أخيراً انتهيت منك

نشر في 07-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 07-03-2015 | 00:01
No Image Caption
29 يونيو 2009

وصلت هذه المدينة ولم أكن أفكر إلا بأشياء روتينية لشخص لم يحسب حساب الغربة جيدا.. كنت أظن أن الغربة يمكن أن أهزمها بالكتب والأغنيات، وكان كل ما يهمني أن أسكن بعيداً عن أي طريق رئيسي، جربت مرة السكن على طريق لا تهدأ فيه السيارات فلم أستطع النوم ولا الراحة، قالوا لي. بعد أسبوع فقط تعتاد الإزعاج ويصبح الأمر طبيعياً.. فغادرت السكن قبل أن أعتاد، مخيف أن أفسح في روحي مكانا للسيارات وصخب المدينة، هذا ظلم للطفل القروي داخلي، كيف يتخلى أبناء الريف بهذه البساطة عن مساحات الهدوء والطبيعة داخلهم ويملأونها بهدير المدينة وأضواءها وضوضائها.

أخيرا عثرت على سكن صغير مناسب في حي هادئ، يصعب على شخص مغترب في هذه المدينة أن يسكن في الأماكن الهادئة فأكثرها مخصصة للعائلات، الآن جاء دور الأسئلة الصغيرة. هل سيخفف انشغالي بالعمل عني ألم الغربة، أين أفضل مقهى هنا، وأين أفضل مكان يعد البيتزا، لا يبدو الأكل في اهتماماتي لكني أعتقد أن حضارة كل مدينة تعتمد على عدد المتاحف والمسارح والمقاهي ولذة البيتزا.

أتصل كل صباح بأمي وكل مساء بأبي، لا أدري هل أصبحت الغربة مع وسائل الاتصال أقل وحدة ووحشة أم أن وسائل الاتصال ساهمت في شعوري بالنكد من غربتي وقهري أكثر إذ أعرف كل شيء يدور هناك ولا أستطيع مشاركتهم. لهذا أنا لا أرى وسائل الاتصال نعمة ولا أحب السفر بالطائرة ليس خوفاً منها لكنه شعور قاتل أن أكون الصباح جالساً مع أمي وبعدها بساعات أكون في غرفتي بالغربة، السفر بالطائرة انتقال سريع لا تستوعبه المشاعر، أريد أن يكون السفر طويلاً لأشعر بالمسافة وأظل طول الطريق أعيد شريط ذكرياتي، أريد أن أشعر بالتعب من السفر، السفر الطويل تمهيد جيد لقلبي للاستعداد للغربة.

 2 يوليو 2009

أطل من نافذة سكني على الشارع المزدحم، أتسلى بتعداد السيارات المتشابهة، أصعب الأشياء أن تعيش في أرض لا يوجد بها مكان يحتفل بالمساء. مكان يقول لك الحياة جميلة، أفهم الفراغ لو كنت طول الوقت وحدي، لكن الشيء الأقسى هذا الفراغ داخلي رغم أني أتحدث طول اليوم مع كثيرين حولي، هم يقولون الأشياء تأتي حين نتوقف عن البحث عنها، وأنا توقفت عن البحث، لم تطرق بابي أمنية، ربما لأني لم أحدّد تماما ماذا كنت أريد.

قالوا أيضاً أن الأشياء تأتي حين نتوقف عن انتظارها، وأنا توقفت عن الانتظار فلم أستفد سوى أن الألوان تساوت في عيني واقتربت من الجمود.

كل مساء أودّ الخروج للعالم، لكن لا يد لي أمدّها لمصافحتهم، ولا صوت لي يلفت انتباههم، أعذرهم لو مرّوا بي دون أن يلتفتوا، وأعرف أن داخلي أجمل.. ووجدت من يشبهني لكني لا أملك شيئاً ظاهراً ليبتسموا لي، أستحق شيئا أعلى لكني لا أجيد التسلق... ربما أنا الذي تأخرتُ عنهم ليس لأني أهملت، لكن لأني وجدت نفسي مضطرا لدفع ثمن ماضٍ لم أعشه، وجدت نفسي داخل سجن لو خرجت منه اتهموني بالأنانية.

