محمد عبدالوهاب مُجرم حرب أم مُجرم موسيقى؟

نشر في 02-03-2010 | 00:04
آخر تحديث 02-03-2010 | 00:04
خلّف الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب وراءه أوراقاً خاصة، ومدونات في الحياة والسياسة والفن، كان قد كتبها على مراحل قبل وفاته. وبحسب قرينته السيدة نهلة القدسي، فإنه بدأ في كتابتها بعد زواجهما مباشرة. وبعد مضي ما يقرب من عشرين عاماً على رحيل الموسيقار المبدع، يتصدى الشاعر فاروق جويدة لهذه الأوراق، وبإيعاز من القدسي لتصدر في كتاب عن دار شرقيات يحمل عنوان: "محمد عبدالوهاب: رحلتي الأوراق الخاصة جداً". يؤكد جويدة في تقديمه أن الكتاب ليس مذكرات شخصية، لأنه لم يبق من حياة عبدالوهاب ما لم يطلع الناس عليه، بل هو يحوي آراء سياسية حادة، وفنية جريئة وصريحة وقاطعة، وفيها تعرية لجوانب كثيرة من حياتنا، نخجل من الحديث المباشر عنها. ويقسم جويدة الكتاب إلى خمسة محاور أساسية، تدور حولها مجمل آراء عبدالوهاب، وهي رحلته الخاصة مع الفن وخواطره بشأن الموسيقى العربية والعلاقة بينها وبين الموسيقى الغربية. المحور الثاني يتعلق برحلة عبدالوهاب مع الناس، خاصة المشاهير منهم. وأما المحور الثالث فهو مخصص لرحلة عبدالوهاب مع المرأة، وهي من أصعب الموضوعات لأنه عالجها بوضوح شديد، متطرقاً إلى الجنس والحب والزواج. المحور الرابع يحوي رحلة عبدالوهاب مع السياسة وآراءه في هذا الجانب. ويتطرق المحور الخامس إلى آراء عبدالوهاب ومواقفه الحياتية بشكل عام.

"الجريدة" تقدم لقرائها في حلقات متتالية رحلة محمد عبدالوهاب كما وردت في أوراقه الخاصة.

يتحدث في الحلقة الأولى عن هواجسه، وشعوره لحظة تداهمه خواطر التلحين، كما يتحدث عن أهمية الثقة في حياة الفنان، ويطرح تساؤلاً بشأن انتهاء زمن الأصوات الجميلة ودور الجمهور في ذيوع وانتشار الأغنية.

لحظة الإبداع عندي هي التي اشعر فيها بأنني احب... وانني عاشق ولهان ولا استطيع ان افارق حبيبتي ولو لحظة واحدة... هذا الاحساس يجيئني عندما يفاجئني خاطر لحن اشعر بقيمته، لو جاءني هذا الخاطر وانا في مكان في سهرة... في اجتماع... في لجنة... في حفل عشاء اعتذر على الفور واقوم مسرعا الى منزلي، وكأني ذاهب الى ميعاد مع حبيبتي التي لا يمكن الحياة بدونها... أعود مسرعا وكأني في خوف من ان تمل معشوقتي انتظاري وتذهب.

وعندما اصل الى منزلي ادخل فورا الى غرفتي... ومع ان الخدم في جهة بعيدة عن غرفتي فإنني احكم اغلاق باب الغرفة... وكأني اخاف ان يرانا عذول فيفضح امري، ثم آخذ عودي والمسجل امامي. وكأن الخاطر تجسد في شكل فتاة جميلة انظر الى عينيها وشفتيها وشعرها وقوامها واظل في هذه المتعة، متعة لقاء الحبيب بحبيبته شاكرا ربي ان انعم علي بهذه الحبيبة الفاتنة الجميلة التي اسميها الخاطر.

وعندما استمع لنفسي وانا اغني في اذاعة او شريط او اسطوانة اجدني انهج وألهث وكأني صاعد الى جبل لأنني في هذه الحالة اسمع نفسي بأذن الناقد وليس بأذن المستمع، واهمس الى نفسي لماذا لم اطل هنا لماذا لم اقصر هنا... لماذا لم اؤد هذا المقطع بالشكل الفلاني... لماذا لم اعمل "لازمة" موسيقية هنا لماذا لم ألغ هذه "اللازمة".

