العراق في مرحلة ما بعد سقوط صدام (6-12) تصاعد العنف: ظهور «القاعدة» والتداخل الإقليمي

نشر في 13-02-2015
آخر تحديث 13-02-2015 | 00:07
يعد سقوط نظام صدام حسين في العراق محطة تاريخية مفصلية في المنطقة، ومن هذا المنطلق تنشر «الجريدة»، صفحات كتبها وفيق السامرائي رئيس جهاز الاستخبارات في عهد صدام، عن رؤيته للأحداث منذ سقوط بغداد، وصولاً إلى الحرب الأخيرة على «داعش»، لمنح القارئ فرصة فريدة للاطلاع على الأحداث من زاوية شخصية مطلعة، لفهم أوضح للماضي وتشريح أدق للحاضر، وقابلية لاستشراف المستقبل، وفي ما يلي الحلقة السادسة من هذه المذكرات القيمة:
شهد عام 2003 بدايات التنافس بين تنظيم القاعدة والفصائل المسلحة الأخرى، ومنذ البداية كان واضحا أن الغلبة ستكون للقاعدة على حساب البعثيين، الذين دأب كثيرون منهم على الانخراط في الوضع الجديد، لاعتبارات تثبت أن الحزب لم يتمكن من بناء فلسفة عقائدية تساعد على ديمومة حالة التفوق التي يطمح إليها. ومع تطور المعادلات لمصلحة القاعدة بدأ الفكر التكفيري المتشدد بالانتشار بسرعة، وظهرت علامات وممارسات وسياقات عنف غير معتادة أرعبت الناس واستهوت ذوي السوابق الاجرامية وخريجي السجون من الذين أطلق سراحهم بعفو عام قبيل وقوع حرب 2003 وتجاوز عددهم 32000 سجين. والشيء الغريب أن الفكر التكفيري وجد أرضا خصبة ساعدته على الانتشار السريع واحتضنته مكونة له حاضنات آمنة، خلافا للتوقعات التي تبنى على أن الاحزاب العلمانية كالحزب الشيوعي وحزب البعث وحركة القوميين العرب...، كانت هي سيدة الساحة لعقود عدة، وبقي نفوذ التيارات الدينية محدودا، فحزب الدعوة تعرض لحملة أمنية مشددة بالغة القسوة، وصلت إلى حد إعدام كل من يثبت انتماؤه إليه، والإخوان المسلمون بقوا عاجزين عن التعبير عن هويتهم ومرفوضين إلى حد كبير من العراقيين، ولم تتعد نشاطاتهم أطرا هامشية سرية.

ملامح التأثير

طوال عام 2003، بقيت الحركة على الطرقات العامة وداخل المدن مفتوحة، ولم ترتق العمليات المسلحة المناوئة إلى مستوى يتطلب إطلاق إشارات الانذار الحمراء طبقا للقياسات المعتادة في العراق. هجمات محدودة، انتحاريون قليلون هجماتهم مقننة بأهداف نوعية إلى حد ما، لا حواجز ولا معرقلات، الحياة عادية، الضعف في نفوذ الحكومة الغائبة والسلطات الجديدة لم يدفع إلى تفاعلات ضارة سريعة، العلاقات المجتمعية بقيت ملامحها الإنسانية مؤثرة وفاعلة في تنظيم الحياة العامة، ولم تحدث تجاوزات على حقوق الناس. إلا أن غياب أجهزة الأمن وأجهزة الشرطة والجيش وعدم وجود أثر لمراكز الأمن والاستخبارات، وعدم كفاية السيطرة العسكرية للتحالف، شكلت أجواء مناسبة للتنظيمات المتطرفة وللبعثيين لإعادة لملمة أوضاعهم واستقطاب مزيد من الشباب العاطلين عن العمل، الذين لم يجدوا حتى العدد الكافي من المقاهي ليقضوا أوقات فراغهم فيها. فبدأت الأحاديث تنتشر عن مقاومة، وهجمات، واحتلال، وعودة حزب البعث. وبالطبع فإن تحويل مئات آلاف الشباب من المؤسسات العسكرية والأمنية والصناعات الخاصة إلى عاطلين لا يمتلكون ما يؤمن لهم مصروفات على عائلاتهم وأنفسهم أربك المعادلات خلال فترة أقصر مما كانت متوقعة وفق كل الحسابات التي قيلت وطرحت قبل الحرب.

