النفط والطاقة: لماذا يباع النفط الكويتي ومشتقاته البترولية وفق القانون الإنكليزي؟

نشر في 21-04-2015 | 00:03
آخر تحديث 21-04-2015 | 00:03
No Image Caption
• العوضي: يتطرق إلى التفاصيل الدقيقة لمعاني الكلمات ويوازن بين حقوق وواجبات الأطراف المتعاقدة
• الوسمي: أصبح عرفاً عالمياً وصناعة قانونية ويعتبر المتخصص في هذه التجارة وأحكامه مميزة
قد يتساءل البعض لماذا يباع النفط الكويتي بالقانون الإنكليزي منذ أن بدأت الكويت تصدير النفط؟ ولماذا لم تكن هناك قوانين أخرى تحكم هذه العملية مثل القانون الأميركي أو الصيني؟

دشن الأمير الراحل الشيخ أحمد الجابر، في يونيو 1946، تصدير أول شحنة من النفط الخام، وبعدها بفترة وجيزة تم تطوير حقول جديدة، وتوسيع مرافق التصدير، وبناء الرصيفين الشمالي والجنوبي، والجزيرة الاصطناعية، ومرسى عائم مفرد، ومنذ ذلك التاريخ حتى الآن يباع النفط الكويتي وفق القانون الإنكليزي فما الأسباب؟

بداية أكد الخبير النفطي المتخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي أن أسباب بيع النفط وفق القانون الإنكليزي ترجع الى زمن اكتشاف النفط عالميا عام 1859 في الولايات المتحدة ورومانيا، وبيعه محليا، ومن ثم بيعه تجاريا وخارجيا، حيث كانت لغة التحاور والتفاوض هي اللغة الإنكليزية، فكانت البنود والشرح تكتب باللغة الإنكليزية، وكذلك كانت الأوزان والأحجام المستخدمة وفق النظام الانكليزي، بمعنى الطن الانكليزي والغالون الامبراطوري نسبة الى الإمبراطورية البريطانية والبرميل وغيرها من وحدات القياس.

واضاف انه "في هذا الوقت كانت بريطانيا تحكم اكثر من نصف العالم شرقا وغربا، وتسمى وقتها بريطانيا العظمى التي لا تغرب الشمس عنها، وتفرض قوانينها ولغتها ونظام المقاييس، وفي عام 1861 أبحرت السفينة Elizabeth Watts من اميركا الى بريطانيا، وهي تحمل أول شحنة نفط بنحو 224 طنا انكليزيا، وهذه الشحنة كانت تعتبر الشحنة التجارية الاولى بين بلدين".

قانون محايد

وأوضح العوضي ان "بند التقاضي والتحكيم هو حجر الاساس لأي عقد، ويرجع اليه في حال حدوث خلاف أو نزاع بين الأطراف المتعاقدة، ويستوجب ذكر القانون المتبع او المطبق لفض النزاع حسب توافق الاطراف، فمثلا قررت اميركا استيراد النفط من روسيا؟ فهل نتوقع أن تقبل روسيا تطبيق القانون الاميركي لحل الخلاف مع أميركا؟ أو العكس، أي ان تقبل اميركا بالقانون الروسي، وان يكون مكان التحكيم في موسكو؟ بالقطع لا، وعادة يتم التوافق على مكان محايد وقانون محايد لحل الخلاف".

وزاد ان "جميع عقود النفط الخام والمشتقات البترولية والغاز المسال والمواد الخاصة، مثل الكبريت والفحم البترولي في مؤسسة البترول الكويتية تعتمد القانون الإنكليزي والتحكيم في لندن أمام محكمة لندن الدولية London court of international Arbitration (LCIA) التي تأسست عام 1891".

وأشار إلى ان القانون الإنكليزي يمتاز بفترات سماح اطول من غيره بحق إثارة النزاع في ما يتعلق ببنود الجزاءات، فهناك بنود قد يختلف القانون الفرنسي في تحديدها مثل Take or Pay في عقود شراء الغاز الطبيعي المسال LNG، على انه شرط جزائي، وقد ينطوي عليه مبدأ التعويض، بينما القانون الإنكليزي ينظر لهذا البند على انه مبرر اقتصادي عند تخلف العميل عن استلام الشحنة المتعاقد عليها.

