ساركوزي عاد... وعينه على الرئاسة

نشر في 23-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 23-05-2015 | 00:01
استقبلنا نيكولا ساركوزي في مكتب من ثمانية طوابق كل ما فيه أبيض لماع حتى الكرسي. كانت يرتدي ربطة عنق، وقد خلع سترته. أخبرنا أنه منهمك في العمل. وأضاف أنه لم يملك الوقت حتى للدردشات.

أكَّد لنا أنه غير مهتم في الحديث عن نفسه، وهذا ما ينويه بكل وضوح. ثم سألني فجأة: «هل لديك أولاد؟».

تابع موضحاً أن تربية الأولاد مثل السياسة، فلا أهمية للطريقة التي توضح بها مسألة ما، الأهم أفعالك. من الضروري أن ترسم المثال بدل الحديث عن الأمور، حسبما نصحنا.

احتجنا إلى أشهر لنتمكَّن من ترتيب هذا اللقاء، أشهر سعى خلالها ساركوزي ليعود إلى دائرة الضوء. لكنه حقق ذلك بطريقة هادئة على نحو غير طبيعي، بالنسبة إليه على الأقل. بدا منذ وقت طويل كما لو أنه يحاول العودة إلى حلبة السياسة ، إلا أنه ما انفك يخفق، حتى إننا خلنا أنه سبق أن جرَّب حظوظه، وأن الفرنسيين لا يريدون أن يسمحوا له بالمحاولة مجدداً.

هكذا، بعد إجازة مطوّلة من السياسة، صار الرئيس الفرنسي السابق نيكولا ساركوزي مستعداً للعودة إلى مسرح السياسة. يقول مستشاروه السابقون إنه أصبح أكثر صبراً وأكثر إصغاء. لكن النقاد يعتبرون أنه بات يمينياً أكثر تشدداً. فهل فرنسا مستعدة لعهد ساركوزي مجدداً؟ «شبيغل» بحثت عن إجابات.

ظلَّ ساركوزي، الذي يشبه نفسه بالملاكم، في الحلبة. انتُخب زعيم الحزب بأكثرية بالكاد تخطت الثلثين. كذلك صدَّ هجمات خصومه، إلا أنه لم يسدد لهم ضربة قاضية، كما في السابق، بل اكتفى بتجاهلهم. في الوقت عينه، زاد تدريجاً وجوده العلني. وهكذا عاد، ويرغب في أن يكون الرئيس مجدداً.

جلسنا في المساحة المخصصة للقاءات. وفيما لا يزال ممتعضاً، فتح علبة شوكولا. أزعجه سؤال واحد: هل تبدلت يا سيد ساركوزي؟

تنهد ورفع عينيه إلى الأعلى، واستعاد ميله إلى التصرفات المبالغ فيها. يبدو السؤال بغيضاً لأنه يشمل الرغبة والتوقع: ألا يكون الشخص الذي كانه في الماضي.

محبة الغير

يكره ساركوزي هذا السؤال لأنه يوحي بأنه، هو الرئيس السابق، قد يُعامل باحترام، أو حتى بتشكيك. لكن ساركوزي لا يود أن يحتاج إليه الناس فحسب، بل أن يرغبوا فيه أيضاً، فهو لا يحب أنصاف الأمور.

ما رأي الآخرين فيه؟ ما يريدونه منه؟ عادت هذه الأمور فجأة لتحتل مكانة مهمة بالنسبة إلى ساركوزي. ولا شك في أنها ستزداد أهمية مع اقتراب ربيع عام 2017. في تلك الفترة، سينتخب الفرنسيون الرئيس التالي.

بلغ ساركوزي الستين من العمر في شهر يناير. احتلت مكتبه لوحة بالأبيض والأسود لابنته غيوليا (3 سنوات ونصف السنة)، وملأت صورها الموضوعة في أطر الجدار. كذلك ترى صورة لزوجته، كارلا بروني، وهي تحمل غيتاراً. حضر أكثر من خمسين من حفلاتها خلال السنوات الأخيرة. لكن تلك الأيام ولَّت. أخبرنا أن كارلا ستعزف في بكين قريباً، إلا أن عليها السفر وحدها هذه المرة. ولا يبدو حزيناً لذلك. هدف برنامجه الحافل كمواطن عادي وخطيب يتلقى أجوراً عالية إلى تفادي خطر أن تراه زوجته عاطلاً عن العمل. والأسوأ من ذلك أنه قد يبدأ هو برؤية نفسه لا يملك أي أمر يمكنه التطلع إليه.

