ما قل ودل: نفحات من دستور الكويت في عيدها الوطني (2)

نشر في 26-01-2015
آخر تحديث 26-01-2015 | 00:01
 المستشار شفيق إمام تناولت في مقال "نفحات من دستور الكويت في عيدها الوطني" في مقال الأحد الماضي الدولة القانونية التي أسس لها دستور الكويت، وأن حقوق الإنسان كانت الشاغل لأعضاء المجلس التأسيسي، حيث كفل الدستور العدل والحرية والمساواة للجميع مواطنا كان أو مقيما، وأن الدستور حظر اقتراح تنقيح مبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها فيه إلا لمزيد من ضمانات الحرية والمساواة... ومن المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي التي حفل بها الدستور، تبرز قيم العدل والحرية والمساواة.

العدل أساس الملك

فالعدل هو إحدى الدعامات الثلاث للمجتمع، طبقا للمادة (7) من دستور الكويت، التي استهل بها الدستور الباب الثاني الخاص بالمقومات الأساسية للمجتمع، وهو من أغلى وأسمى هذه المقومات، ومن أقوى وأرسخ دعائمها.

وقيمته لا تقتصر على إعطاء كل ذي حق حقه، بل هو شيء أعمق وأبعد من ذلك، هو إقامة نظام اجتماعي سليم، والعمل على إشاعة الطمأنينة بين الناس على وجودهم ذاته، وعلى حرياتهم وأعراضهم وأموالهم، وأنهم يستظلون بمبدأ سيادة القانون، والمساواة أمامه في حاضرهم وغدهم.

وقد جسّدت هذه المعاني المادة (162) من الدستور في ما نصت عليه من "أن شرف القضاء، ونزاهة القضاة وعدلهم أساس الملك وضمان للحقوق والحريات".

والمادة 163 فيما نصت عليه من "أنه لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحالة التدخل في سير العدالة".

الغرامات المالية... أساس فرضها

وفي سياق البحث عن الأساس الدستوري والقانوني لفرض الغرامات المالية، ومن استعراض أحكام الدستور وقانون إقامة الأجانب، تبرز بعض الحقائق التالية التي ربما تكون قد غابت عن أصحاب التفسير الجديد لقانون قديم، وهي:

غرامات عن فعل لم يجرمه القانون

ولأن الغرامات المالية على الوافدين، قد تم فرضها على أساس أنهم لم يزودوا إدارة الإقامة بما يفيد تجديد جوازات سفرهم، التي منحت عليها مدة الإقامة التي تجاوز مدة الجواز، فقد بات ضرورياً أن نحيط بالموضوع من جوانبه المختلفة بدءا بالركن الشرعي للجريمة، وفي هذا السياق تنص المادة (32) من الدستور على أنه "لا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا عقاب إلا على الأفعال اللاحقة للعمل بالقانون الذي ينص عليها".

فالجريمة– وفقا لتعريف الفقه لها- هي فعل أو امتناع عن فعل يعتبره القانون مخلا بنظام أو أمن المجتمع، فيقرر له عقوبة، فالركن الأول في الجريمة هو ركنها الشرعي، وهو القانون الذي يحدد الفعل الذي يجرمه ويعاقب عليه.

وباستعراض نصوص قانون إقامة الأجانب يبين ما يلي:

(أ)- أن المادة (24) من هذا القانون، فيما عاقبت عليه من أفعال قد عاقبت على مخالفة أحكام المادة (12) منه، والأفعال الوحيدة التي وردت في المادة (12) والتي انصرف إليها قصد المشرع بالتجريم والعقاب هي:

1- مخالفة ما أوجبته هذه المادة على الأجنبي من مغادرة البلاد، بعد انقضاء مدة الإقامة.

2- مخالفة ما أوجبته هذه المادة على الأجنبي من مغادرة البلاد، خلال أسبوع من تاريخ إخطاره برفض طلب تجديد إقامته.

3- مخالفة ما أوجبته هذه المادة على الأجنبي من إخطار إدارة الجنسية والجوازات عن كل سفره إلى الخارج.

(ب)- إن المادة (12) لم تنص على سقوط الإقامة إلا في حالة واحدة، هي غياب الأجنبي في الخارج لمدة تزيد على ستة شهور، وقد خلت المادة (12) من القانون، كما خلا القانون كله من أي التزام فُرض على الأجنبي بالإخطار بتجديد جواز سفره، ليدخل دائرة التجريم.

ومن الجدير بالذكر أن المادة (24) لم تجرم أو تعاقب على مخالفة القرارات المنفذة للمادة (12) إذا افترضنا صدور قرار يوجب على الأجنبي الإخطار بتجديد جواز سفره، فإنه يبقي التزاماً أدبيا على الأجنبي لا جزاء عليه.

المادة (12) والقرارات المنفذة لها:

لذلك ما زلنا عند رأينا الذي أبديناه في مقالنا عن الغرامات المالية المنشور على هذه الصفحة بتاريخ 28 ديسمبر 2014، والذي قلنا فيه إن خطاب المادة (12)- المستفاد من دلالة عبارات النص ومن تفسير نصوص القانون، باعتباره وحدة واحدة- هو خطاب موجه إلى إدارات تراخيص الإقامة، يقيدها في إصدار هذه التراخيص بقيدين أساسيين، أولهما: ألا تجاوز الترخيص بالإقامة خمس سنوات، وثانيهما: أن يظل جواز سفر المقيم صالحا للعمل به، طيلة مدة الإقامة، وأنه إذا جدد المقيم جواز سفره، في الموعد المحدد لهذا التجديد، فإن الإقامة المسجلة على الجواز تستمر صالحة للمدة التي حددها ترخيص الإقامة، والتي سدد المقيم رسومها، ولا يكون هناك من إثم على المقيم أو عقاب إذا لم يزود الإدارة المختصة بأنه جدد مدة صلاحية الجواز، فالمادة (12) لم تتطلب إلا "أن يظل الجواز صالحاً للعمل به".

والواقع أن هذا الشرط قد صيغ بحرفية ومهنية كاملتين، ولو أراد المشرع أن تقترن مدة الإقامة بمدة الجواز، لجاءت صياغة هذا الشرط على النحو التالي: بأن يكون جواز السفر صالحا للعمل به طيلة مدة الإقامة، وهو ما كان سوف يضع قيدا على الإدارة المعنية بعدم تجاوز مدة الإقامة الصادر بها الترخيص مدة الجواز، فإذا جاوزت مدة الإقامة مدة الجواز في هذه الحالة، فإن من يقع تحت طائلة العقاب، هو الموظف الذي خالف هذا الشرط.

فما قصة القانون القديم الذي تم تفعليه؟

سؤال يحسن أن تكون الإجابة عنه واضحة، وهو ما سنحاوله في مقال قادم بإذن الله. وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top