واردف ان القانون الإنكليزي يتطرق للعديد من النواحي في العقود، وبالتفصيل الدقيق لمعاني الكلمات، ويوازن بين حقوق وواجبات الاطراف المتعاقدة، وقد يتشابه القانون الإنكليزي مع القانون الفرنسي في الكثير من بنود الاتفاقيات، لدرجة ان هناك كلمات فرنسية تستخدم في العقود، مثل Demurrage، وهي قيمة التعويض عن أضرار تأخير شحن السفينة وفق المواعيد المحددة، وForce Majeure، ويقصد بها الظروف القاهرة التي تمنع البائع من القيام بمهامه، مثل حدوث كوارث طبيعية، قيام حروب او انفجار في مصفاة النفط.

قضاء متين

وحول أسباب اللجوء الى لندن قال العوضي: "تعتبر لندن اكبر مركز تجاري ومالي عالمي لوجود نظام قضائي متين له جذوره التاريخية، لذلك تشهد العاصمة البريطانية قدوم الكثير من المؤسسات القانونية لممارسة نشاطها في المحاماة وفق القانون الإنكليزي، لانه اقدم نظام في العالم، وهو الانسب ومجرب، وحظي بثقة المؤسسات التجارية والمالية العالمية عبر الزمن".

وتابع: "كما يوجد عدد كبير من المحامين المختصين في مجال قضايا النفط والغاز قد لا يتوفر مثله في مراكز تجارية ومالية عالمية، مثل نيويورك وهونغ كونغ وسنغافورة، ولعلنا نتذكر أشهر قضية تقاض، وهي كي – داو كيميكال امام هيئة التحكيم الدولية التي تأسست عام 1923 التابعة لغرفة التجارة الدوليةinternational Chamber of Commerce – International Court of Arbitration والتي حكمت بالقانون الإنكليزي بتعويض قدره 2.2 مليار دولار لصالح داو كيميكال، ولم يكن العيب بالقانون الإنكليزي بل هو تراضي الطرفين بفرض شرط جزائي يصل الى اكثر من 30 في المئة من قيمة العقد".

صناعة قانونية

من جهة قانونية وحول استخدام القانون الإنكليزي في بيع النفط الكويتي ذكر استاذ كلية الحقوق بجامعة الكويت د. محمد الوسمي أن القانون الإنكليزي يعتبر من اعرق القوانين خاصة في ما يتعلق بالتجارة البحرية، مشيرا إلى ان اغلب دول العالم تحتكم الى القانون الإنكليزي لاسيما للسفن البحرية ونقل البضائع عبر البحار، الى ان اصبحت هناك صناعة قانونية على القانون الإنكليزي الذي يعتبر المتخصص في هذه التجارة واحكامه مميزة.

واضاف الوسمي ان لندن تعتبر المركز لاغلب الشركات العالمية التي تتعامل مع مكاتب للمحاماة في بريطانيا، حيث تعد من أبرز المكاتب القانونية، اضافة الى ان الشركات التي تشتري النفط لها ممثلون في بريطانيا التي تعتبر منطقة وسط من حيث الموقع الجغرافي.

ولفت إلى ان "من يشتري شحنات نفط تقدر بمئات الملايين لا يمكنه وليس من الحكمة ان يحتكم الى قوانين البائع، خاصة اذا كان البائع طرفا حكوميا"، مضيفا ان القانون الإنكليزي اصبح عرفا في التعاملات والحاكم لهذه العقود.

وعما اذا كانت هناك قوانين اخرى يمكن التعامل بها غير القانون الإنكليزي، زاد: "لم ار احدا احتكم في السابق لغير القانون الإنكليزي"، مضيفا: "قد تكون هناك شركات صغيرة تشتري وتخضع لقوانين البائع، كما انني لم أر قانونا اميركيا او صينيا ينظم عمليات بيع النفط".

عرف قانوني

وأكد الوسمي ان "هناك عرفا عالميا في اتباع القوانين الإنكليزية، حيث إنه لو اراد احد التعامل بقانون التجارة الدولية فسيراه انكليزيا، ولو اراد قانون التجارة عبر البحار فهو إنكليزي ايضا، اضافة الى عقود البيع الدولي جميعها بالإنكليزي".

والمح الى ان جميع هذه القوانين تذهب في حال النزاعات الى التحكيم الدولي في لندن، وهو طريق اختياري لفض النزاعات، كما حصل بقضية "داو" مع الكويت، حيث كان القانون المتبع حينها الإنكليزي، بينما كان الذهاب إلى غرفة التجارة الدولية في باريس، لكن المحكمين أغلبهم من الإنكليز، بينما تحديد الموقع ومركز التحكيم لا يؤثر، حيث إن القانون الحاكم وواجب التطبيق في النزاع هو الذي يؤثر في الموضوع.

back to top