الناقد والمفكر التونسي عبد السلام المسدي: المثقف الحقيقي هو المهموم بالشأن العام

نشر في 05-05-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-05-2015 | 00:01
No Image Caption
أكد الدكتور والناقد عبد السلام المسدي، أستاذ علم اللسانيات في الجامعة التونسية، أن النقد الأدبي تطور بصورة كبيرة خلال العقود الأربعة الماضية، ونزع إلى أن يصبح معرفة علمية قائمة بذاتها، مشيراً إلى أن اللغة العربية تمر بمرحلة صعبة حرجة.
حول قضايا الأدب والنقد والمشهد الإبداعي العربي عموماً والتونسي خصوصاً، التقت «الجريدة» المسدي في الحوار التالي.
كيف تنظر إلى المشهد النقدي، وما رأيك في الاتهام المتواصل له بعدم مواكبة الحركة الإبداعية؟

تطور النقد الأدبي بصورة كبيرة خلال العقود الأربعة الماضية، ونزع النقد إلى أن يصبح معرفة علمية قائمة بذاتها. لم يعد دور الناقد هو الشارح والمبسط للأدب، وهو الذي يأخذ بيد القارئ لمساعدته في أن يدخل إلى فضاء النص.

 تغيرت وظيفة النقد الذي أصبح معرفة قائمة بذاتها، من ثم لم يعد متيسراً لكل الناس كي يفهموا النقد الأدبي وفي طليعتهم الأدباء أنفسهم، وكثيراً ما يكٌتب نقداً حديثاً حول قصيدة أو رواية، وصاحب النص ليس قادراً على أن يستوعب هذه اللغة النقدية الحديثة.

كأستاذ علم اللسانيات، ما هي التحديات الصعبة التي تواجه اللغة العربية؟

تمر اللغة العربية بمرحلة صعبة حرجة، والسبب الحقيقي أننا حتى الآن تعاملنا مع المسألة اللغوية على أنها عملية تربوية تعليمية أو أكاديمية جامعية، وربما أوكلنا مهمة النهوض بها إلى المجامع. إزاء هذا كله، نحن نخطئ الصواب لأن اللغة العربية هي اليوم قضية سياسية بالدرجة الأولى ولم يفد فيها أي علاج سواء تربوياً أو جامعياً ما لم تتضح الرؤية لدى السياسيين في النهوض باللغة العربية.

من هنا، لا بد من أن نشرح قضية تعقد اللغة العربية، فقد كانت في وقت ما في صراع مع اللغة الأجنبية في ما يسمى {ازدواجية اللغة}، وكان هذا التنافس على المجال الحيوي، وإذا بنا نرى هذا الدخيل الجديد وهو اللهجات. حدث انتشار للهجة العامية، ودخلت اللهجات حيز الإعلام وبدأت تأخذ من الفضاء الحيوي للغة العربية، لدرجة أننا أصبحنا اليوم نرى أن العدو الأشد على اللغة العربية ليس هو اللغة الأجنبية ولكن اللهجات التي بدأت تسحب من اللغة العربية فضاءها الحيوي سواء في الإعلام أو حتى التعليم.

 يجب ألا ننسى أن كثيراً من المدرسين في صفوف التعليم بأكملها يخاطبون تلامذتهم باللغة المحكية، وهم يدرسون لهم اللغة العربية. كذلك الكتابة باللغة الفرنكوفونية والتعامل بها من خلال مواقع التواصل الاجتماعي.

ما هو المنهج النقدي الذي تتبعه عند مقاربتك النص؟

لا أحشر نفسي في وصفة نقدية جاهزة، ولكن عموماً أتوسل دائماً بالثقافة اللغوية اللسانية، لأني بالأساس مختص باللسانيات ومنها أسوغ لنفسي الدخول إلى النص الأدبي. على ذلك، تناولي النص الأدبي هو تناول عالم اللسانيات الذي يستنبط بعض المواقف ليقدمها لزملائه.

ما هي رؤيتك للبنيوية وما تأثيرها على النص الشعري؟

البنيوية منهج في تحليل النص وتأثيرها متصل بالنقد أكثر مما هو متصل بالإبداع‏،‏ فضلاً عن أن البنيوية نوع نقدي جديد أصبح جزءاً من ثقافة المبدع، خصوصاً الشاعر، حيث يوحي له بأن يبني شعره على نسق مترابط‏،‏ كأنما يستجيب للرؤية النقدية البنيوية‏،‏ وهذه الظاهرة المتصلة بالإبداع حصلت فعلاً وبشكل صريح في مجال الرواية‏،‏ لا سيما بعد تحول عدد من نقادنا إلى مجال كتابة الرواية بوعي نقدي مرتفع الدرجة.‏

مثقف بلا موقف تاجر كلام، برأيك ما هو الموقف الواجب على المثقف اتباعه؟

للمثقف صورة بدأت تنسحب من الواقع، إنما لا نظلم الإنسان الذي بوسعه أن يخلص لمهنته والمعرفة ولا يعتبر خائناً إذا لم يأخذ موقفاً من الحياة. لكن المثقف بالمعنى العصري الدقيق هو الذي يجعل الشأن العام شأنه الخاص، هو المهموم بقضايا مجتمعة. من ثم، لا يمكن أن يكون في معزل عن قضايا أمته. على ذلك، المثقف الحقيقي هو المثقف العضوي الملتزم.

‏‏ثمة رسالة معينة أردت توجيهها كمفكر وأكاديمي في كتابك {اتقوا التاريخ أيها العرب}؟ إلى أي مدى علينا أن نعتبر من التاريخ؟

يحمل العنوان أشكالاً مختلفة، فقد جرت العادة أن يقول الناس اتقوا الله في الأشياء، تقوى الله هي شيئاً بديهي، لكن بعد تقوى الله يجب أن يتقي الناس الله في الأشياء. لا بد للإنسان أن يتقي التاريخ. هنا أردت أن أشير إلى أن التكامل ضروري بين الوازع الإيماني والفكر العقلي والمنطق النقدي، ولذلك خاطبت في ذلك الكتاب العرب، ليس فقط باسم التراث والقيم الأخلاقية والمرجعية الروحية، إنما باسم العلم والمعرفة، وهو ما أطلق عليه {التاريخ}، لأن الأخير هو البعد الموضوعي المكمل للبعد الروحي.

شغلت مناصب عدة من بينها وزير وسفير وأكاديمي. ما هو تأثير ذلك على كتاباتك؟

تجربة العمل السياسي بالنسبة إلي مصدر ثراء فكري كبير. جئت إلى تلك المناصب من موقع النضال السياسي الذي احترفته من الصبا،‏ وأرى أن المثقف أو الأكاديمي عندما يتحمَّل المسؤولية السياسية فإنه يخرج بثراء جديد، هذا الثراء مرتبط بأمرين: أولهما عندما يدخل السياسة يجب عليه أن يدرك أنه ضيف عليها، وليس مقيماً دائماً فيها. الأمر الثاني، أنه إذا عاش التجربة السياسية بوعي ثقافي وفكري فإن السياسة ستعلمه كيف يبقى في نسبية الأمور ويتخلى عن المطلق.  

العمل المباشر في السياسة هو العمل المثلي لا العمل المطلق، لأن السياسة ليست لها معادلات رياضة أو حقائق مطلقة.

back to top