صراع مع النفس

وأظل في صراع مع نفسي وأحاول بكل أنفاسي وأعماقي وأعصابي ان اغير ما اسمع كأنني سأتمكن فعلا من ذلك، ولعل هذا يذكرني بشخص يركب سيارة بجانب السائق فإذا أحس بخطر سيصيب السيارة أمامه ضغط برجله على ارض السيارة كأنه يوقفها اتقاء للخطر.

هكذا افعل عندما أسمع نفسي، أحاول بغير وعي أن أصلح ما كان يجب عليّ ان اقوم به أداء ولحنا، لكنني اكتشفت انني لا استطيع ان افعل ذلك.

وكثيراً وانا نائم يجيئني خاطر موسيقي جميل واحاول ان احفظه في خيالي، لكنه يؤرقني واخشى ان انساه فتضيع عليّ فرصة العمر...

ولا استطيع ان اقوم من فراشي لأسجله وأرتاح، لأن قيامي معناه ان اتعرض للبرد وصحتي لا تحتمل البرد، واظل في قلق... أقوم أم لا أقوم، واخيرا ينتصر الفن، لأنني إذا لم اسجله ضاعت هذه النعمة، نعمة الخاطر الجديد الذي سيهز العالم الموسيقي.

واقوم وأمري لله لا أنام انتظارا للصباح لأسمع المعجزة، وبمجرد صحوي وأنا في سريري لعدم صبري على الانتظار تحضر لي الخادمة المسجل وأسمع، وتصيبني الدهشة عندما اجد ان الذي سمعته آخر "هيافة"... كلام لا طعم له.

ما احوج الفنان إلى المراجعة، فإن فيها اتقانه... وكماله، ومع ذلك لا اتعظ وأعود الى القلق والهيافة، لا يمكن لفنان ان يراجع نفسه ولا يجد الافضل، ولابد للفنان ان يعيش بين الحقيقة والسراب.

وعندما اندمج في عمل فني احس انني اقرب الى الله اكثر من اي وقت... وربما كان السبب في ذلك ان الفن يخاطب مواقع الطهر في الانسان... كالحب والجمال والخلق والمثل العليا والضمير،

والوجدان، والخير، والله سبحانه وتعالى خير، فأنا اكثر قربا منه، وأنا ألامس هذه المواقع الطاهرة.

وهناك سبب آخر غامض على الإنسان، بسبب عطائه من الله تعالي، فالرضا من الناس على عمل الفنان ليس مرتبطا بموهبته فقط او قدرته فقط او خبرته او تجاربه، بل هناك شيء آخر اسمه القبول... الشيء الذي ليس له تفسير لكنه عطاء من الله يهبه من يشاء... فالفنان له علاقة مباشرة بالله ورضاؤه هو اكبر تكريم له.

وعندما اقوم بعمل فني اهتم بمقابلتين، مقابلة الموسيقيين في أول بروفه، واول عرض للعمل الفني على الجمهور.

فعندما اذهب لأول مرة الى الموسيقيين لعمل اول تجربة، اذهب وكأني على موعد مع حبيبي... اذهب وكأني عاشق ولهان لرؤية من احب، وعندما ألقن هذا العمل الفني سواء كان اغنية او موسيقى أنظر الى وجوه الموسيقيين ومشاعرهم البادية وهل هم متحمسون، ام نظروا الى الساعة مللا، أم مر عليهم الوقت ولم يشعروا. والموسيقيون بالنسبة لي في أول تجربة هم الحكم، فهم صفوة المستعمين، وهم أول جمهور يطّلع على هذا العمل، واكون مشغولا بهم وبنقد ما عملته لأصلحه في التجربة الثانية.

وأما في المقابلة الثانية عند عرض العمل على الجمهور فإحساسي يختلف فأنا امام غيب. فالجمهور قدر ليس له ضابط فربما يبدع الفنان شيئا يقدره بينه وبين نفسه ولا يرضى عنه الناس. وربما عمل شيئا لا يرضى هو عنه تمام الرضا وينجح انه الشيء الذي تتركه لله تعالي، انه الغيب الذي احتفظ الله به لنفسه.

