ما قل ودل: دافوس والعولمة والفساد الحليف الاستراتيجي

نشر في 01-03-2015
آخر تحديث 01-03-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام عرف عن الاستعمار القديم أنه كان يبحث دائماً عن حلفاء له على الأرض التي يحتلها، لضمان بقائه ودعمه في مواجهة حركات التحرر، ولكن الاستعمار، في شكله الجديد تحت عباءة العولمة، وجد ضالته في حليف جديد هو الرأسمالية الوطنية، بالرغم من التناقض الظاهري بينهما، من خلال المنافسة على نهب ثروات الدول النامية.

دافوس

تستقبل دافوس كل عام أباطرة العولمة من الدول المتحكمة في إدارة اقتصادات دول الكرة الأرضية، والتي تحاول في هذه المدينة السويسرية، إدارة الأزمات التي تواجهها، سواء في المنافسة الشرسة بينها أو في الحصول على أكبر نصيب من ثروات الدول النامية، والديمومة لسياسة العولمة التي هبطت على الدول النامية لتمتص ثرواتها، حيث يقول تقرير أوكسفام لهذا العام، إنه في سنة 2010 وحدها انتقل من الدول الفقيرة أو النامية إلى الدول الغنية نحو تريليوني دولار، مقسمَين كما يلي:

- 900 مليار دولار من خلال تسعير السلع التي تبيعها الشركات المتعددة الجنسيات، والتي تحميها قوانين تشجيع الاستثمار الأجنبي الصادرة في 167 دولة نامية.

- 500 مليار دولار عن طريق عولمة التجارة الحرة المتحيزة إلى الدول الغنية.

- 600 مليار دولار تدفعها الدول الفقيرة لخدمة ديونها للدول الغنية.

وتعتبر سياسة العولمة الجديدة أحد مرتكزات الاستعمار الجديد، تحت عباءة العولمة، حيث لم يعد ثمة مكان للاستعمار القديم الذي يقوم على احتلال الأراضي لنهب ثروات الشعوب، بعد حركات التحرير التي نجحت في نصف القرن الماضي في طرد الاستعمار من بلادها، فضلاً عن كلفته على الدول الاستعمارية.

الحليف الاستراتيجي للعولمة  

وقد عرف عن الاستعمار القديم أنه كان يبحث دائماً عن حلفاء له على الأرض التي يحتلها، لضمان بقائه ودعمه في مواجهة حركات التحرر.

ولكن الاستعمار، في شكله الجديد تحت عباءة العولمة، وجد ضالته في حليف جديد هو الرأسمالية الوطنية، بالرغم من التناقض الظاهري بينهما، من خلال المنافسة على نهب ثروات الدول النامية، ذلك أن حكومات هذه الدول لم تكن تستطيع منح التسهيلات للاستثمار الأجنبي أو التجارة الحرة، دون أن تمنح تسهيلات موازية أو أفضل منها للرأسمالية الوطنية، بل بالغت هذه الحكومات في القوانين التي تحمي الاستثمار الأجنبي والوطني، تحت ضغط حكومات وأباطرة العولمة من ناحية ونفوذ الرأسمالية الوطنية التي تسللت إلى دوائر اتخاذ القرار من ناحية أخرى.

تزاوج المال والسلطة  

 ومن هنا نشأ تزاوج المال والسلطة، وهو التزاوج الذي كان أحد الأسباب الرئيسة لثورات الربيع العربي، حيث ازداد الأغنياء غنى والفقراء فقراً، وأصبح أباطرة الرأسمالية الوطنية الذين يمثلون أقل من نصف في المئة من السكان يملكون أكثر من نصف ثروات وموارد الشعب كله.

حيث غاب عن دول الربيع  العربي دورها في إقامة التوازن، ولو في حده الأدنى بين طبقات المجتمع، بالقوانين التي تضمن حداً أدنى للدخل، أو تضمن لقمة العيش للمواطن، ولم يعد تحقيق العدالة الاجتماعية أحد مرتكزات فلسفة التشريع، وهو ما كان يتبجح به واضعو السياسات في مصر، وقد تابعت على إحدى الفضائيات، الدكتور عبدالمنعم السعيد، العضو في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك، عندما سألته المذيعة عن موقف الحزب والنظام من الطبقات محدودة الدخل، فأجابها بغير حياء: "الاستثمار، ثم الاستثمار، ثم الاستثمار"، معلناً بذلك ترك الحبل على غاربه للمستثمرين دون تدخل من الدولة، لحماية الطبقة ذات الدخل المحدود.

