فايق حميصي: العرب يدركون أهمية الفنون في توحيد الهوية الفكرية

نشر في 02-03-2015 | 00:01
آخر تحديث 02-03-2015 | 00:01
المسرح ملعبه منذ طفولته والإيماء وسيلة تعبيره التي يحمّلها الكثير من ثورته الداخلية على الواقع، سواء في ما يتعلق بالمواطن العادي أو بأوضاع الممثل... وتجربته الفنية غنية بأعمال متنوعة، مع الرحابنة وماجدة الرومي، إلى جانب مسلسلات تلفزيونية، برهن فيها على قدراته كممثل ومغنٍ وراقص على السواء.

لم يتوقف المخرج فايق حميصي عند هذا الحد، بل وسّع طموحه ليشمل تربية الأجيال الجديدة على حبّ المسرح، لتأمين استمرار الفنون وإحداث تغيير في النظرة إلى معالم الثقافة المختلفة... من هنا كان تركيزه على تأسيس «المسرح المدرسي» وإدخاله ضمن المناهج التربوية سواء في لبنان أو في العالم العربي، وهو عضو في أكثر من مؤسسة عربية تعنى بالمسرح.

حول مجمل مسيرته الفنية ومشاركته أخيراً في لجنة متابعة مشروع تطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي التابع لـ «هيئة المسرح العربي»، وفي «مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي»، كان الحوار التالي معه:

لأنك رائد المسرح الإيمائي في لبنان، ما هو واقعه اليوم؟

بعد نحو نصف قرن من بداية المسرح الإيمائي الاحترافي في لبنان، أصبح فن الإيماء مدرجاً في مناهج إعداد الممثل في معاهد الفنون كمادة إلزامية، وله وظيفة عضوية في الاحتفالات الشعبية والاجتماعية في لبنان، فلا يخلو أي تجمع شعبي احتفالي من إيمائي أو أكثر يشاركون في إحياء الاحتفال، أكان في لبنان أم في دول الخليج، خصوصاً حين يتعلق الأمر بافتتاح مراكز تجارية... كذلك يعمد من يملك قدرة على الإنتاج من الطلاب الموهوبين إلى تقديم عروض إيمائية للصغار أو للكبار... عدد الذين يتقنون فن الإيماء في لبنان كبير نسبة لعدد السكان وهذا أمر لافت.

كيف كانت بداياتك مع المسرح الإيمائي ولماذات اخترته؟

بالكاد أعرف الإجابة على هذا السؤال. بداية أغرمت، منذ الصغر، بكل ما هو استعراضي وسينمائي. ثم في كشافة الجراح التي انتسبت إليها شاهدت عن قرب، فنانين يقدمون حفلات، وأقصد ما بات يعرف في ما بعد بفرقة أبو سليم، كذلك كانت تجذبني السينما الصامتة أكثر من السينما الناطقة، وربما وجدت في وسيلة التعبير الصامت مجالاً لتلبية ميلي للتعبير بالحركة، فصرت أشارك في حفلات الكشافة مقدماً مشاهد صامتة هزلية، أطلقت عليها تسمية «النكتة الخرساء»، إلى أن جاء من شرح لي أهمية هذا النوع من الفن، وأبلغني باسمه العالمي «فن الإيماء». ثم شجعني أساتذتي على التخصص في التمثيل أو أي شيء له علاقة بالفنون وهذا ما حدث.

مثلت مسرحيات إيمائية عدة في لبنان في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي ثم توقفت لماذا؟

كثيراً ما أسمع هذا الكلام وهو غير صحيح. لتحضير العرض الإيمائي نحتاج وقتاً لا يقل عن ثلاث سنوات، إذا كرسنا له كامل الوقت وهذا مستحيل. في التسعينيات شغلتني العروض الإيمائية التلفزيونية، فسجلت نحو 120 مشهداً إيمائياً لأربع محطات تلفزيون، ولك أن تحسبي كم أخذ من الوقت تحضيرها وتصويرها، وتخللها عرض إيمائي مسرحي واحد « إيماء 25» سنة 1997، بعدها أشرفت وأخرجت عروضاً إيمائية عدة، لم أشارك في تمثيلها، حتى عدت في 2010 إلى العروض الإيمائية، فشاركت مع السيدة ماجدة الرومي في عرض «للحب سلام» في قاعة «البيال» في بيروت، وفي مهرجانات جونية السياحية، وعلى مسرحي بيروت ومونو قدمت بين 2010 و2011 عرض «كل هذا الإيماء».

أما الفترات التي لم أقدم فيها إيماء فخصصتها لشغفي الثاني وهو المسرح التربوي، فعملت على تحضير منهج لبناني، بالاشتراك مع زملاء، لاستخدام المسرح في المنهج التربوي . وأعتقد أن هذا يوازي أهمية المسرح الإيمائي، لأنه يعطي للمسرح وظيفة في المجتمع عبر اعتماده كأداة تربوية ليس كوسيلة إيضاح.