الخوف والثقة

والحقيقة انه لا يوجد شيء يؤدي الى فشل الفنان مثل الخوف فإذا فكر الانسان وهو خائف، فلا يمكن ان يصل الى الحل السليم. واذا احس وهو خائف فلا يمكن ان يصل الى الشعور الصادق. واذا الرسام مثلا رسم لوحة ويداه ترتعشان من الخوف فلا يمكنه الا ان يرسم شيئا مشوشا لا جمال فيه. فما بالك بالمغني الذي يعطي انفاسه واعماقه وصدقه للفن. ان وراء هذه الانفاس والاعماق فكرا وصدقا وقدرة، كيف يمتزج كل هذا الخوف ثم يمكنه بعد ذلك ان يوصل شيئا جميلا الى المستمع؟

والثقة في ذاتها تقوي الانسان واول مراتب توصيل الثقة للناس ان يثق الانسان بنفسه، ولذلك كنت دائما حريصا على ان تكون بروفاتي في اعمالي جيدة بل اكثر من جيدة، بل اقول انها خرافية لأنني كنت دائما ادرك ان العمل حين يعرض سيكون هناك شيء من الخوف من الاحساس بالمسؤولية وهذا يضعف العمل الى حد ما ولذلك اردت دائما ان تصل البروفات الى درجة اكثر من الاجادة لتكون النتيجة حين يعرض العمل على الناس اكثر من جيدة، ولهذا فإن نصيحتي للمطرب والمطربة والعازف الا يخاف لان الخوف يعني ان يصل العمل الى المستمع مزيجا من الشوشرة والنشاز وكلاهما نهايته الفشل.

وانا اول من قدم للمستمع غناء وموسيقى وكأنها حرة بلا قيود زمنية او كأنها لا تخضع لإيقاع وقوانين زمنية يمكن كتابتها. كان ذلك في اغنية "في الليل لما خلى" وايضا قدمت فيها اول آلات وترية اوروبية تستخدم في فرقة عربية، وهذه الآلات كانت "الشللو" و"الكنترباس" و"الكاستانيس".

ويبدو الفرق بين شكل الحرية في الغناء والايقاع في بعض جمل الاغنية، فالحرية مثلا تبدو في "الليل لما خلى الا من الباكي... والنوح على الدوح حلى للصادح الشاكي" ثم يبدو الايقاع في "ما يعرف المبتلى" واعود الى حرية الشكر في جملة "مسكون ووحده" وهكذا اخضعت الغناء في الأغنية الواحدة لجمل حرة الشكل وجمل موزونة وايقاعية الشكل، كما هو في الالحان الغربية ثم مشى الملحنون على نهجي بعد ذلك للآن واصبح دستورا في عالم الالحان بوجه عام.

اي انني "فكيت" سجن الجملة اللحنية من قيود الايقاع الواضح الذي غالبا ما يحرك في المستمع الحس المادي اكثر من الوجدان الروحي... جعلت المستمع يحلق في سماء التأمل والخيال والتسامي بدلا من أن ينشغل بإيقاع يحرك يديه ورجليه بدلا من أن يحرك روحه وخياله.

وكنت أيضا اول من خالف قاعدة هامة من قواعد التلحين الشرقي التي تعلمناها من الاساتذة القدامى والتي تقول "ان الملحن اذا ما لحن قصيدة او توشيحا أو دورا أو اغنية أو طقطوقة وابتداء من نغمة ومن مقام معين عليه ان ينتهي بنفس النغمة وعلى نفس المقام".

وقد كسرت هذه القاعدة في "جارة الوادي" فقد بدأت من نغمة البياتي على مقام "الدوكا" وانتهيت بها بمقام البياتي ايضا، ولكن على مقام العشيران... اي ابتدأت ببياتي على "الري" وانتهيت الى بياتي على "اللا" وهذه مخالفة صريحة للمقام.

