ترويض الحرب!

نشر في 19-04-2015
آخر تحديث 19-04-2015 | 00:01
 مظفّر عبدالله أول العمود: مكافحة الفساد مسألة اجتماعية وتوضيح مظاهره أول طريق الحل.

***

في هذا اليوم يكون قد مر على عمليات "عاصفة الحزم" على معاقل الحوثيين في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية 23 يوماً منذ انطلاق طلعاتها الجوية في 26 مارس الماضي.

لا أريد هنا أن أتحدث عن موقف أو سير عمليات أو نتائج هذا القرار السعودي، فالمسألة في ظني أكبر بكثير، إذا ما وسّعنا دائرة الفهم لمصير منطقة الخليج، تأسيساً على كوارث الماضي، بهذه المنطقة التي تنام في باطنها أرقام فلكية للطاقة، بـ45 إلى 70 في المئة من احتياطي النفط العالمي، و25 في المئة كحصة إنتاجية عالمية من النفط، و17 في المئة حصة احتياطي الغاز، وهي لم تهدأ منذ عام 1988 حتى اليوم (حرب إيران والعراق 1980، غزو الكويت 1990، غزو العراق 2003)، ولاحقاً انهيار سلطات الدول المحيطة بالمنطقة كالعراق وسورية.

بحسابات متواضعة، مات مليونان من البشر في حربي الخليج الأولى والثالثة، واحترق 1.19 تريليون دولار في الأولى و3 تريليونات في غزو العراق عام 2003 وحده.

إذاً نحن نتحدث عن إرث من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تولد مظاهر كالطائفية والمذهبية والتشنج الاجتماعي، فتخدع الناس وتغريهم بالدخول في لعبة تسطيح الأمور وتغييب التفكير العملي، وخلال أكثر من 3 عقود لم يستطع اللاعبون الإقليميون (دول الخليج وإيران والعراق) ترويض الحرب، ولذلك أسباب عدة، منها النفسية، والشخصية (الخميني/ صدام)، ثم افتقاد أدوات قياس الرأي العام لشعوب المنطقة تجاه الحروب، بل تزييفها لخدمة المجهود العسكري (مثل آلة الإعلام العراقية إبان غزو الكويت)، وأيضاً تحركات السياسة التفاوضية الإيرانية مع المجتمع الدولي بشأن الخيار النووي، والذي خيم على المنطقة سنواتٍ ووضعها في إطار الحرب من زاوية نفسية، وعدم إحراز أي تقدم باتجاه الحوار الإيراني الخليجي لأسباب تتعلق بحسابات دولية أو أميركية إن شئنا، وأيضا عدم قدرة العرب والإيرانيين على إنضاج عوامل تفتح المجال للحديث عن جلوس على الطاولة!

الحرب سلوك معقد جداً، ولا يمكن الركون إلى أسباب مكررة لسبر أسباب حرب ومقارنتها بأخرى، فعموم الناس يعرفون لماذا غزا صدام الكويت، لكن ربما تتكشف أسباب أعمق لاحقاً تأتينا من باحثين ودارسين مستقبلاً تقلب نمط التفكير رأساً على عقب، وستظل دول الخليج العربية تحت التهديد العسكري والتأثير الأمني طالما ظلت بنمط اقتصاداتها الحالية وطريقة تعاملها مع مسألة التنمية الشاملة، ومن جانب آخر لا يمكن التعامي عن السلوك السياسي للحكم في طهران وتسطيحه بالركون إلى السبب المذهبي لتحركاتها دون الأخذ في الاعتبار مشروعها القومي الفارسي، وكذلك المجموعات الملتئمة وغير المتجانسة في العراق، ودور ذلك في العيش المأزوم للمنطقة.

في ثمانينيات القرن الماضي، طرحت الكويت مبدأ "أمن الخليج من مهام دوله"، وهو مبدأ سياسي "راكز"، لكنه ظل شعاراً بلا أدوات ولا حوار. يؤكد ريتشارد نيد ليبو (1942) الباحث الأميركي في مؤلفه القيم "لماذا تتحارب الأمم؟ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل" الصادر عن سلسلة عالم المعرفة (المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب 2013) أن الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام هي فيروسات رئيسية لـ94 حرباً جرت في 3 قرون ونصف، ويدعو إلى التعمق كثيراً في فهم مسببات الحرب بعيداً عن التسطيح والتشبيهات الممجوجة.

نعود إلى ما يحدث في اليمن، لنقول إنه يأتي ضمن سلسلة مستمرة لسياسات إيرانية تحاول السعودية عبر حشد عربي وإسلامي صدها لحماية خاصرتها الجنوبية، ولا جديد في موضوع السلام، بل مزيد من التأزيم في موضوع الحرب، ومن المبكر معرفة نتائج هذه الحرب مادامت تفاعلات الاتفاق النووي الإيراني الدولي غامضة.

أتمنى أن أكون ساهمت في بيان مدى سطحية الحوارات الدائرة حول ما يجرى في اليمن اليوم وعلى رأسها الاصطفاف! بينما الناس يموتون.

back to top