كونك مخرجاً مسرحياً، هل سهل ذلك عليك التعامل مع الخشبة في عروضك الإيمائية؟

أنا من الجيل الذي درس المسرح كمادة شاملة، بمعنى أني درست الفنون الدرامية كافة بما فيها الإخراج والكتابة وليس التمثيل فحسب. وقد استفدت من كل ذلك في استحداث أسلوب جديد في العرض المسرحي الإيمائي.

إلى أي مدى تأثرت بالمسرح الإيمائي الفرنسي كونك تخصصت في فرنسا، وهل ساعدك على رسم هويتك في هذا النوع من المسرح؟

 

أول ما اتجهت إليه عند الدراسة وبعدها هو التخلص بسرعة مما لا يتفق والبيئة التي خرجت منها، وكان واضحاً لي وجوب إيجاد سمات خاصة بالمسرح ككل وبالإيماء بشكل خاص... سمات تشبه فنوننا، وقد توصلت إلى ذلك، مستعيناً بخزانات الرقص الشعبي عندنا والحافلة بالإيماءات، وبتميز الفنون العربية الصامتة المعتمدة على الأشكال، كالهندسة المعمارية والفنون الزخرفية والموسيقى وفن العروض والأوزان في الشعر العربي، لأبتكر شكلاً جديداً بسمات خاصة لبنانية عربية للعرض.

إلام تعزو انكفاء المسرح الإيمائي في لبنان والدول العربية، صعوبته أم عدم اعتياد الجمهور عليه؟

إذا أخذنا بمنطلق هذا السؤال، وهو ندرة الفنانين الإيمائيين، يمكننا القول إن المسرح الإيمائي منكفئ في العالم. الإيماء فن يعتمد على وجود موهبة خاصة واستعداد للتعلم وقبول بشروط عيش خاصة قاسية، في بعض الأحيان، للحفاظ على الرشاقة البدنية، كونه فن يعتمد على التعبير بحركات الجسد، وعلينا أن نضيف إلى ذلك فرص إيجاد عمل. فندرة العاملين في الإيماء تعود حتماً لعدم توافر، على غرار فن غناء الأوبرا أو فن غناء الطرب، بسهولة من يهواه ويتقنه بالتعلم والتدرب.

ما هو مستقبل الفن الإيمائي في لبنان؟

لا يوجد مستقبل خاص بالإيماء في لبنان أو في العالم العربي أو في الكرة الأرضية... ثمة مستقبل واحد لفنون العرض، وأعتقد أن الناس لن يتوقفوا عن حب التجمع والاحتفال، لذلك تستمر الحاجة لعروض يتجمع الناس من أجلها... أما إذا كنا من النوع الذي يقول إن التكنولوجيا الرقمية ستفترس باقي الفنون، عندها نكون ساذجين لأن فنون التكنولوجيا الرقمية تحتاج إلى فنون العرض، وثمة تداخل عضوي في ما بينها، فنحن نلمس، هذه الفترة، ما ينتج عن هذا التداخل من أشكال عروض جديدة، ونلاحظ تمازج الفنون البشرية فيها مع فنون التكنولوجيا. بالمناسبة الإيماء أحد أهم الفنون التي يرتكز عليها مبتكرو برامج الكمبيوتر التي تتفاعل مع المشاهد بالحركة.

شاركت في مسرحيات لبنانية من بينها «الربيع السابع» للأخوين رحباني، «صيف 840» مع منصور الرحباني، و{بالنسبة لبكرا شو» لزياد الرحباني. ما هي ذكرياتك مع الرحابنة؟ ولماذا غبت في السنوات الأخيرة؟

هي ذكريات يلزمها مجلد ضخم... كان من حظي أني عملت مع زياد الرحباني والأخوين رحباني ثم منصور وولديه مروان وغدي لفترة امتدت من 1980 حتى 1992 في مسرحيات وبرامج تلفزيونية، وقد أتاح لي العمل في المسرح الغنائي معهم تقديم نفسي كممثل وراقص وإيمائي ومغن. ونشأت بيننا علاقة شخصية قوية خاصة أعتز بها. أما الذكريات الحميمة الجميلة فلا مجال لتعدادها الآن. وقد انتهت هذه العلاقة المهنية بعد مسرحية «صيف 840 « وبقينا أصدقاء من دون العمل معاً لأسباب لم أعرفها، فمنصور ثم أولاده توقفوا عن عرض الأعمال علي.

شاركت في مسلسل «ربيع الحب» في التسعينيات وغبت 12 سنة ثم عدت بإطلالات قليلة توزعت بين التمثيل وإعداد البرامج، لماذا هذا الجفاء بينك وبين التلفزيون؟

شاركت كممثل رئيس في أربع مسلسلات تلفزيونية، بين 1987 و1994 ثم توقفت لعدم موافقتي على ظروف الإنتاج التي تبدّلت لغير صالح الممثل، الذي صار مطلوباً منه تأمين ملابسه ووسائل تنقله والعمل خمسة أيام لتصوير حلقة واحدة، بينما كانت الحلقة تعني يوم عمل واحد، فرفعت بدلي أضعافاً، ثم أعلنت قبولي التمثيل بدون بدل تعبيراً عن دعم الإنتاج، ولكني عدت وتعاملت مع المنتج طانيوس أبي حاتم والمخرجة ليليان البستاني اللذين يتمتعان بلياقة في التعامل المهني مع الممثل. أسمع بأن الظروف الآن قد تحسنت عند البعض وساءت عند آخرين... على أمل أن يعاد الاحترام للمهنة.

