دولة «تنظيم الدولة» (2)

نشر في 13-04-2015
آخر تحديث 13-04-2015 | 00:01
نرى عدم شرعية خطأ في تلقيب أفعال تنظيم الدولة بالجهاد مادام إلى الآن لم يأخذ التفويض من المسلمين في الإمامة، وإذا سارع البعض بالرد علينا بالقول بتكفير هؤلاء الذين يرون عدم شرعية جهاد تلك الجماعات فسيجد الرد من داخل تنظيمه وانتمائه.
 محمد مختار قنديل جهاد «تنظيم الدولة»

انتهينا في الحلقة السابقة من سلسلة الحديث حول طرق الخلافة في الشريعة الإسلامية، فبدأنا بنقطة الاستخلاف وأشرنا إلى عدم صحة تناولها في تلك الأوقات على "تنظيم الدولة"، ثم تحدثنا عن الشورى وعدم اتخاذ الدولة الإسلامية منها سبيلا للوصول إلى الخلافة، ثم تحدثنا عن مبدأ "إمارة المتغلب" والاختلاف حول عدم شرعية تلك الطريقة من طرق الخلافة، واليوم نحن بصدد الحديث حول مفهوم الجهاد وموقف تنظيم الدولة منه.

الجهاد، ذلك المصطلح الذي لطالما أطرق مسامعنا بصيحات العديد من الجماعات حوله، وخدمتهم لدين الله "جل جلاله"، كما سمعنا العديد من المقولات والآراء الفقهية التي تنأى بذلك المفهوم عن تلك الجماعات، والقول إنه إرهاب، وبين هذا وذاك مازلنا نحن- معشر الشباب والشيوخ- بل الأمة الإسلامية في شقاق وخلاف حول صحة أحد الفريقين، ولعل ما يسبب ذلك باختصار هو ما يسمى بسلطة المغايرة التي تعانيها اللغة العربية، والتي تشير إلى مرونة اللفظ العربي؛ مما يسمح للبعض بتأويله بأكثر من طريقة تثبت وجهة نظره، وعليه سنحاول في تلك النقطة الوقوف على مفهوم الجهاد لغة وشريعة، والتفرقة بينه وبين مفهوم الإرهاب لنصل في النهاية إلى المعنى الأدق لما يقوم به تنظيم الدولة من أفعال.

الجهاد لغة يأتي من الأصل "ج هـ د"، ولعل المعاني جمة لهذا الأصل من طاقة ومشقة وقتال... إلخ، ولكنها في المجمل تشير إلى بذل مجهود وطاقة، والشريعة الإسلامية باختلاف مذاهبها حنبلية وشافعية ومالكية وحنفية تشير إلى أن الجهاد إطلاق قتال للكفار، لكن مع اختلاف أنواع الجهاد قد يخلو البعض من قتال الكفار، وهذا ما سنستعرضه في الفقرات المقبلة، وعن أهداف الجهاد وفضل تشريعه فإنه كغيره من التشريعات الإلهية بغية وهدفاً، فيه مصلحة للناس، فيهدف الجهاد إلى رفع الظلم عن المظلومين، والدفاع عن الوطن والعرض والإسلام والأموال، ورد العدوان، كذلك يهدف الجهاد إلى هداية الناس إلى الحق.

مراتب الجهاد

يكاد يكون هناك إجماع على أن الجهاد أربع مراتب: النفس- الشيطان- الكفار- أهل البدع والمنكرات، نتناول كلا منها بشيء من التفصيل كما يلي:

المرتبة الأولى جهاد النفس:

يندرج تحته أربعة أنواع؛ أولها جهاد النفس على تعلم الهدى، ثم بعد ذلك يجاهدها على العمل بما تعلمه، ثم الجهاد على الدعوة لما تعلمه، ثم جهادها على تحمل مشاق الدعوة.

المرتبة الثانية جهاد الشيطان:

ويحمل في طياته نوعين:

جهاد دفع الشبهات والشكوك التي يقذفها الشيطان للعبد.

جهاد الشهوات.

المرتبة الرابعة جهاد البدع والمنكرات:

تلك المرتبة من الجهاد التي قال فيها نبي الإسلام (صلى الله عليه وسلم): "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ"، وقوله أيضا بـرواية مسلم "مَا مِنْ نَبِيٍّ بَعَثَهُ اللهُ فِي أُمَّةٍ قَبْلِي إِلَّا كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ، وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ، ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لَا يُؤْمَرُونَ، فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ". وهنا رتب نبي الله الجهاد باليد أولا، ثم اللسان، ثم آخر مرتبة بالقلب.

المرتبة الثالثة: جهاد الكفار والمنافقين:

بداية تأخيرنا الحديث عن المرتبة الثالثة لنهاية الحديث عن مراتب الجهاد ليس خطأ ترتيبياً، ولكن لأهميتها في حديثنا عن تنظيم الدولة وأفعاله. أمر الله جل جلاله نبيه (صلى الله عليه وسلم) بجهاد الكفار والمنافقين في قوله تعالى "يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِم"، ويندرج تحت تلك المرتبة نوعان من الجهاد:

جهاد الطلب

جهاد الطلب جهاد فرض كفاية، ويشار هنا إلى أن المسلمين لا يهدفون من قتالهم للكفار إجبارهم على دخول الدين بقدر فتح الأبواب للدعوة لدين الله، وقد جاءت آيات جمة في هذا الصدد منها قوله تعالى :") فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ".