رغم برنامجه الحافل، لا يزال هو وزوجته يشاهدان فيلماً في صالة عرض منزله كل يوم تقريباً. أكَّد أنه يحب كابرا ولوبيتش وهيتشكوك وشون بن {لا كممثلين بل كمخرجين}. لا يملك كتاباً أو فيلماً مفضلاً. في رأيه، {الكتب والأفلام مجرد مفهوم. عليك أن تحبها كلها}.

ولكن قبل الكتب والأفلام، تشكِّل السياسة {مفهوماً} أساسياً بالنسبة إلى هذا الرجل. صاغت السياسات حياته خلال فترة طويلة، حتى إنه ما عاد يتخيَّل أنه يستطيع التخلي عن الحياة العامة، كما أكد أنه سيفعل قبل رفض الفرنسيين انتخابه وبعده. نجح ساركوزي، وهو ابن أرستقراطي نمساوي ووالدته ابنة طبيب، في تحقيق كل شيء. أصبح عضواً في بلدية المدينة في سن الثانية والعشرين وعمدة في الثامنة والعشرين. كذلك تبوأ منصب وزير الاقتصاد والمالية، خدم ولايتين كوزير داخلية، وكان زعيم حزبه عندما ترشح لرئاسة الجمهورية.

واجب ساركوزي

أصبح ساركوزي رئيس جمهورية فرنسا في الثانية والخمسين. لطالما عبّر عن رغبته في بلوغ أعلى المناصب السياسية في فرنسا، قائلاً قبل سنوات من انتخابه إنه يفكر غالباً في الرئاسة، {لا أثناء الحلاقة فحسب}. لم تستطع أي عقبة أن تقف في طريقه. فقد هزم كل خصومه، بمن فيهم الأقوى، سلفه جاك شيراك الذي كان أحد السياسين الداعمين له قبل أن يصبح ألد أعدائه. لكنه أخفق في استمالة الفرنسيين الذين أخرجوه من منصبه بعد ولاية واحدة فقط. فهل هذا الحافز الذي يدفعه إلى العودة؟ هل يشكل الفوز في الانتخابات مجدداً التحدي الأكبر الأخير الذي يواجهه؟

أوضح أن عودته إلى السياسة فُرضت عليه. فقد دعاها {واجباً}، وعدد الأسباب: حزبه الذي تقسمه الصراعات، تنامي قوة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة، والحكومة الاشتراكية التي أوصلت البلد إلى حافة الهاوية. ذكر: {لا أستطيع أن أقول بكل بساطة إن أياً من هذه التطورات لا يثير قلقي}. ينهي ساركوزي عباراته عادةً بكلمة {نعم} تليها علامة استفهام. لكنه لا يريد التأكيد على كلامه فحسب، بل نيل الموافقة أيضاً.

رافقت الكاتبة ياسمين رضا ساركوزي طوال سنة خلال حملته الانتخابية. كتبت أنها تفاجأت عندما لاحظت كم يذكرها  بالأولاد أو بالأحرى بصبي صغير، وخصوصاً مع نوبات غضبه ورغبته في الفوز باهتمام الآخر ونيل رضاه. أخبرها أنه يتوقَّع دوماً التطورات كافة، من نجاحاته إلى رئاسته، وأنه سُرّ جداً عندما سارت الأمور كلها تماماً كما كان متوقعاً. لكن هذا كان على الأرجح السبب الذي جعله يفقد كل توقع أو حماسة: {ليس هذا شعوراً جيداً}. كذلك تحدث مع رضا عام 2007 عن حياته {بعد الطموح}، حياة أكَّد أنه يتطلع إليها بتوق.