كل صباح أحاول أن أكون أفضل لكني تعبت من تجاوز أشواك الواقع لأقطف لهم وردة وأقنعهم أني بخير، أحفظ نظريات الأمل واليأس لكني أحفظ خطوط جدراني أكثر منها.

لا أحد مثلي يجيد هزيمة الروتين، أهزمه كل مرة برواية وسماعة وموسيقى لكن لا بد بين الوقت والآخر من مواجهة الواقع... والواقع أقوى مني، المشكلة أني أحتاج وقتا طويلا لأخبر قلبا عن احتياجي، والساعات التي لا تلتفت لي أبداً تقول لي أني لم أعد قادراً على ملء فراغ أحد. ولا أدري هل أعيش الحياة متفائلا أنتظر أو أن أطفئ كل أمنياتي.

حتى عدم انتظاري لشيء يعني أني أنتظر شيئا أكبر من توقعاتي، كيف أقنع الحياة أني بالفعل لا أريد منها سوى أن أعيش ولا أحد يريد مني شيئاً.

4 يوليو 2009

هذا الليل لن يفهمه الآن إلا كدر مسافر يقف على رصيف مواقف الأجرة في طريقه للعودة لمكان عمله الأسبوعي، الواقف على رصيف السفر بأطراف المدينة تكاد حقيبته أن تحمله، يشرب الشاي بكوبٍ ورقيّ... يسأل نفسه... لماذا لا توجد بين مدننا قطارات تريح أمه من خوفها عليه من الطريق، وتريحه من عناء البحث في الوجوه عن من يطمئن له، بهذا الليل. كل ما يهم المسافر أن يأتي مسافرون غيره لنفس المدينة ويكتمل العدد بسيارة الأجرة، وأن يكون السائق بحالة طبيعية فقط، يستريح بالوسط بينهم.. يتمتم الجميع بدعاء السفر. ويصمت هو لأنه يعلم أن دعوات أمه لن تتوقف حتى يصل، السفر برًّا وليلاً من مدينة جنوبية يشبه المغامرة كأنك تمثل فيلما.. الطرق مهجورة حتى كأن الطريق خاطئ لولا بعض اللوحات القديمة.

يعتقدون قسوة قلبي حين نمر في طريقنا ببعض الحوادث ولا أعلق على ما حدث ولا أهتم بما كان يجري، هم لا يعلمون أنه في أي موقف حزين أكثر الناس به صدقا شخص بينهم لا يبدو عليه أي تأثر، لأن أوجاع الحياة الماضية أفقدته الصوت والصراخ لأنه في كل موقف سيء يتذكر موقفاً أكثر مرارة.

يقطع المسافرون الطريق بالحديث بالدين والسياسة والرياضة. يتحدثون بشجاعة وينتقدون الأشياء السلبية بجرأة وقبل الوصول يتفقون على أن كل شيء بخير والحمد لله.

7 يوليو 2009

في هذه المدينة الغريبة أشعر دائماً بصعوبة التنفس، شيء ما يهوي مع الشهيق ولا يعود مع التنهيد، أشعر بالنقص في كل شيء، لا أرى الأشياء بوضوح. تسكن عيوني غيمة مثقلة بمطر لا يهطل أبداً، في الغربة كل رسالة أصبحت أقرأها بتركيز وبعمق حتى لو كانت عادية. إحساسي بالضعف يضخم معنى كل كلمة، وكل اتصال يأتيني من قريب يخيفني أكثر من أنه يفرحني، أخاف أنه اتصل لينقل لي خبرا سيئا، الغربة الأخرى تأتيني من القريبين مني. لا أحد منهم يملك القدرة على اكتشاف حزنك من محادثتك... لا أحد يعرف أنك لست بخير من صوتك، ربما استطعت في بعض مساءات الغربة أن أسهر وأستمتع بوقتي، لكني أبدا لم أستطع إزاحة الثقل الغامض بصدري.. لأني أحاول الحياة بكل ما أستطيع وقلبي مثقل بهموم الأمس... أنطلق أيّاماً بكل نشاط، وأعود للعزلة والمزاج الضيق أيّاماً أخرى، قلبي ممنوع من تخيّل المستقبل لأنه لم ستطع أن ينتهي من كل الماضي، للمشاعر عُمر محدّد.. استهلكته وأنا ما زلت بالبداية، كل صوتٍ قادمٍ لحياتي لن يجد في قلبي أيّ صدى.

