الحجة في مصلحة انضمام تركيا إلى أوروبا

نشر في 21-04-2015 | 00:01
آخر تحديث 21-04-2015 | 00:01
 فولكان بوزكير من الواضح أن تركيا دولة مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بتأمين الاستقرار والازدهار في جواره المباشر، ومع هذا فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب المواقف السياسية السائدة في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي.

إن الجوار المحيط بتركيا تجتاحه الأزمات، فإلى الشرق منها هناك عدم الاستقرار السياسي، والحرب الأهلية، والإرهاب، في حين يكافح جيرانها في الغرب في محاولة لاستعادة قوتهم المالية، في أعقاب انهيار اقتصادي يكاد يماثل أزمة الكساد الأعظم في ثلاثينيات القرن العشرين، وفي خضم كل هذه الاضطرابات، تمثل تركيا جزيرة للسلام، والديمقراطية، والأمن، والاستقرار، وهو ما يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يضعه في الحسبان عندما ينظر في الشلل الحالي الذي أصاب محادثات الانضمام.

على مدى العقد الماضي، أشرفت الحكومة التركية على تحول اجتماعي واقتصادي، انتقل بفضله الملايين من الأتراك إلى الطبقة المتوسطة، والواقع أن تقريراً حديثاً للبنك الدولي، والذي يسلط الضوء على النمو المطرد الذي وضع تركيا على أعتاب وضع الدولة ذات الدخل المرتفع، يصف التقدم الذي حققته البلاد بالشمول من الناحية الاجتماعية: فقد انخفض الفقر بما يتجاوز النصف، كما توسعت القدرة على الحصول على التعليم والصحة والخدمات البلدية العالية الجودة.

الواقع أن اقتصاد تركيا نجح في خلق أربعة ملايين وظيفة جديدة منذ عام 2009، والكثير من هذه الوظائف يتطلب عاملين من ذوي المهارة العالية، وقد أدى هذا إلى تضييق الفجوات في جودة الخدمات الصحية والتعليم بشكل ملموس، سواء داخل تركيا أو بينها وغيرها من البلدان الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.

وعلاوة على ذلك، كانت تركيا بين البلدان الأسرع تحسناً في ما يتصل بجودة البنية الأساسية، بما في ذلك النقل، والاتصالات، والطاقة، وخلال أزمة 2008 المالية العالمية، كانت تركيا الدولة الوحيدة في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي لم تكن في احتياج إلى ضخ أي أموال عامة إلى بنوكها.

كما بذلت تركيا جهوداً حثيثة لتعزيز الديمقراطية من خلال توسيع نطاق الحريات والحقوق المدنية، وعلى مدى السنوات الاثنتي عشرة الماضية، تبنت تركيا أكثر من 2000 تشريع جديد بهدف الوصول إلى معايير الاتحاد الأوروبي في مجالات مختلفة، ونظراً للحرائق العديدة المشتعلة حول تركيا، وقد تحقق هذا مع التركيز على إيجاد التوازن الصحيح بين الحرية والأمن.

الواقع أن تركيا نفذت إصلاحات شاملة تغطي نطاقاً واسعاً من القضايا، من العلاقات المدنية العسكرية إلى حقوق الأقليات، وبشكل خاص اتخذت تركيا خطوات جريئة تهدف إلى تحقيق التسوية السلمية للقضية الكردية، التي ظلت تشكل مصدراً للانزعاج لعقود من الزمان، وما لا يمكن إنكاره هو أن عملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي لعبت دوراً في تحفيز هذا التحول.