لكن إجازته الفعلية من عالم السياسة كانت وجيزة جداً. بدأت في السادس من مايو 2012، حين هزمه فرانسوا هولاند بفارق بسيط خلال الانتخابات. فقد حصل ساركوزي على 48.36% من الأصوات: صحيح أن هذه النتيجة ليست مهينة، إلا أنها تبقى خسارة، وهي تعود إلى أنه لم يعتبر هولاند خصماً حقيقياً، بل استخف به. حدث ذلك قبل ثلاث سنوات، لكن فترة انقطاع ساركوزي عن الحياة العامة في بلده لم تدم أكثر من ثلاثة أشهر. كان رئيساً في حالة نشاط دائمة، رئيساً دائم الوجود، رجلاً فضل القيام بالمسائل كافة هو بنفسه، حتى إنه حوّل رئيس وزرائه إلى مجرد {مساهم}، كما لو أنه موظف عادي.

هرولة ودروس الإنكليزية

من الصعب تخيل أن رجلاً مماثلاً قد يخسر فجأة كل نفوذ سياسي. لكنه بدلاً من ذلك، راح يمضي وقته في ركوب الدراجة الهوائية، الهرولة، القيام برحلات، وتعلم اللغة الإنكليزية. فقد كثر ال                                  حديث عن عودته، مع أن الحديث بدا أشبه بتلك اللحظة في فيلم الرعب حين لا تعلم ما إذا مات الوحش أو سينهض مجدداً.

بما أنه حزبه فاز في الانتخاباب المحلية الشرسة قبل بضعة أسابيع، فقد استعاد ثقته بنفسه، وعاد معها جنون العظمة المتواضع حيناً والحازم أحياناً. فقد أنزل حزب ساركوزي، الاتحاد لأجل الحركة الشعبية، بالحزب الاشتراكي الحاكم الهزيمة الأكثر إذلالاً في ريف فرنسا منذ عام 1992. فالمقاطعات التي ظلت طوال عقود بيد الاشتراكيين انتقلت اليوم إلى سيطرة الاتحاد لأجل الحركة الشعبية اليمينية المعتدلة.

ويعود الفضل أيضاً إلى ساركوزي في منع الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة من تحقيق نتائج أفضل بعد اختبار المزاج السياسي هذا. يعتبر ساركوزي أنه الخصم القوي الوحيد أمام زعيمة الجبهة الوطنية مارين لوبن، وأنه وحده قادر على وقف تقدمها هذا. وقد يكون محقاً، مع أن خصومه ليسوا الوحيدين الذين يعتقدون أن ساركوزي هو أيضاً مَن مهَّد الطريق أمام نجاح لوبن في المقام الأول.

عندما انتخب ساركوزي عام 2007، حصدت الجبهة الوطنية عدداً ضئيلاً من الأصوات، حتى إن الرئيس الجديد أعلن تقهقر الحزب. لكنه كان مخطئاً. تُظهر الوقائع أن نجاح هذه الحركة اليمينية المتطرفة في اختراق نظام الحزبين السائدين في السنوات التالية يعود أيضاً في جزء منه إلى ساركوزي. فقد أسهم في النهاية في جعل طروحات الجبهة الوطنية مقبولة اجتماعياً. عندما كان رئيساً، أثار جدالاً حول {الهوية الوطنية}، الذي سرعان ما تحوَّل إلى منتدى لكل أشكال الخوف من الغرباء. كذلك شدَّد قانون الهجرة واتبع سياسة ترحيل صارمة. وبدل معارضة لوبن بتبني مواقف أكثر اعتدالاً، بدا كما لو أنه يقلدها، ولا يزال الوضع كذلك اليوم.

في إحدى أمسيات شهر مارس، كان ساركوزي يقف على خشبة مسرح دار البلدية في مكان ما من شمال شرق باريس. أمضى 10 دقائق في السخربة من {فرانسوا هولاند الكاذب} وإخفاقاته. لكن صوته اتخذ فجأة نبرة جادة ومرّة. سأل: {هل نحن فرنسيون؟ هل نتكلم الفرنسية؟ هل نحب ثقافتنا؟}. فصاح الحضور {نعم}. فرد صائحاً بدوره: {ولهذا السبب عليهم هم أن يتكيّفوا، لا نحن!}.