وثار اساتذة نادي الموسيقى في ذلك الوقت وحاكموني في جلسة ضخمة شارك فيها اساتذة اجلاء وقلت لهم: ان النغمة تشبه حديقة جميلة يتجول فيها الملحن في لحنه، ويكتشف فيها مواقع جميلة اذا ما اراد في مشواره داخل الحديقة ان يرتاح عند موقع جميل وينتهي من مشواره فما هو المانع؟ فلم يوافقوا على ذلك الرأي ولكنهم لم يتخذوا اي اجراء، لانهم كانوا في حاجة الي... فقد كان النادي يقدمني في حفلاته للحكام على اني طالب بالنادي وكان يحصل على اعانات من الدولة بسبب ذلك.

وعندما انفصل جزء من النادي كمعهد للموسيقى واصبح تابعاً للحكومة... وابتدأ النادي يستغني عن الحفلات وزاد تحطيمي للوثنية الموسيقية لم يطيقوا على ذلك صبرا واجتمع مجلس الادارة وقرر فصلي... وكان أحمد الألفي عطيه في مجلس ادارة النادي ولم يوافق على فصلي فطردوه معي.

ومع ذلك فأنا احمل لهؤلاء الاساتذة كل الاجلال... اولا: لأنهم علموني ما لم اكن اعلمه، وثانيا: لانهم بتزمتهم اشعلوا داخلي جذوة الثورة، وكان مثلي كمثل طلاب الأزهر في ذلك الوقت، فالذي يتعلم في الأزهر يخرج منه اما متزمتا او ساخطا... والحمد لله لقد خرجت ساخطاً... والسخط اول مراتب التطور... عندما طردوني اطلقوا عليّ هذه الكلمة: عبدالوهاب مجرم الموسيقى كمجرمي الحرب.

لماذا انتهى زمن الأصوات الجميلة؟

ذهبت ام كلثوم بأدائها المعجز... وفريد بلون صوته الفريد... وعبدالحليم بتأديته الحساسة وشخصيته الذكية... فماذا بعد ذلك؟!

ان الغناء عمل موسيقي اولا والغناء جزء منه فالمطرب او المطربة جزء من التركيبة الموسيقية يقوم بدور بجانب الأدوار الاخرى المنوط بها للعمل الموسيقى الى حد كبير.

وقد جذبت الاصوات الثلاثة الجماهير بأدائها وشخصيتها وشغلتها عن محاسبتهم عن العمل الموسيقي في حد ذاته. وكان الجمهور لا يهمه الا ان يسمع اداء ام كلثوم ويستمتع بشخصيتها... وكذلك فريد وعبدالحليم وهذه الاصوات جعلت الجماهير لا تهتم بالعمل الموسيقي... لان الاصوات الثلاثة التي كانت تسيطر على الجماهير كانت تقف حائلا بين اهتمام الجمهور بالموسيقى كأساس.

وفي يقيني ان الصوت البشري لن يكون له سيادة كما كان في السابق... وستتجه الاغنية عموما بعد غياب هذه الاصوات نحو العمل الموسيقي المتكامل الذي يكون المطرب فيه صاحب دور ولكنه ليس الدور الاول والوحيد، اي ان عهد سيادة الصوت سيخف عن ذي قبل ويحل محله عهد العمل الموسيقي. ورب قائل: ان الاغنية الآن فيها موسيقى فالمقدمة ومقدمات الكوبليهات موسيقى، هذا صحيح... ولكنها موسيقى ليست على صلة وثيقة بلحن الغناء، بحيث اننا لو حذفنا او غيرنا او بدلنا هذه الموسيقى بموسيقى اخرى لا يحس السامع بخلل.. لان هذه المقدمات ليست من صلب الغناء اي انها منعزلة عنه... والعمل الموسيقي كل لا يتجزأ... صحيح ان غياب هؤلاء الشوامخ خسارة كبيرة لكن رب ضارة نافعة.

والفرق الموسيقية الحديثة التي تقدم أغاني متطورة تقوم بعملية غسل مخ للجمهور من أجل إلا يسمع الجيد من الأغاني... وأنا ليس عندي مانع من ظهور الجديد، ولكن للآن كل من بدأ لم يرسخ أقدامه كلون جديد له قيمة، بل إنه ينتهي ليظهر ما هو أتفهه منه.