ولكن رغم خطواتها الجريئة، تُنتَقَد تركيا بشكل متكرر وغير عادل، وخصوصا في ما يتصل بحرية الإعلام، إذ تزعم لجنة حماية الصحافيين أن سبعة صحافيين زُجّ بهم في السجن بتركيا، ولكن اثنين منهم يتمتعان بحريتهم بالفعل. وعندما يتم بحث الحالات الخمس المتبقية بشكل فردي، فسوف يتبين لنا أنهم جميعاً لم يسجنوا بسبب أنشطتهم الصحافية أو تعبيرهم عن وجهات نظر معارضة، بل إنهم يواجهون مجموعة من الاتهامات الجنائية، بما في ذلك القتل بسلاح ناري، وسرقة بنك، وتفجير أقسام شرطة، وكما هي الحال في الديمقراطيات، حيث الغَلَبة لسيادة القانون، لا يُمنَح أهل مهنة بعينها، بمن في ذلك الصحافيون، أي شكل من أشكال الحصانة من هذه الأنواع من الاتهامات الجنائية الخطيرة.

إن مواد الدستور والقوانين التركية تضمن حرية التعبير والصحافة، وعلى مدى السنوات الثلاث عشرة الماضية أثبتت الحكومة التركية أنها الضامن الرئيسي لحرية التعبير، وخصوصا من خلال إصلاح النظام القضائي.

ومن الجدير بالذِكر فضلاً عن ذلك أن أكثر من 7000 صحيفة ومجلة تنشر في تركيا، ويبلغ مجموع توزيعها اليومي 5 ملايين نسخة تقريبا، والواقع أن أربعاً من الصحف الخمس الأكثر انتشاراً في البلاد تميل إلى تفضيل المعارضة على الحكومة، وما يقرب من ثلثي الأعمدة في الصحف تعارض سياسات الحكومة على أساسي منتظم، وفي كل مساء تبث 18 قناة تلفزيونية وطنية في تركيا طيفاً واسعاً من الخيارات من نحو مئة من ضيوف البرامج الحوارية.

ونظراً لحرية وحيوية الحوار اليومي في تركيا، فإن الادعاءات بارتفاع السلطوية لا أساس لها من الصحة، ولا يوجد ببساطة شكل معقول حول الجهود التي تبذلها البلاد لاستيفاء الشروط السياسية لمعايير كوبنهاغن لعضوية الاتحاد الأوروبي: الالتزام بالديمقراطية وسيادة القانون وحقوق الإنسان واحترام الأقليات وحمايتها.

إن العديد من نقاط التحول الرئيسة في السنوات الماضية- من الهجمات على الولايات المتحدة في الحادي عشر من سبتمبر 2001، إلى الأزمة المالية العالمية والربيع العربي- خدمت في تسليط الضوء على الأهمية الاستراتيجية للعلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي. ففي منطقة حيث الدول ذات أغلبية مسلمة، أثبتت تركيا أنها الدولة الوحيدة القادرة على الحفاظ على الديمقراطية الحقيقية وتعزيزها، ولا يجوز الاستخفاف بالمثال التركي في هذا الصدد.

من الواضح أن تركيا دولة مهمة بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي في ما يتعلق بتأمين الاستقرار والازدهار في جواره المباشر، ومع هذا فإن مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وصلت إلى طريق مسدود، بسبب المواقف السياسية السائدة في بعض بلدان الاتحاد الأوروبي.

إن تركيا على استعداد لفتح المفاوضات بشأن أي فصل في محادثات الانضمام، وفي أي وقت، ولكن حتى في مناطق تبرز مصالح الاتحاد الأوروبي بشكل مباشر- مثل الفصل الثالث والعشرين الذي يتعامل مع القضاء والحقوق الأساسية، والفصل الرابع والعشرين الذي يتعامل مع العدالة والحرية والأمن- لم يتحقق أي تقدم، وهذا ليس لأن تركيا ترفض تبني المعايير التي يطالب بها هذان الفصلان، بل لأن قِلة من الحكومات الأوروبية، تتعمد لأسباب سياسية داخلية خاصة بها عرقلة المفاوضات من جانب واحد.

وسوف يكون من الحكمة أن يعمل أصدقاء تركيا في أوروبا على تسهيل عملية الانضمام، ففي نهاية المطاف، سوف تعمل عضوية تركيا المحتملة على تغيير ديناميكيات الاتحاد الأوروبي والمنطقة إلى الأفضل.

* وزير شؤون الاتحاد الأوروبي في تركيا، وكبير المفاوضين في مفاوضات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top