويل الاقتصادات: توجيه السياسة الصناعية لمصلحة النمو، وفرص العمل، والتنمية" (اشترك مكتب العمل الدولي في تأليف هذا الكتاب)، ودانييل بوون مسؤول الشؤون الاقتصادية في مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top