راح الحضور يصفقون ويصيحون بشدة. وها هو اليوم يستعمل عبارات مثل الامتصاص والذوبان بدل الاندماج في حديثه عن الهجرة.

نجم بوب

بعد ظهوره هذا، كان يقف في غرفة الملابس، تلك المساحة الضيقة المليئة بالمرايا. كان فرحه عارماً فأرخى ربطة عنقه ومسح العرق عن عنقه بواسطة منشفة. راح الحشد الكبير الذي ملأ الصالة يهلل له طوال دقائق متواصلة. كذلك رددوا اسمه إلى أن صدح النشيد الوطني الفرنسي من أجهزة الصوت، وعادوا إلى التهليل مع انتهائه: {نيكولا! نيكولا!}. لم يفقد هذا السياسي أياً من مكانته التي تذكر بنجوم البوب.

سأل: {هل لاحظت الصمت الذي ساد في الصالة؟ هل لاحظت كم أصغوا إلي بانتباه؟ هل لاحظت ذلك؟}. أكد ساركوزي أنه لن يسمح للجبهة الوطنية بحكم فرنسا. توقع أن ربع الحاضرين يتعاطف مع الجبهة الوطنية. وأضاف: {لن أسمح لهم بالمضي قدماً}. وكان محاصراً فعلاً عندما خرج من دار البلدية. واحتاج إلى نحو 15 دقيقة ليجتاز أمتاراً قليلة فصلته عن سيارته.

عندما عدنا لاحقاً إلى هدوء مكتبه، طلبنا منه وصف إستراتيجيته لمحاربة الجبهة الوطنية، فأجاب أن إستراتيجيته ترتكز على ما رأيناه لتونا.

ولكن لمَ يوحي بعض عباراته أنها صادرة عن مارين لوبن نفسها؟ أجاب: {هذا صحيح}. ولكن لو قالت لوبن إن الشمس ساطعة في يوم مشمس، فلا يعتقد ساركوزي أن عليه القول إن السماء تمطر.

لكن تحوله اليميني هذا المثير للجدل قسَّم حزبه وشركاءه. خلال الشتاء، عندما أكَّد مجدداً ضرورة منع الحجاب في الجامعات، ذكر كاتب خطاباته السابق أن على ساركوزي أن يتفادى زرع الخصومات بين الفرنسيين. كذلك نأى مستشاره وصديقه آلن مينك بنفسه عن ساركوزي، معلناً أنه يفضل آلن جوبيه كمرشح لرئاسة الاتحاد من أجل الحركة الشعبية. يشكل جوبيه نقيض ساركوزي: رجل طويل ووقور يتبنى وجهات نظر معتدلة، مع أنه ممل بعض الشيء أيضاً.

لكن إستراتيجية ساركوزي تحقق النجاح على ما يبدو. فحتى التاسع والعشرين من مارس عام 2015، ذلك اليوم الذي حقق فيه حزبه نجاحاً كبيراً في الانتخابات المحلية، كانت عودته تُعتبر مجرد مهزلة. اعتُبر رئيس الجمهورية السابق الذي يكثر الحديث عنه بسبب عدد من الفضائح الوشيكة، التي تمتد من مواضع خلل في تمويل الحملة الانتخابية إلى الشك في تورطه في أعمال فساد واستغلال السلطة والنفوذ بشكل غير ملائم. لكن واقع أن ساركوزي أول رئيس سابق تعتقله الشرطة طوال ساعات بهدف استجوابه يرتبط بتبدل النظرة إلى أعلى منصب في فرنسا أكثر من ارتباطه بالادعاءات الموجهة ضده بحد ذاتها.

{لا أنظر إلى الوراء}

صارت هالة الوقار والاحترام الفائق التي كانت تحيط بالرئاسة الفرنسية في السابق جزءاً من الماضي اليوم. وكان ساركوزي نفسه مَن أسهم في تبديدها. بخلاف أسلافه، لم يرَ يوماً نفسه بعيداً عن المشاكل. فكان حيناً يثير اضطراب وزراء حكومته، إلا أنه كان أحياناً أخرى يقوم بالمثل مع أعوانه. على سبيل المثال، نتذكر ذلك المؤتمر الصحفي الذي لا يُنسى حين أعلن أن «العلاقة جدية» بينه وبين كارلا. فقبل ساركوزي، كان من غير المقبول أن تتدخل الحياة الخاصة إلى هذا الحد بالحياة السياسية في الإليزيه.