الزرقاوي وحركة التوحيد والجهاد

كان أبو مصعب الزرقاوي زعيم «حركة التوحيد والجهاد» أبرز قادة المنظمات الإرهابية الميدانيين من دون استثناء، فقد تمكن من تأسيس ونشر قوات تنظيمه في العراق خلال فترة زمنية قياسية، وفرض وجوده على تنظيمات القوى المسلحة المناوئة للنظام الجديد، التي يفترض أن يكون قادتها أكثر تأثيرا منه، بصفتهم من أهل العراق ويعرفون مناطقهم ولهم صلاتهم ومواقعهم الوظيفية والعسكرية والأمنية والحزبية والعشائرية. وبدأ يتنقل في مناطق غرب العراق وجنوب بغداد، حتى قضي عليه بضربة جوية أميركية في يونيو 2006 في بساتين غرب مدينة بعقوبة في محافظة ديالى.  

بتاريخ 17 أكتوبر 2004 أعلن الزرقاوي مبايعته العلنية لأسامة بن لادن رئيس تنظيم القاعدة، ليقطع الشكوك التي طرحت حول هوية المتشددين العاملين في العراق، وأعلن اسم «قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين»، ولم يتأثر التنظيم بمقتل الزرقاوي، حيث للتنظيم آلية انتقال للقيادة في حالات الطوارئ.

ووجه الزرقاوي تهديدات مباشرة لرئيس الوزراء العراقي باستهدافه شخصيا، وعمل بصورة واضحة على تحويل الصراع من استهداف لقوات التحالف في العراق إلى استهداف طائفي للشيعة. وأعلن تشكيل ما يسمى «فيلق عمر» لمقاتلتهم. ومع مرور الوقت، قام التنظيم بتوسيع نطاق عملياته الهجومية لتشمل التجمعات المدنية والأسواق العامة، لإيقاع أكثر ما يمكن من الخسائر البشرية والمادية. وتميزت العمليات منتصف عام 2004 بالملامح التالية:

•    تميز الهجمات بنمط تكتيكي مقارب، ما يدل على أنها تقع ضمن تخطيط مركزي واحد.

• تشديد الهجمات على مراكز الشرطة باعتبارها التنظيم الأمني الوحيد الموجود على الساحة في تلك الفترة.

• حدوث عمليات عدة في آن واحد في مناطق متباعدة، أو وفق توقيتات مثيرة، تدل على ارتباط واضح في مجال القيادة والسيطرة.

• توافر القدرة على المناورة بالعناصر القتالية والموارد.

• انتشار التنظيم على رقعة جغرافية كبيرة.

• وجود تعاون وتعاطف مؤكد مع تنظيمات مسلحة أخرى، ووجود تعاطف من بعض سكنة المناطق المعنية، لأسباب بعضها يحمل تحريضا طائفيا وحزبيا.

• وجود إصرار لدى المسلحين المناوئين للنظام الجديد على القتال وتحمل الخسائر البشرية والمادية والاعتقالات المفتوحة.

عرقلة بناء القوة

حرصت القوى الإرهابية على عرقلة إعادة بناء القوات المسلحة بقوة، وجرى اللجوء إلى أساليب مختلفة. وأصبح المتطوعون للعمل في وحدات الحرس الوطني التي بوشر بتشكيلاتها عام 2003، قبل أن تلغى لمصلحة إعادة بناء الجيش، هدفا مميزا لهجمات الانتحاريين، وشارك جهلاء ممن يتقمصون صفة دينية بالحملة بإصدار فتاوى تحرم الالتحاق بالجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، ولسوء حظ العراقيين وأبناء المناطق المعنية شمال بغداد وغربها تحديدا أن هذه الفتاوى الضالة جرى تداولها بين البسطاء، وتزاوجت مع العنف وسبل الإرهاب فعرقلت عملية الانتماء للجيش والشرطة، ومن يلتحق بالشرطة أصبح دمه مهدورا وبيت أهله معرضا للتدمير.

