يوسف زيدان: الأدب السيئ هو ما لا يثير الفكر

نشر في 21-04-2015
آخر تحديث 21-04-2015 | 00:02
في اليوم الثاني من أعمال مؤتمر القراءة الوطني «وألقِ بصرك»

بالشباب تنفست الثقافة في الكويت الصعداء؛ والحريات استعادت صوتها، والفنون أزاحت الستار عن رونقها، ونفضت الآداب الغبار عن معناها، وحضر الذين وجهت الفرق الثقافية الشبابية الدعوات إليهم بإصرار، لتستكمل الجهود في اليوم الثاني من فعاليات «وألق بصرك» كما أريد لها.
بعكس ما اعتاده المشهد الثقافي في الكويت؛ لم يخب وهج اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر القراءة الوطني الأول "وألق بصرك"، فالمتعطشون لملاقاة الأسماء التي يحبونها احتشدوا في الندوات واحدة بعد أخرى، وضمن فعالياته كان للمحور الثاني، الذي تحدث فيه الباحث والروائي، د. يوسف زيدان، "التأويل وإشكالية فهم النصوص الأدبية والفكرية" حظوته من الطرح والمناقشة ومواصفات الادب السيئ، في غياب د. سعد البازعي، الذي اعتذر عن عدم الحضور لأسباب طارئة.

التفسير والتأويل

قدم الندوة الأمين العام لرابطة الأدباء الكويتيين، طلال الرميضي، وافتتح د. زيدان حديثه عن "فن القراءة بين طرق التفسير وإشكالية التأويل" منطلقا من دلالة المفردات: الفن، والقراءة، والتفسير، والتأويل، مشيرا إلى مستوياتها التي تتعمق كلما زاد وعي القارئ، مشددا على أن "انفلات الدلالات المحددة للمفردات يعني أن اللغة فقدت السمة الأصلية لها كأداة تواصل".

وفرق د. زيدان بين جانبي القراءة الإدراكي والآلي، حيث تكون التقاطة المعنى بقفزات العين على الكلمات في الحراك الآلي، وتصوغ نسقها عبره، وهو ما يعتمد على الدربة، بينما تتطلب القراءة مدركا غايته الفهم، واصفا إياه بالعمل الفني، واعتبر "التفسير" أولى مراحل الفهم، وقرنها بمحدودي الاطلاع، حيث يظل محكوما بالمستوى الأدنى من الفهم، ومباشرا، ورأى أن التفسير يتضمن الشرح والإيضاح والإدانة، بينما يدخل التأويل من صرف الكلام إلى المعنى البعيد الذي تحتمله العبارة باكتشاف شفرات النص.

وضمن إجاباته عن أسئلة الحضور ومداخلاتهم، رأى زيدان أن الأدب السيئ هو ما لا يثير الفكر، مستعرضا بعض آراء المعتزلة والأشاعرة في ما يتعلق بالتأويل والتفسير، مشيرا إلى مفردة "التفقه" التي تعبر عن الاستغراق في العلم، مؤكدا أن الحضارة العربية ولدت في اليمن والهلال الخصيب تحديدا، وهي المناطق التي تشهد الخراب اليوم!

تشكيل القارئ

وبورقة عنوانها "لنصبح قراء"؛ قدم الروائي السوداني، د. أمير تاج السر، شهادته التي تناول فيها معنى القراءة ووسائل تشكيل الفرد القارئ، انطلاقا من تجربته الشخصية، وأدارت الحوار فيها الأديبة ليلى العثمان، حيث تحدث د. أمير عن علاقته الحميمة بالقراء، التي كان لها أثرها في رواياته، والتقاطاته التي ينطلق منها لكتابة نصوصه، وكذلك في الإشارات التي تغلف أعماله الأدبية لآراء القراء الانطباعية الذين دونوها مباشرة إليه بلا تكلف.

واستعرض د. تاج السر القراءات التي صحبت طفولته إجبارا بسبب والده، وبسبب الشغف الذي تولد معه في ما بعد، من مكتبة كبيرة تتصدر بيتهم تضمنت كتب توفيق الحكيم وكولن ولسون وامرئ القيس وغيرهم، وهو ما كان مقرونا بمناقشة قد تلحقها عقوبة والده إن بدا تقصيرا منه أو اخوته الأربعة.

وثمن طفرة ملتقيات ومؤتمرات القراءة التي تشير إلى استمرارية عصر القراءة وازدهاره، متمثلا بالكويت والإمارات وقطر، وكذلك جهود الشباب المبذولة في إنعاش المشهد الثقافي، مؤكدا أهمية "التسويق" والاشتغال الإعلاني لنشر الكتب والترويج لها.

وعن محفزات الكتابة؛ أجاب د.تاج السر خلال المداخلات بأن الواقع مصدره الأول للكتابة، مشيرا إلى قصص واقعية خلال عمله في المستشفى، من نقلة حياتية لمصاب عسكري أقام طويلا ليصبح قارئا وكاتبا في ما بعد، وعن القارئ الذي كان يراسله بقصصه القصيرة جدا يوميا حتى صار الروائي نفسه قارئا متابعا لكتاباته، منوها بورش الكتابة الإبداعية التي يمكنها صقل المواهب واكتشافها وتحفيزها الإبداع.

حركة الترجمة

وخصص المحور الثالث لحركة الترجمة، والتي قرأ فيها المترجم الفلسطيني المقيم في إسبانيا، صالح علماني، ورقته المعبرة عن تجربته الطويلة في اشتغاله الدقيق بين اللغة والأدب، والتي كان عنوانها "الترجمة الأدبية... شيء من هموم مترجم"، وأدار الجلسة المترجم والباحث العماني أحمد المعيني.