8 يوليو 2009

لا أحد يعلم أي موقف يمكن أن يكون نقطة تحول بحياته... ربما كان موقفاً سريعاً لا يستطيع معه التصرف بطريقة مناسبة، وحينها سيبقى الندم يلازمه طول عمره، لأن الموقف حدث وانتهى ولن يعود من جديد.

منذ الصباح وداخلي شعور غريب لم أفهمه، كأنه يقول أن هناك شيء ما سيحدث، تغلبت على هذا الشعور بالتأنق والخروج، فكرت أن أقضي ساعتين بصالة الرياضة الوحيدة بالمدينة، تعلمت أن أفضل طريقة لهزيمة الهموم هي المحافظة على هواياتي ولا شيء كالرياضة ينفض أثقال أفكارنا، دون شعور وجدت نفسي واقفاً أمام مجمع تجاري لأول مرة أراه، لا بأس بجولة بسيطة أستكشف فيها ما بداخله ثم أواصل طريقي للصالة الرياضية، مع دخولي لفت نظري الزحام البسيط على منصة بوسط المجمع، اقتربت وسألت، أخبروني.. كلية الطب بالمنطقة تقيم برنامجا للكشف المبكر عن السكري لمن أراد من زوار المجمع، امممم أنا أشعر منذ زمن بكل أعراض السكري. لكني رغم فراغي لم أفكر يوما بالكشف، كانت مجموعة من طالبات الطب يجرين الكشف، لا أدري كيف كنت جريئا أو أي مزاج كنت فيه حين سألتهن هل بالأمر حقنة طبية؟ ضحك بعض الحاضرين وابتسمت بعض الطالبات... لا أدري لماذا حينها أنت من بينهن من التقت عيني بعينها، ولمعت نظراتنا قرأت بعينيك أنك مندهشة من طريقتي الجريئة بالحوار وربما بساطتي غير المعهودة في مجتمع يتعامل مع النساء الغريبات عنهم بطريقة معقدة، قالت لي إحداهن كلها وخزة بسيطة بإبهام يدك.. ابتسمت وقلت إذن أريد الكشف.

بادرت أنت وقلت لي انتظر قليلا حتى يحين دورك.

كنت كل الوقت أراقبك، كل دقيقة تمر تصطدم بها نظراتنا، عيناك الكحيلتان.. يداك الصافيتان.. وخطواتك الآسرة.. مددت يدي لك ولم أحس أبدا بألم وخزة الإبرة الصغيرة.. كانت عيني معلقة ببطاقة التعريف المثبتة بمعطفك الأبيض، قرأت اسمك المكتوب باللغة الانجليزية بصعوبة.

REEM-KHALED …………..

... آخر اسمك ينتمي لقبيلة تسكن الجنوب. فماذا جاء بك لهذه المدينة الساحلية..