وحاولت - بعد أن أصبحت مستشارا لرئيس الجمهورية لشؤون الأمن الوطني- مواجهة هؤلاء الجهلاء الضالين، ودعوة الشباب إلى التوجه نحو العمل في الجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، إلا أن الظروف القاسية أسهمت في تقييد التوجهات الوطنية، وتسببت في حرمان أبناء المناطق التي ابتليت بالإرهاب من العمل ضمن أجهزة الأمن لحماية مناطقهم، وأصبح ضعف التمثيل موضع جدل وخلافات بين السياسيين. وبعد بناء القوات المسلحة كثر الحديث عن الخلل في التوازن، ويقصد به ضعف وجود السنة في الجيش. والحقيقة التاريخية هي أن المسؤول الرئيسي عن ذلك هم أصحاب الفتاوى الضالة ومن سار على دربهم، وكل التنظيمات المسلحة التي استهدفت المتطوعين في القوات المسلحة. وبسبب تصاعد العنف بشكل أساسي، فضل معظم كبار القادة العسكريين السابقين السفر إلى خارج العراق عموما وإلى سورية تحديدا. وحتى اليوم، فإن الاضطراب السياسي المستمر - رغم ما يراد من عبارات تدل على عبور مرحلته - والخلل الأمني الكبير، وزيادة سقف رواتب كبار الضباط المتقاعدين - والركون إلى الراحة، عوامل أدت إلى عزوف كبار الضباط السابقين عن العودة إلى الخدمة، وكل ما يقال خلاف ذلك من تبريرات ومسببات لم يعد واقعيا، وقد فشل وزير الدفاع الجديد «العربي السني» في تغيير هذا الوضع.

إن جهود عرقلة بناء القوة شملت «العرب السنة» تحديدا، عسى أن تكون الأخطاء الكارثية سببا في عدم الاستماع إلى رجال الدين في المسائل الاستراتيجية بأبعادها السياسية والأمنية والعسكرية، وكذلك ضرورة عدم الاستماع إلى خطب التحريض. وحاولت خلال الفترة التي قضيتها في العراق بعد التغيير العمل على المساعدة لتهيئة أجواء مناسبة للتعاون، وعقدت اجتماعات موسعة لكبار ضباط الجيش السابقين، من كل الشرائح بلا تحديد، سميت الاجتماعات الألفية، نسبة إلى عدد الحضور في كل اجتماع (ألف ضابط) معظمهم من الرتب الكبيرة، وحاولت أن أعزز الروح المعنوية لكبار الضباط الذي عملوا بعد التغيير من خلال تنظيم لقاءات مع الرئيس والدفاع عن حقوقهم. مع أننا لم نكن في رئاسة الجمهورية نمتلك الصلاحيات التنفيذية.

الدور الإقليمي

الخطأ الاستراتيجي الكبير الذي وقع فيه المخططون الأميركيون بعد سقوط نظام صدام حسين، هو أنهم أطلقوا فلسفة الشرق الأوسط الجديد، وبات واضحا أن سورية وإيران وضعتا على رأس قائمة المتغيرات الاستراتيجية، كما أن بعض الدول الخليجية لم يرق لها مخطط التغيير، وربما شك بعض مسؤولي هذه الدول أنهم معنيون في ما يحدث ولو بمرحلة لاحقة، فبدأت مرحلة فرض الوجود كل من طرفه ولمصلحته، وبما أن التأثير الأميركي على الشعب العراقي محدود، وطرق التعامل مع العراقيين حكمت بخبرات الحاكم المدني بول بريمر المتواضعة «جدا» في الشأن العراقي، وبما أن أهداف السياسيين العراقيين غير ناضجة ومتخلفة ومتفككة ومتعارضة، وبما أن قسما من المشروع الكردي مبني على قاعدة تفكيك العراق لغرض الحصول على الاستقلال، فإن معادلات التصادم فرضت وجودها على كل المستويات.