وهذا واضح من اختيار اصوات لا تصلح لأن تغني في الكورال. هذا اللون من الألحان سيكون سببا في عدم ظهور أصوات لها قيمة، اذ ان الارض التي تنبت فيها الاصوات هي اللحن... فاللحن الذي يحتاج الى «قفلة»، إلى "عفقة"، الى صوت، ليس موجودا الآن، فهل سيقضى على الاصوات لهذا الأسباب؟ خصوصا أن الجهاز الخطير الذي نسميه التليفزيون يعطي لهؤلاء فرصة عريضة لعرض هذه الاعمال التي سبق ان قلت انها غسل لمخ المستمع العربي... نريد جديداً لا يختفي لتفاهته، بل يكون هو الاساس لظهور الأجود على منواله لا أن يظهر دائما الأسوأ.

تجار الشنطة

وأستطيع ان اسمي الفن اليوم فن تجار الشنطة، فالفن اليوم يشبه اسلوب تجار الشنطة، فهناك نفر من اللصوص يسرقون الفن من الاذاعات والتسجيلات الأصلية على كاسيتات ثم يضعونها في شنط ثم يذهبون بها الى بائعي الأرصفة ويبيعونها لهم وهم بدورهم يبيعونها للمارة على الأرصفة.

يا للحسرة، المؤلفون على الأرض... والملحنون على الأرض والمؤدون والعازفون على الأرض، وربما كان هذا هو الجزاء الطبيعي لما وصل إليه الفن من انحدار.

لقد كان الفنان في السابق يخرج بهوايته الصافية فنا يستمتع به المثقفون، واذا استمتع المثقفون بفن فلا بد ان تستمتع به الجماهير غير المثقفة ولو بعد حين، وربما تأخر تقديرهم لهذا الفن، ولكنهم في وقت ما يتلذذون به.

واما الفن الذي يخرج للجماهير غير المثقفة فلا يصل الى اعجاب المثقفين في الغالب، اي اننا اذا شبهنا الجماهير كشكل هرمي، المثقفون في القمة وغير المثقفين في السفح، فإن الفن يخرج مباشرة الى القمة اي الى المثقفين ثم يهبط رويدا الى السفح اي الى غير المثقفين... أما الآن فالفن يخرج الى السفح اولا وهيهات له ان يصعد الى القمة.

وفنان اليوم محروم من الجمهور الناقد وقد عرفنا هذا الجمهور المتذوق من الطبقة الوسطى التي تتألف من المثقفين... هؤلاء المثقفون لا تجدهم الآن في الصفوف الأولى التي يدفع اصحابها 50 جنيها واكثر في التذكرة... وانما نجد جمهورا آخر لا يتذوق الفن ولكنه جمهور يحضر للترف، اما جمهور الترسو فيحضر للتهريج... ولذلك نجد ان الصالات اليوم قد خلت من نوع هام جدا من الجمهور المثقف الناقد الذي يحسب له المؤدي ألف حساب.

ولا شك ان  الجمهور طرف في اخراج الاصوات وتدريبها. كان الجمهور الذي يدخل حفلات الغناء جمهوراً واعيا عالي الاحساس، فكان المطرب يحترمه ويهابه، وكان يؤدي المطرب فيعطي الاستحسان بالقدر الذي يساويه، فلما ظهر جمهور جديد... طبقة جديدة من الجمهور غير المثقف، غير واع لكنه غني وعنده فلوس، هذا الجمهور هو الذي يملأ القاعات الآن ويحب الغناء الرخيص، فلم يعد المطرب يحترم رأيه لأنه يصفق ويهلل لأي مطرب او مطربة، ولذلك اختفت مدرسة هامة وواقعية، كان المطرب يتعلم منها ويخشى محاسبتها له. ولكن المثقف اصبح الآن يعيش على التلفزيون او الفيديو ولا يذهب الى الحفلات لغلاء تذاكرها فالدولة الآن مسؤولة مباشرة عن تقديم فن رفيع من خلال التلفزيون هل هذا يتحقق الان؟ لا اظن.

back to top