جهاد الدفع

بعكس جهاد الطلب يأتي جهاد الدفع كفرض عين، ويشار هنا إلى قدوم الكافرين إلى ديار المسلمين أو أي جزء منها، وعليه توجب على المسلم المقاومة والخروج لمقاومتهم، وقد جاء فيها أمر مباشر من الله جل جلاله في قوله "وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ".

وللجهاد شروط سبعة وضعها الفقهاء تتلخص في الإسلام، والبلوغ، والعقل، والحرية، والذكورية، والسلامة من العاهات، والاستطاعة، وعند الحديث عن الشرط السابع فإننا بصدد الحديث عن قدرات المسلمين لخوض القتال والدخول في المعارك، فعليهم بالصبر وعدم خوض المعارك والقتال، وإلى جانب عدم الاستطاعة هناك موانع للجهاد أخرى وهي: وجود عقد ومعاهدة مع الكفار، وجود صلح ظاهري مع الكفار، أن تكون المصلحة في عدم القتال.

«تنظيم الدولة» والجهاد

لنبتعد شيئا ما عن نقطة الفرق بين الجهاد والإرهاب والتداخل بينهما عند البعض، وذلك لأن تلك النقطة كما أشرنا لا يمكن الفصل فيها، والآراء فيها كل منها على صواب بمختلف طريقة تفكير متناوليها ومعتقداتهم، ودعونا ننظر إلى أفعال تنظيم الدولة بحجة الجهاد بحججهم الشرعية وآرائهم الدينية.

أشرنا مسبقا إلى أن ما يربطنا بتنظيم الدولة بصورة مباشرة هو المرتبة الثالثة من مراتب الجهاد، وهو جهاد الكفار، وعليه فإن حديثنا هنا يكون في هذا الصدد. بداية الحديث عن نقطة كفر الدول الغربية والأنظمة العربية الموالية لها كما تدعي الجماعات الجهادية- جهادية تجاوزا- أمر عليه اختلاف بين المسلمين عامة وفقهاء، ولكن إن تجاوزنا عن ذلك وعملنا بمبدئهم بأن تلك الدول كافرة لا خلاف على ذلك فإننا نكون هنا أمام جهاد طلب وجهاد دفع.

 بداية تتداخل أفعال "داعش" ما بين جهاد طلب وجهاد دفع، ولكن الدفع مترتب على جهاد الطلب لديهم، فقد بدأ تنظيم الدولة في إعلان خلافته بداية، ثم جلب الدول المكفرة في وجهة نظره إليه، ومن ثم قدم فرض الكفاية على فرض العين، وعليه تأتي شروط الجهاد لتوضح لنا مدى شرعية تلك الأفعال، فلنتجاوز عن نقطة الإسلام والعقل ونبدأ بشرط البلوغ، فالعديد من المواد الإعلامية لـ"داعش" تنفي تلك النقطة والعمل بها في جهاد "داعش" من فيديوهات مرتبطة بالأطفال في مقتبل العمر قبل سن الخامسة عشرة، والشرط التالي المتمثل بالذكورية فقد رأينا العديد من المواد الإعلامية أيضا التي تظهر فيها سيدات في "داعش" يحملن السلاح، أما من ناحية شرط الاستطاعة فإننا بصدد الحديث هنا عن إمكانات "داعش" دون الخوض فيها، والخوض في القول بأن الفئة المؤمنة القليلة قد تغلب فئة كبيرة بإذن الله، إلا أن البيانات الإعلامية حول الحرب على تنظيم الدولة والإصدارات الإعلامية لهم، العاملة على تضخيم إمكاناتهم، تثبت بشيء من الدقة ضعف الإمكانات الداعشية، لكنها تظهر كقوة لتخاذل التحالف الدولي وظروف المنطقة، ومن ثم فإن شرط الاستطاعة يغيب شيئا ما عن تنظيم الدولة.

أما من ناحية موانع الجهاد التي سبق أن تحدثنا عنها فنقطة وجود صلح ظاهري مع الكفار يكون لها دور مهم في هذا الصدد، فكما تحدثنا في المقالة السابقة عن نقطة الخلافة في الشريعة الإسلامية، وموقف تنظيم الدولة منها، وتحدثنا حول موضوع الشورى، وتوصلنا إلى أن عدم أخذ تنظيم الدولة بها، ومن ثم غياب فكرة المشورة وأخذ رأي المسلمين في تمثيل وتولية "تنظيم الدولة" لإمامة المسلمين، يجعلها تخضع للأحكام المتعارف عليها في علاقات دول منبعها وبين الدول التي تحاربها، فيظل "داعش" مرتبطا بتلك التشريعات والبروتكولات مادام لم يتم تفويضه من المسلمين بالإمامة.

وختاما وبصورة عامة نرى عدم شرعية وخطأ تلقيب أفعال تنظيم الدولة بالجهاد مادام إلى الآن لم يأخذ التفويض من المسلمين في الإمامة، وإن سارع البعض بالرد علينا بالقول بتكفير هؤلاء الذين يرون عدم شرعية جهاد تلك الجماعات فسيجد الرد من داخل تنظيمه وانتمائه، فكما هو ظاهر وواضح اختلاف الجماعات الجهادية فيما بينهما حول إمامة وتمثيل "داعش" للإسلام والأمة الإسلامية، فإنه حتى لو تماشينا معكم وقصرنا الإسلام على الجماعات الجهادية فإن أفعال تنظيم الدولة ليست من الجهاد في شيء.

وللحديث بقية.

*كاتب وباحث سياسي مصري

back to top