منظومة الفساد

وفي عالم تزاوج المال والسلطة، يجرى ارتكاب الجرائم المختلفة تحت سمع السلطة وبصرها وفي حمايتها، ومن بينها الجرائم التي ترتكب بحق المال العام، وبحق المستهلك، وجرائم الاحتكار وغيرها، بل وصل الأمر إلى جرائم القتل العمد.

فقد كان أحمد عز الرجل القوي، وأمين عام لجنة السياسات في الحزب الوطني الحاكم في مصر قبل الثورة، أحد أباطرة الرأسمالية الوطنية، واستطاع بنفوذه القوي أن يستولي على شركة الحديد والصلب بالدخيلة، وأن يفرض السعر الذي يحدده، حتى ارتفع سعر الحديد إلى أرقام خيالية، واستطاع في جلسة مجلس الشعب التي أقرت فيها عقوبات مالية على الاحتكار وبعد التصويت على هذه العقوبات عندما كان خارج القاعة، أن يعيد التصويت مرة أخرى لتخفيض هذه العقوبات.

وعندما أراد عز أن يفرض هذه الأسعار على المؤسسة العسكرية، في مشروعاتها المتعددة من طرق وجسور ومبانٍ سكنية، رافضاً النزول عن هذه الأسعار، طلبه المشير حسين طنطاوي وزير الدفاع وقتئذ، وهدده بأنه سيستورد ما تحتاجه المؤسسة العسكرية من حديد من الخارج، وفقاً للأسعار العالمية التي لم تكن تجاوز نصف سعر حديد عز، وأنه سوف يستورده للسوق المحلي كله، فانصاع عز على الفور لطلبات المؤسسة العسكرية.

وقد حاول هشام طلعت أحد أباطرة الرأسمالية الوطنية أن يحذو حذو المشير طنطاوي، فلم يفلح تهديده لعز، فاستورد الحديد من الخارج، فنشأ الصراع بينهما، والذي انتهى بوقوف هشام طلعت خلف القضبان متهماً بالتحريض على قتل سوزان تميم، في أحد فنادق دبي بالإمارات، والحكم عليه بالإعدام شنقاً، ثم نقض الحكم، لتقضي دائرة أخرى بمحكمة جنايات مصر بسجنه مشدداً لمدة خمسة عشر عاماً، وما كشفت عنه هذه المحاكمة، من البذخ الذي كان يعيش فيه هذا الإمبراطور، الذي كان عضواً في البرلمان هو وشقيق له، وعضواً في لجنة السياسات بالحزب الوطني الحاكم.

وكان هشام طلعت خارج مصر، عندما طالبت دولة الإمارات بتسليمه لمحاكمته، إلا أنه عاد إلى مصر ليحاكم أمام محاكمها، بالرغم من أن قانون العقوبات الاتحادي الإماراتي ينص في المادة 332 على أن تكون العقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة إذا عفا أولياء الدم عن حقهم في القصاص في أي مرحلة من مراحل الدعوى، وقد تنازل والد سوزان تميم عن حقه في القصاص ضد هشام طلعت مقابل 750 مليون دولار.

وهو نص لا مقابل له في قانون العقوبات المصري، فقد كان هشام طلعت يعتقد أنه سينجو من جريمته بحكم ما له من نفوذ في مصر، وأن حصانته البرلمانية وعضويته في لجنة السياسات كفيلة بأن تحقق له ذلك، ولكن الرجل القوي في النظام (أحمد عز)، كان خلف من نصحوه بالعودة إلى مصر، ليحاكم أمام محاكمها، ليفوز عليه بالضربة القاضية، وليكون عبرة لمن تسول له نفسه تحدي أحمد عز.

وللحديث بقية عن منظومة الفساد في مصر التي لا يستبعد أن تكون أحد مصادر تمويل الإرهاب مع التنظيم الدولي للإخوان وتحالف العولمة.

back to top