كيف تقيّم الدراما اللبنانية اليوم؟ وماذا عن مشاركتك فيها؟

لا يسمح وقتي بمتابعة التلفزيون حالياً. أحياناً أشاهد أجزاء وأعجب أو أتحسر... لكني أتابع الإنتاجات السينمائية وأفتخر بما يصنعه سينمائيونا بالإجمال.

أنت استاذ جامعي، ماذا يكسبك تعاطيك مع الأجيال الجديدة، وما هو مفهوم هؤلاء للمسرح، في عصر مواقع التواصل الاجتماعي والثورة التكنولوجية؟

أحياناً أستفيد من هذا التعاطي بدرجة أكبر من استفادة الطلاب... الجامعة ليست مدرسة بمعنى أنها تجمع راغب في المعرفة هو طالب وصاحب خبرة هو الأستاذ. ويقوم التدريس على بحث يجريه الطالب بتوجيه الأستاذ، فهو إذن تلاقح ما بين أفكار الأستاذ وتساؤل الطالب، لهذا يتطور الاثنان معاً. حتى تدريس التقنيات يعتمد على استكشاف الطالب لآليات العمل التقني ثم تعلم إتقانه، وأنا أحترم من يخالفني الرأي من الطلاب ولا أطالبه إلا بإثبات ما يرتأيه عملياً. فالمسرح، رغم كونه فناً، إلا أنه مادة علمية تخضع لمعادلات علمية في الشكل والمضمون، وما على الطالب الذي يرغب بالتفرد إلا استيلاد معادلات وقوانين جديدة تضمن ديمومة صمود ما توصل إليه من طرق في التعبير، أكان ذلك باستخدام التكنولوجيا الرقمية أو المنطق الميكانيكي أو المهارات الحرفية.

المسرح العربي

شاركت في الفترة الأخيرة بتظاهرتين مسرحيتين عربيتين: لجنة متابعة مشروع تطوير المسرح المدرسي في الوطن العربي التابع لـ «هيئة المسرح العربي»، وفي «مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي»، كيف تقيّمهما، وإلى أي مدى يهتم المواطن العربي بالمسرح؟

في العالم العربي، خصوصاً في دول الخليج، اهتمام ملحوظ بالفنون والثقافة لما تلَّمس المسؤولون من قدرة لهذه الفنون على توحيد الهوية الفكرية للأفراد. ويأتي هذا طبعاً لصالح بناء المواطن الصالح والمجتمع المؤمن بالمواطنية الحقة. خلال الحرب العالمية الثانية طلب وزير المالية الإنكليزي تخفيض موازنة الثقافة لصالح المجهود الحربي، فقال له تشرشل «عن ماذا سندافع ولماذا سنحارب إذا لم يكن عندنا ثقافة مزدهرة». وباعتقادي أن هذا المفهوم لأهمية الثقافة يقف وراء اهتمام دول الخليج بالثقافة.

«الهيئة العربية للمسرح»،التي يرأسها سمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة،هي إحدى المؤسسات التي تعمل في النطاق الثقافي والفني في دولة الإمارات العربية المتحدة . ويتعدى اهتمام هذه الهيئة ، كما تدل عليه تسميتها، الاهتمام بالفنون والنشاطات الوطنية إلى الاهتمام بالمحيط العربي ونتاجه المسرحي، لذلك، وبكل ما يتوجب عليها من جهد بشري ومن مساهمة مالية، تنظم الهيئة لقاء مسرحياً عربياً كل عام في بلد عربي. تتلاقى الوفود فيه فتتبادل الخبرات والأفكار وتتنافس للفوز بجائزة الشيخ سلطان بن محمد القاسمي المخصصة لأفضل عمل. وبالمناسبة مهرجان المسرح العربي سيعقد العام المقبل في دولة الكويت.

فكرة المسرح المدرسي طرحها سمو الشيخ القاسمي من ضمن استراتيجية النهوض بالمسرح العربي، وهو يتبناها ويطّلع أو يشارك في الفعاليات الباحثة في إيجاد صيغة عمل لدعم إدخال المسرح المدرسي كنشاط منهجي في المدرسة. ولذلك تشكلت لجنة من الخبراء، أنا من بينهم، لوضع المفاهيم التربوية والأهداف والأنشطة وطرق العمل، وقريباً نفرغ من تحديد ذلك وفق الخطة التي وضعت.

برأيك هل ثمة مسرح عربي وبالتالي أين موقع لبنان من الحركة المسرحية العربية؟

ثمة مسرح في البلاد العربية، ويسعى بعض المسرحيين العرب إلى التوصل إلى مسرح عربي، بمعنى حمله لسمات خاصة في الشكل والمضمون.أما في لبنان، ورغم الأوضاع غير المستقرة ثمة من يسعى للحفاظ على موقع لبنان الذي كان متقدماً ضمن المجموعة العربية.

back to top