هل يندم على تصرفه هذا اليوم؟ أجاب وهو جالس في كنبته من طراز باوهاوس: «لا أتطلع مطلقاً إلى الوراء».

ألا يشعر بالندم البتة؟ قال: {شتى المسائل}. وهل من أمثلة؟ جعله رده يبدو مملاً وعكس شعوره بأنه لا يُعامل بإنصاف: {كان باستطاعتي بالتأكيد أن أحقق المزيد. فطوال خمس سنوات، اتهمت بأنني أعاني فرط النشاط}. لكن الناس يقولون اليوم إنني لم أبذل جهداً كافياً، على حد تعبيره.

أومأ برأسه وقد بدا متأثراً. أخبرنا ساركوزي أنه عندما ينظر إلى نفسه اليوم، لا يرى إلا زعيم المعارضة، لا الرئيس السابق.

ولكن مَن يرى الفرنسيون حين ينظرون إلى الماضي؟ هل يتذكرون رئيس {نجم بوب} يضع نظارات عريضة من نوع {راي-بان}، ويبلغ ثمن ساعته التي أهدته إياها زوجته بمناسبة عيد الميلاد 51 ألف دولار؟ هل يرون رجلاً يعتبر الأشخاص الأغنى والأكثر نفوذاً في البلد من بين أعز أصدقائه، وكان يقوم برحلات على حسابهم حين كان رئيساً؟ اعتُبر ساركوزي طوال فترة طويلة الرئيس الأقل شعبية على الإطلاق، إلى أن أتى سياسي آخر وحقق مهمة التفوق عليه الصعبة: فرانسوا هولاند. وهو أيضاً أحد الأسباب التي دفعت بساركوزي إلى تعليل النفس بالرئاسة مجدداً.

يشكِّل حدسه السياسي سبباً آخر. بصفته زعيم المعارضة، ينادي ساركوزي اليوم بالوحدة داخل حزبه. قد يبدو هذا تافهاً، غير أنها ليست بالمهمة السهلة. حتى مَن لا يحبون ساركوزي يعتقدون أنه قام بعمله هذا على أكمل وجه لغاية اليوم. بالإضافة إلى ذلك، تشكل هذه فرصته الوحيدة: فكلما كان أداء حزبه أفضل، ازداد هو قوة بصفته زعيمه. ومقارنةً بالتطورات الداخلية في الاتحاد من أجل الحركة الشعبية، وفق مسؤول بارز في الحزب، يبدو ما حدث في المسلسل الأميركي House of Cards مجرد {أمر تافه}.

{معاً} شعار ساركوزي الجديد. وقد كرر هذا الرجل، الذي أمضى حياته كلها في التفرقة بين الناس، هذه العبارات كثيراً في الأشهر الأخيرة، حتى بات هو نفسه يؤمن بها. وينوي إعادة تسمية الحزب {الجمهوريين} في أواخر شهر مايو. ويكثر أخيراً من تناول وجبات الغداء مع أقوى خصومه، مثل دومينيك دوفيلبان، رجل كان يكرهه كرهاً عميقاً في الماضي، حتى إنه كان يفضل {شنق نفسه بعقيفة لتعليق اللحم}، أو خصمه جوبيه، الذي ما زال يُعتبر أكثر شعبية من ساركوزي في استطلاعات الرأي.

سياسات وقبلات

لم يعد ساركوزي إلى حياة الأضواء فحسب، بل صرنا نراه مرة أخرى في كل مكان. فهو يدلي برأيه عن الإبادة الأرمنية أو يعيد تنظيم حكومة محلية. كذلك يرغب في أن ينمي مجدداً قدرة الشركات الفرنسية على المنافسة. ويقول إن كلفة الأجور الإضافية عالية جداً، وإن العبء الضريبي الذي تتحمله الشركات مجحف. ويضيف أن على فرنسا أن {تترك الوسطية وراءها}.

