Of Human Bondage (1)

نشر في 24-02-2015
آخر تحديث 24-02-2015 | 00:01
 د. نجمة إدريس أوائل سبتمبر الماضي كنتُ أقضي ما تبقى من الصيف في لندن، وتلقائياً وجدتُ نفسي أنطلق الى أقرب مكتبة تجارية في الحيّ لأسأل عن رواية كنتُ قد قرأتها منذ ما يزيد على خمسة وعشرين عاماً، يوم كنتُ طالبة علم في إحدى جامعات مدينة الغمام. ويبدو أنه رغم مرور هذه السنوات الطوال فإن أشباح رواية "Of Human Bondage" لسومرست موم (1874 – 1965) لاتزال تسكنني وتلحّ عليّ!

حين قلبت صفحة الغلاف للنسخة الجديدة اكتشفت أن طبعتها الأولى تعود الى عام 1915، أي أن الرواية بقيتْ متداولة ومقروءة عبر مئة عام وعبر طبعات لا تنفد ولا تنتهي، رغم طولها المفرط الذي يقع في سبعمئة صفحة بالتمام والكمال، الأمر الذي يتطلب قارئاً صبوراً ومثابراً. ولكن ويا للعجب سرعان ما تتحول مسألة الصبر والمثابرة إلى لون من الشغف والانخطاف يأخذان بقلب القارئ وهو يتابع رحلة حياة "فيليب كيري" ومجاهداته ضد الهشاشة والعاهة والضعف الإنساني، ومكابدات روحه القلقة المستفزّة إزاء أسئلة الوجود والحب وخرائط الأقدار وألغاز الحياة بمباهجها ومراراتها.

وقد راجعتُ نفسي طويلاً في تزويد هذا المقال بترجمة لائقة لعنوان الرواية، بل انني استشرتُ أكثر من صديقة متخصصة بالأدب الإنكليزي للتوصل إلى ترجمة مُرضية، ولكنني في النهاية فضلتُ الإبقاء على العنوان بلغته الأصلية. ذلك أن الترجمة التي ستدور حول معاني القيد وعبودية الإنسان والارتهان لأسْر الضعف البشري لن تفي مجتمعة بالغرض حسب تصوري، ولن تعكس ما يقترحه من ظلال نفسية وفلسفية.

ولم يكن "فيليب كيري" بطل الرواية سوى "سومرست موم" ذاته، وهو يسطر سيرة حياته المموهة بشيء من الخيال الروائي كما يقول في تقديمه للرواية/ السيرة. ولم يقف التقديم المهم عند هذه المعلومة، وإنما ترك لنا شذرات ثمينة حول ظروف كتابتها وحول ما ينتاب المؤلف عادة من مشاعر ملتبسة حول مؤلفه وموقفه منه. فهو في البدء يعتذر للقارئ عن طول الرواية وعن تقديمه لها مما يزيدها طولاً! ولكنه يستدرك هذا الاعتذار بضرورة الإفصاح عن عدم رضاه التام عما يكتب، وبممارسته الدائمة للنقد الذاتي الشرس ضد نفسه، على عكس ما قد يسمعه من تعاطف وتقدير من النقاد. ثم يمضي في القول انه كتب الرواية/ السيرة في نسختها الأولى التجريبية حين كان في الثالثة والعشرين من العمر، ثم تركها للنسيان. وبعد أن سارت به الحياة الأدبية وسنواتها حثيثاً نحو الكتابة المسرحية والصيت الأدبي، وجد نفسه فجأة مسكوناً بوطأة ذكرياته الماضية.

لقد ظلت تلحّ عليه تلك الذكريات في نومه ويقظته، وأنى ولى وجه في أي نشاط من مناشط الحياة، حتى غدت عبئاً لا يُطاق. ولهذا فان الكتابة عنها ستكون الوسيلة الوحيدة للتحرر من عبئها وأوجاعها. وهكذا انقطع "سومرست موم" لهذه المهمة وأجّل كل عقوده الدرامية ومشاريعه الكتابية الأخرى من أجل التفرغ لكتابة ستستغرق جهداً ووقتاً، بل ومزاجاً آخر.

يقول "موم" انه إزاء هذه السيرة /الرواية كان عليه أن يتخلى عن ما اعتاده من أسلوب لا يخلو من البلاغة والزخرف اللغوي في أعماله الدرامية، وأن يلجأ بدلاً من ذلك إلى البساطة والمباشرة واللغة القريبة المألوفة. لقد استغرق العمل أو بالأحرى إعادة كتابته عامين كاملين، ولم يكن المؤلف حينها يافعاً طرياً، بل كان في السابعة والثلاثين من عمره حين أتم مؤلفه الذي اقتبس عنوانه – كما يقول– من إحدى مصطلحات سبينوزا الفلسفية.

يختم "موم" مقدمته بالقول: ان "مؤلفه "ليس بسيرة حياتية (autobiography) وإنما سيرة روائية (autobiographical novel)، حيث المزج بين الوقائع الحياتية والخيال الروائي. ولكن يبقى ان المشاعر والزخم العاطفي يعودان لي في حقيقتهما، ولكن قد أجنح للمزج بين تجربتي وتجربة غيري من المقربين في بعض السياقات. لقد حقق الكتاب الغاية التي أردتها، رغم صدوره إبان الحرب العالمية الأولى التي شغلت الناس بأمور أعظم من مجرد الالتفات لآلام ومخاوف ذلك الكائن الروائي. لقد وجدتُ نفسي حراً ومنعتقاً من الآلام والذكريات الممضة التي لطالما أرهقت روحي. لقد نال الكتاب بعد ذلك الكثير من التقارير والمراجعات النقدية، وحظي بتقدير القرّاء. وقد كنتُ أظن أنه سوف يُنسى بعد أشهر قليلة من صدوره، ولكنني لا أعرف ما هي الصدفة القدرية التي جعلته يجذب اهتمام الأدباء والناشرين وعامة القراء الذين أحمل لهم كل التقدير في بقائه واستمرار طباعته عبر السنوات".

back to top