قطعت أسئلتي العميقة إحداهن حين قالت: سليم ونسبة السكر بك ممتازة.. لم يعد يهمني حينها نتيجة الفحص، لم يعد يهمني سوى هل سأكون بخير لو تركت المكان ومضيت، كنت حينها أشعر أني تورطت بك وأني سأغادر المكان ناقصا رغم أني دخلته مكتملا، كنت أعرف أنها ليست جاذبية طبيعية بين رجل وأنثى كتلك التي تكون في رحلة قطار مثلا.. وتنتهي بمجرد نزولنا كل يمضي بحال سبيله، غادرت المكان وعدت للبيت وأنا أقول أنه تجاذب يمكن نسيانه، لكن كل شيء أصبح أقوى مني، قلبي المعلق وفكري السارح بك وحيرتي وندمي القاتل... حيرتي أني لا أعرف كيف أصل لك، وندمي أني لم أفعل شيئا للوصول لك.

أحب الأماكن التي أدخلها بالصدفة..

بعض الأماكن التي ندخلها بالخطأ..

نجد فيها الشخص الصحيح الذي كنا نبحث عنه..

9 يوليو 2009

كل شيء تغير منذ البارحة.. أشعر أن كل ما مضى من عمري فصل، وأن حياتي منذ لقاء عيني بعينيك ابتدأ بها فصل جديد، كيف يمكن لصدفة أن تفصل حياتي لنصفين هكذا...

الصّدفة تعني أشياء أكبر مما نتصوّر، تعني أنه كان بإمكاني أن أسير بالطريق الآخر ولا ألقاك، أو أني قررت النوم ولم أقرر الخروج ولم ألتقِ بك، الصّدفة تعني أنه كان بإمكانك تأجيل حضورك وكان محتملا أن يتأخر أحدنا لدقائق ثم لا نلتقي، كان بإمكاني الانشغال بهاتفي وأن لا ألتفت لأراك، وكان بإمكانك إكمال انشغالك بالحديث مع من ترافقك.. لكنه قدَرٌ أن تلتقي عيني بعينيك، لم أكن أحتاج وقتا لأعرف أن صدفة لقائي بك كنز ثمين يجب عليّ التمسك به، موجة كهربائية تموجت بصدري كأنها تخبرني أنك تعنين لي شيئا مهما، تنبهني أن أكون أكثر جرأة لأني أضعتُ مرة، فرصة تشبهها لكنها أبدا لن تشبهك، لا أستطيع عمل شيء، ولا أملك أي قرار على قلبي.. قلبي وقع في كمين جمالك... ولا زلتُ أنتظر منه أن ينسى لأعود كما كنت، بين أملي بلقائك ويأسي.. أتفاءل مرة وأشعر بالخيبة مرات، هذا التأرجح وعكة صحية أحتاج عمراً جديداً لأتعافى منها، لا أستطيع رواية ما حدث لأحد أبداً.. سأبدو كـمجنون يثير الضحك أكثر من الشفقة... أحمل قصتي معك لوحدي.. وهذا إرهاقٌ آخر يساوي وجع أني لا أستطيع الوصول إليك.

9 يوليو 2009

من بين كل الفرص الضائعة بحياتي هناك فرصة كلما تذكرتها، شعرت بمرارة كأني أضعتها الآن، كل شيء فقدته رجوتُ أن تعوّضني الأقدار عنه بالأجمل إلا أنت.. لا أريد عنك عوضاً قلبي وأعرفه لن يهدأ إلا بوجودك، لم أفقدك ولكني أبحث عنك، لا بد أن يعود بك شيء لا يفهمه قلبك لكن يفهمه تفاؤلي وتعبي، سأبذل كل جهودي للقائك من جديد.. وستقودك الأقدار دون تخطيط منك، لأن نبضي الحائر بعدك يستدعيك دون علمك يأتي بك في أجمل لحظة للمفاجأة، أول ما سيفاجئك ابتسامة انتصاري على يأسي من لقاءك، وأكثر ما سيدهشك. كيف تمسكت بالأشياء البسيطة بيننا وأخلصت لها دون علمك، أقطع قلقي لضياعك مني بمحاولة الهدوء والاستمتاع بالبحث عنك، رضيتُ بمتعة البحث عنك رغم وجعها على أن أستسلم وأعيش حياة هادئة مع غيرك.

back to top