قاسم حداد

اختتم اليوم الثاني من فعاليات مؤتمر القراءة الوطني الأول "وألق بصرك" بالأمسية التي لم تخط حدودا بين حضورها والشعر والسماء، فقرأ حداد فيها نصوصا من دواوينه الشعرية "سماء عليلة"، و"النهايات تنأى"، و"مكابدات الأمل" وغيرها، وأدارت الأمسية الشاعرة سعدية مفرح.

كلهم ألقوا البصر، وخلعوا نعلهم، وغنوا حول غربتهم الوحيدة وهم ينصتون إلى الشاعر قاسم حداد بصوته الشجي يقرأ القصائد، بينما يقابله الفنان مارسيل خليفة بابتسامة كأنها تسترجع بيانهما السابق الذي أصدراه يوما ردا على محاولات الحجر والوصاية إثر عملهما المشترك "مجنون ليلى" في مهرجان ربيع الثقافة بالبحرين عام 2007، وكان عنوانه "جئنا نعلن الحب".

وأبدى حداد في بداية الأمسية سعادته بالإنجاز الذي حققه الشباب في إعدادهم وتنظيمهم المؤتمر الثقافي، موجها شكره للمسؤولين الذين دعموا الفكرة حتى اكتملت، موجها كلماته إلى الشباب بالقول: "على الشباب أن يكونوا أكثر يقظة من المؤسسة، لأن القوة بأيديهم، والتغيير بإمكانهم، ويمكنهم وحدهم اقتراح نموذج جديد للأشكال الفنية ومظاهرها.

وبين في كلمته أن "الديمقراطية ليست حرية الكلام في الفضاء، بل الإصغاء إلى الآخر، وفي ذلك انتصار للقيم الإنسانية والإبداعية والعاطفية، وفيها انحياز الحياة إلى الإنسان المجبول على الفرح والفن والأمل والتغيير، مشددا على ضرورة الدفاع عن الإبداع ضد القوى المتربصة عند كل منعطف.

ولأن يهرب من كل مكان ليذهب إلى غربته، تلك التي انهال بها الحضور على مختلف مستوياتهم في التلقي ليتخذوا مكانهم في أقصى العالم كغرباء، ليفتتح الأمسية بنص "الغريب":

"غريبُ في البلاد الغريبة. لم يكن عدوا. لم يشترك في حرب. كان يحرثُ خصبَ الطين. ينتظر المطرَ فقصفته زَخَّة الضغائن. جاءَ من الجحيم. يبحث عمَّن يفهم الجراحَ ويعالج الروح. مكانٌ ينامُ فيه ويحلم.

الغريبُ في البلاد الغريبة.

حين همَّ بطرْقِ الباب التالي سمع أجراساً تنوح.

فأدرك أن الضغينة تحكم الكون.

ومن ديوانه "النهايات تنأى" ومن نص "الكمنجات":

"قُلْ للكمنجات شيئاً

لعل الكلامُ يَخبِّرُها أننا غرباء

وأنَّ الموسيقى تؤجلنا

وفينا من الرقص ما يستميلُ المدينةَ كاملةً"

وكأنها مرثية توقظ الحياة في النفوس الصدئة، والعقول التي وجهت أصابعها باللوم ليجمعها إلى قلبه، ويكرر "اهدأ قليلا":

اهدأ قليلًا

وانتظر تلك الحشود تمر ذاهبة إلى الماضي

ودعها، دع لها مستقبلا ينساك

واهدأ، ريثما يتذكر القتلى خريطتهم

حشود تنتشي بالغيم

تهفو للدلالة

فانتظرها وهي تعبر

ربما تكبو كما جيشٍ وهاويةٍ

وتحتمل الخسارة

ثم كان للقصيدة الأعذب في الحب إطلالتها التي ترنم بها الحضور ورددها، واضطرب معها محاولا القبض على ذاكرته :

قل هو الحب

هواء سيد، وزجاج يفضح الروح وترتيل يمام

قل هو الحب

ولا تصغ لغير القلب،

لا تأخذك الغفلة،

لا ينتابك الخوف على ماء الكلام.

الدور الثقافي للسينما

في الجانب السينمائي، تحدث المخرج السوري المقيم في لندن غسان عبدالله والمخرج الكويتي وليد العوضي.

في البداية، عرض عبدالله مقاطع من بعض الأفلام العالمية للحديث عن أثر السينما في الثقافة ورصد التاريخ، وهي غاندي "لينكولن شندلر"

وضرب مثلا من المغرب، وكيف أثار فيلم عن اغتصاب ضجة، وساهم في تغيير قانون عقوبة المغتصب، ومثال آخر من تركيا ساهم في تغيير قوانين رعاية كبار السن.

وقال غسان إن فيلما واحدا مثل "غاندي" عكس تاريخ الهند، وحوّل الورق الى لحم ودم وموسيقى ومؤثرات، وهذه وظيفة السينما في تحويل الأدب الى عمل مرئي، مشيرا الى أن السينما متعة وثقافة وصناعة وتجارة.

وأشار الى أن الكتاب يسمح للقارئ بالتحليق في الفضاء وفق رؤيته وتفاعله مع النص، بينما الفيلم خاضع لرؤية المخرج وفريق العمل.

من جانب آخر، أكد المخرج وليد العوضي أن السينما في الغرب متقدمة لوجود الحرية والتمويل وضخامة الصناعة والتجارة، وأشار الى أن انتقال الصوت والصورة بالسرعات العالية يدعو الى ضرورة الاهتمام بالسينما.

وتحدث عن بعض القضايا الخاصة بالسينما المحلية، منها وجود عدد كبير من السينمائيين الشباب وضرورة الاهتمام بدعمهم، ولا توجد كتابة خاصة بالسينما، وكذلك غياب الاستثمار عن الإنتاج السينمائي.

back to top