وإذا كانت المعارضة العراقية السابقة تمتلك نفوذا، أو تصلح للتعامل مع الأطراف الخارجية، فالواقع يؤكد أن لها مشارب إيرانية وسورية قوية، وزاد الجوار الجغرافي قوة العلاقة بعد التغيير، فضلا عن قدرة السياستين الإيرانية والسورية، ليس على التعامل مع الأضداد في آن واحد فحسب، بل التعامل مع الخصوم، إذا وجد هامش لجعل الخصومة مرحلية، على عكس سياسات كثير من الدول العربية المبنية على مواقف متشنجة، تتحول فيها الخلافات السياسية إلى عداء وجفاء وصد، استحضارا لما روي عن حرب البسوس وغيرها. وهذا غير موجود في التعامل السياسي الإيراني والسوري، إلا في حالات نادرة قد لا تتوافر أمثلة حية كثيرة عنها.

شعور إيران وسورية بخطر الاستهداف في المراحل التالية، تحول إلى استراتيجية رفض للوجود الأميركي في العراق، والعمل على جعل التجربة الأميركية فاشلة ومكلفة ماديا وبشريا. والغريب أن هذا التوجه لم يتقاطع سلبا مع أهداف بعض الدول العربية ومنها خليجية تحديدا، بل تطور إلى حالة من التناغم غير المباشر رغم الخلافات والاختلافات الكبيرة بالأهداف، فانعكس الوضع سلبيا على الحالة العراقية سياسيا وأمنيا واجتماعيا، واصبح بعض المعارضين يتلقون دعما خليجيا وإيرانيا وسوريا في آن واحد، ومنهم من يعمل تحت لافتة المقاومة بشكل واضح وعلني!

سورية استقبلت الجماعات السياسية علنا وفتحت أبوابها أمام أكثر من مليون لاجئ عراقي، واتهمت بتسهيل دخول عناصر ينتمون لجماعات مسلحة بمختلف أشكالهم وهوياتهم، بمن في ذلك الداخلون حسب اتصالات مع التنظيمات التكفيرية، وفقا لاتهامات أميركية وعراقية رسمية في حينه، وتحولت العلاقات الرسمية مع العراق سنوات عدة إلى مواقع متشنجة. أما إيران فلم يتسلط الضوء على تحركات عبر حدودها على الرغم من دعمها لفصائل مسلحة تعمل تحت لافتة المقاومة الإسلامية وغيرها، واتهمت القوات الأميركية كلا من سورية وإيران بالتدخل المباشر في تأجيج العمليات المسلحة، واضطرت القوات الأميركية إلى الخروج من العراق في وقت مبكر واعتبر نصرا للمشروع السوري والإيراني على حساب المشروع الأميركي.

وباستثناء السياسة الكويتية بقيت السياسات الخليجية مع العراق معقدة وتتراوح بين الجفاء والاتهامات أو الفتور الشديد على الأقل.

عربيا، كنا ننادي ونقول: لا تتركوا العراق، أيا كان الحاكم وأيا كانت النظرة اتجاهه، وعدم ترك العراق لم يكن المقصود فيه التدخل في شؤونه أو التدخل السلبي، بل التدخل الإيجابي من خلال التواجد السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والثقافي، وكان ممكنا تطوير التواصل والتوسط بين الفرقاء السياسيين المختلفين على الأرض العراقية لغرض الإصلاح وتجنب التصعيد.

ولو حدث هذا لحقق العراق وجواره القريب وغير المباشر منافع أساسية ومصالح مشتركة تمنع الانفلات الذي لن يبقى أحد في معزل عن تبعاته. والإيرانيون - بصرف النظر عن أهدافهم - لهم القدرة على التعامل بخطوط متعددة وهدوء، ولم يتبعوا سياسة احادية الجانب في الوضع العراقي.

ولو تعامل العرب بهذه الطريقة لأمكن الحصول على توازنات تهيئ فرصا للسلم والاستقرار. ولا أخفي عدم قناعتي بكثير من السياسات العربية ولست متعاطفا مع معظمها بصرف النظر عن النيات، فالنية الطيبة بلا نهج ناجح لا تعني شيئا.

