سيرة الظاهر بيبرص الدمشقي في بيروت

نشر في 05-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 05-03-2015 | 00:01
اعتماداً على ثلاثة كراريس من حكواتيي دمشق الشام، قام فريق جورج بوهاس بتحقيق سيرة السلطان المملوكي بيبرص البندقداري المتوفي في 1277، وهو النص الشعبي الشهير بـ {سيرة الملك الظاهر بَيْبَرص}. إصدار السيرة جزء من «مشروع بيبرص»، وفيه تعاون كل من المعهد الفرنسي للشرق الأدنى ببيروت (دمشق حتّى عام 2011) والمعهد الوطني للأبحاث العلميّة في فرنسا.
يجمع الكتاب النصّ الأصليّ لإحدى المسرودات المحوريّة في الآداب الشعبيّة العربيّة هادفاً، عبر تقديمه الرواية الشاميّة لهذه السيرة الواسعة الانتشار، إلى إبراز الغنى اللغويّ والأدبيّ والتخييلي الذي ما فتئ يجتاز القرون إلى أن استقرّ في هذه الكراريس المخطوطة. في هذا الإطار، تُعقد في مقهى {ة مربوطة} بالحمرا في بيروت مساء اليوم محاضرة حول سيرة الملك الظاهر بَيْبَرص حسب الرواية الشاميّة، تليها قراءة لأحد فصول سيرة الملك.
صدر منذ عام 2000 أحد عشر جزءاً من سيرة السلطان المملوكي بيبرص البندقداري في منشورات المعهد الفرنسي للشرق الأدنى، أسهم في تحقيقها، إلى جوار جورج بوهاس، كلّ من كاتيا زخريّا من الجزء الأوّل إلى السابع، وسلام دياب في الجزأين الثامن والتاسع.

حقّق الجزء الثاني عشر كل من جورج بوهاس وإياس محسن حسن، وفيه يتابع الملك الظاهر حروبه ضد الإفرنج والعجم، ويحتوي على مجموعة حكايات ذات بعد عجائبيّ يستمرّ فيها نجم سلطان الحصون، جمال الدين شيحة، بالصعود ليصبح بشكل من الأشكال بطل السيرة الفعليّ.

افتُتِح الجزء الثاني عشر بنصّ قصير أهداه المحقّقان إلى ذكرى الحكواتي الدمشقي رشيد الحلاّق المعروف بـ {أبو شادي} والذي توفّي في سبتمبر 2014. وكان أبو شادي قد تعاون لسنوات مع {مشروع بيبرص} مُسْهِماً في إيضاح جوانب من العمق الشفهي لهذا النصّ برواياته المختلفة.

سافر المخطوط منذ عام 2000 كثيراً بين دمشق وليون وباريس وتولوز وبيروت. دخل دهاليز بيروقراطية، عبر في بيوت ومكاتب ومكتبات وأجهزة كمبيوتر وهواتف وجداول ميزانيّات وقاعات اجتماعات ومقابلات توظيف. شكَّل صداقات عابرة وآخرى راسخة، فتح أبواباً على حروب ضروس وألقى عداوات كار أليمة. نصّ مغوٍ لكن لئيم، محبّب لكن مشاكس، سهل القراءة لكن شديد التعقيد في تركيبه. تشعر أن شخصيّاته أليفة، أنهم أصدقاؤك، فيصدمونك فترتعد أوصالك؛ تظّن أنك أمسكت به، فيفاجئك بعبارة لم تسمع بها جدّتك، تتركه متعباً فتراه يضحك وتفهم أنك أمام شيخ مجرّب، وأنك محقِّق صغير، من بين آلاف الفضوليين الذين مرّوا على لحيته.

مخطوطات

مخطوطات سيرة الملك الظاهر كثيرة، يعود أقدمها إلى القرن السادس عشر الميلادي (محفوظة في مكتبة الفاتيكان). ومعظم هذه المخطوطات محفوظ في مكتبات أوروبيّة مختلفة. وقد طُبعت الرواية المصرية للسيرة باللغة العربية بعد تنقيحها في الربع الأوّل من القرن العشرين وأعيد طبعها. أما النسخة العربية الشائعة والمتداولة لدى باعة الكتب في شوارع دمشق أو القاهرة، فهي تلخيص مفصّل للسيرة ليس إلا. يُشار إلى أن قسماً من مخطوطة حلبيّة للسيرة قد ترجم إلى اللغة الفرنسيّة (ترجمه وعلّق عليه جورج بوهاس وجان باتريك غيّوم، صدرت عن آكت سود، باريس).

تمّ نسخ المخطوط الأصلي للرواية الدمشقيّة بداية عام 1949 على يدّ محمد أديب المكّاوي. وهو مخطوط حصل عليه المعهد في منتصف التسعينيات، وكان حجر الأساس للمشروع، قبل إقفال المعهد الفرنسي للشرق الأوسط في دمشق أبوابه، وقبل الحصول على نسختين أخريين مصوّرتين رقميّاً، هما نسخة كانت محفوظة في مقهى الحجاز بدمشق، ونسخة حكواتي آخر (أبو حاتم) توفّي 2009 ولم تتسنّ معرفة الكثير عنه وعن حياته، خارج عمله كحكواتي. يطابق المخطوطان النسخة الأولى (مع اختلافات طفيفة زيادة أو نقصاناً)، ما يوحي باستقرار نسبي في نصّ السيرة الدمشقيّة قبل دخولها عالم المطبوعات، ورغم حضور قوي للعناصر الشفاهيّة في تناقلها، والأهم في عملية قصّها.

تقع المخطوطات في كراريس بأحجام متقاربة. وقد جرت العادة، منذ انطلاق المشروع عام 2000، على نشر عشرة كراريس في كلّ جزء، فتفاوتت أحجام الأجزاء بين 300 و400 صفحة مطبوعة لكلّ جزء.

أشرف على المشروع منذ بدايته جورج بوهاس، الأستاذ في المدرسة العليا للمتميّزين في ليون. وقد أسهم معه كلّ من كاتيا زخريّا (جامعة ليون الثانية) في الأجزاء من 1 إلى 7، وسلام دياب، في الأجزاء 8 و9 (أستاذة مساعدة في جامعة باريس الثامنة).

صدر الجزء الثاني عشر أخيراً، حقّقه وعلّق عليه بوهاس وإياس محسن حسن (باحث في المعهد الفرنسي للشرق الأدنى). وهو جزء أهداه المحقّقان إلى ذكرى رشيد الحلاق الشهير بـ «أبو شادي»، حكواتي مقهى النوفرة ذي الذاكرة/الكنز، الذي غادرنا في سبتمبر 2014.

انطلق العمل في تحقيق الجزء الثالث عشر منذ أسابيع قليلة. ويُتوقّع بالنظر إلى حجم الكراريس المتبقّية أن يكتمل العمل في عشرين جزءاً.

back to top