ولكن إلى أن يقدّم حزبه برنامجاً متيناً، يستخدم ساركوزي نسخاً معدلة من شعاراته السابقة، بما فيها {اعمل أكثر لتجني أكثر}. كذلك غرَّد، معرباً عن رغبته في إعادة تعزيز الثقة في السياسات، فكتب: {نحتاج إلى التغيير، ونحتاج إلى سياسات التغيير}.

يذكر بريس هورتيفو، الذي شغل منصب وزير الداخلية خلال عهد ساركوزي: {ما زال ساركوزي الشخص عينه، إلا أنه تعلم أموراً جديدة}. هورتيفو رجل طويل باهت البشرة عرف ساركوزي منذ عام 1976. فقد كان إشبينه خلال زواجه الأول وعراب ابنه جان. ويعتقد أن أزمة الديون كانت سبب خسارة الرئيس السابق الانتخابات عام 2012، لا سياساته. لكنه بات اليوم أكثر صبراً، أقل طموحاً، وأكثر إصغاء. كذلك صار يفكر اليوم في المصلحة العامة أكثر من أي وقت مضى.

في مطلع شهر أبريل، زار ساركوزي مركزاً للتدريب المهني في أنياتز في دائرة واز. شكلت هذه إحدى المناسبات التي يبرهن فيها أعضاء الطبقة الباريسية الحاكمة أنهم يستطيعون أيضاً التقرب من الناس، إن دعت الحاجة.

عندما وصلت سيارة ساركوزي الليموزين السوداء، كان صف طويل من المسؤولين المحليين وزوجاتهم ينتظرون للترحيب به. كان الرجال يرتدون بزات سوداء، في حين أكثرت النساء من المجوهرات وأوشحة هيرمس. أمضت مجموعة صغيرة مدربة بإتقان ساعة ونصف الساعة تعمل وسط الإسمنت والغبار وقطع الجص، بقيادة ساركوزي، الذي كان يرتدي بزة وربطة عنق سوداوين. راح يراقب المتدربين وهم يحملون القساطل النحاسية، تفحص بمهارة مجرفة، ومرر يده فوق حوض استحمام صُبّ حديثاً.

طرح من حين إلى آخر سؤالاً أو ربت على ظهر أحد العاملين. ورغم بزته السوداء، من الغريب أنه لم يبدُ في غير محله. فهو يجيد التعامل مع الناس ويهوى أداء دور الرجل المحبوب المتواضع. فقد كان أقرب إلى {نيكولا} منه إلى {السيد الرئيس}. وفي نهاية الزيارة، اصطف المتدربون لالتقاط صور {سيلفي} مع ساركوزي.

بعد الجولة، وصل فريق التصوير العامل في التلفزيون ليطرح عليه بضعة أسئلة. بدأ بالإجابة: {كما تعلمون...}، ثم توقف عن الكلام وتوجه عبر العشب إلى مبنى رسمي، حيث كانت امرأتان تطلان من النافذة، وكلهما فضول لمعرفة ما كان يحدث. قال لهما: {هذا إغراء لا يمكنني مقاومته}، وقبلهما على الخد. فراحت المرأتان تضحكان فرحاً.

في وقت لاحق، جلس مع رجال أعمال محليين في إحدى غرف الصفوف، حيث دُفعت الطاولات الواحدة إلى جانب الأخرى فوق سجاد أخصر. سألوه عما قد يميزه عن الرئيس هولاند. أجاب ساركوزي: {كل شيء}. ثم راح ينقد بحماسة سياسة هولاند الاقتصادية والأوروبية وسياساته بشأن سوق العمل والهجرة. وللحظة، بدا كما لو أن مستمعيه نسوا أنه كان رئيساً، وأن دين الحكومة والبطالة ارتفعا كثيراً خلال عهده.

أمسك رجل كان يرتدي بزة رمادية الميكروفون، وقال إن أداء الشركات في فرنسا يتراجع تدريجاً، شأنها في ذلك شأن الناس. وسأل: {ماذا تنوي أن تفعل كي تحسن أوضاعنا؟}.

أجاب ساركوزي: {صدقوني! هذا ممكن} مع ساركوزي الجزء الثاني.

back to top