وهذا يقودنا إلى سؤال كبير وهام، هو: هل دفع العراقيون ثمنا كبيرا للخلافات الدولية والإقليمية على حساب أمنهم ومستقبلهم ومصيرهم؟ والإجابة الصريحة هي: نعم كبيرة. وهل أجاد الأميركيون طريقة التعامل الميداني مع الأحداث والنشاطات المسلحة؟ هذا ما سنأتي إليه تباعا. والمشكلة لم تكن حربا بين العراقيين والإرهاب فقط، بل أريد لها أن تتحول إلى صراع طائفي لئيم يحرق كل شيء.

ظاهرة الانتحاريين

لم تحدث عمليات انتحارية قديما في العراق إلا في حالات نادرة، ونذكر منها ثلاث عمليات حصلت خلال حرب السنوات الثماني (احداها استهدف مديرية الاستخبارات الجوية وأصابها، والثانية انفجرت أمام مبنى وكالة الأنباء العراقية مقابل القصر الجمهوري، والثالثة استهدفت وزارة التخطيط جوار القصر الجمهوري)، وكلها أهداف حساسة. ولم تتأثر الحياة العامة ولم توضع المعرقلات والحواجز إلا أمام الأجهزة الحساسة وبشكل محدود جدا ولا يثير الانتباه.

ولم تصل ظاهرة الانتحاريين إلى نفوس العراقيين وعقولهم، وكل الذين قاموا بهذه العمليات الانتحارية خلال السنوات الثلاث الأولى كانوا من غير العراقيين، ومعظمهم من العرب: من الخليجيين والسوريين والتونسيين والسودانيين، ثم تراجعت نسب المشاركين من دول عربية أخرى، قبل أن تصل أعداد من دول إسلامية، ولم يظهر انتحاري إيراني واحد من كل المذاهب والأعراق الإيرانية. ومعظم الذين نفذوا عمليات انتحارية تتلمذوا في المدارس الدينية، ومن متلقي عمليات الشحن الديني المتشدد، ومن الذين تهتز نفوسهم بما يتحدث به المتشددون من الخطباء المحاضرين والقنوات الدينية المتشددة. أي أنهم من الذين تعرضوا لعمليات السيطرة على الدماغ، وخضعوا للتأثير النفسي واقتنعوا بما قيل لهم عن الحياة الأخرى التي سيعيشونها، وكثير منهم من المحبطين في حياتهم.

أما العراقيون، فبدأت العدوى تصل إليهم مع مرور الوقت، نتيجة الإحباط، والضغوط النفسية والمحاضرات وعمليات الإغواء والتحريض والتوجيه في المناطق التي سيطر عليها تنظيم القاعدة أو بقيت سيطرة الدولة بعيدة عنها، فبدأ تجنيد الانتحاريين في محافظة الأنبار، ثم انتشر إلى كل المحافظات شمال بغداد وغربها، ولم تسلم المحافظات الكردية من انتقال العدوى إليها، وتعرضت لاختراقات عميقة، وإن كانت قليلة. واستهدفت العمليات الانتحارية أهدافا مهمة وخطيرة غير محددة، منها:

استهداف القيادات السياسية العليا، فقد حدث تفجير يوم 29 أغسطس 2003 مستهدفا رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق آية الله محمد باقر الحكيم، بعد القائه خطبة الجمعة في مدينة النجف، وذهب ضحية التفجير معه عشرات الضحايا. ويدل هذا التفجير على سرعة دخول وتغلغل تنظيم القاعدة إلى العراق ووصوله إلى مناطق خارج مفهوم الحاضنات الاجتماعية.

وحدث التفجير الثاني في بغداد على مقربة من المنطقة الخضراء المحصنة أمنيا يوم 17 مايو 2003، مستهدفا الرئيس الدوري لمجلس الحكم د.عز الدين سليم، وأودى بحياته، وقد التقيته عن قرب مرات عدة، وكان إنسانا هادئا وواقعيا وصريحا ويميل إلى الاصلاح. وأذكر أنه لم يخف إقراره بقوة نفوذ التيار الصدري حتى في بعض مناطق نفوذ حزبه (حزب الدعوة).

back to top