ما تبقى من «25 يناير»

نشر في 25-01-2015 | 00:01
آخر تحديث 25-01-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز تحل اليوم الذكرى الرابعة لـ"ثورة 25 يناير" المصرية، في وقت يبدو المصريون فيه منقسمين حول تلك "الثورة"، بحيث يعتبرها قطاع منهم "مؤامرة وخراباً"، في ما يراها قطاع آخر "حلماً تم إجهاضه"، ويؤكد قطاع ثالث أنها بداية لتغير إيجابي ستظهر عوائده مع الزمن.

بالمقارنة مع التوقعات الطموحة التي صاحبت تلك "الثورة" في أيامها الأولى، فإن إحساساً عميقاً بخيبة الأمل ينتاب كثيرين اليوم؛ إذ طرحت "25 يناير" مطالب واضحة محددة، بلورتها في شعارها المبهر، الذي ينادي بـ"عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية"، لكن أياً من تلك المطالب لم تظهر بوادر تحققه رغم مرور السنوات الأربع.

وفي المقابل، سيكون من الصعب جداً القول إن مصر لم تربح شيئاً من تلك "الثورة"، وإن اندلاعها إنما عرقل تقدم البلاد وأطاح استقرارها، وفتح الباب أمام مشروع "الإخوان" المريب، الذي كاد أن يغير هوية الدولة المصرية العريقة، ويأخذها إلى هاوية بلا قرار.

ثمة ما حققته "ثورة 25 يناير"، مما يمكن استثماره والبناء عليه، على النحو التالي:

أولاً: لقد تمت إطاحة حكم مبارك، وقد كان حكماً مستبداً وعاجزاً وفاسداً، عطّل طاقات البلاد ورهنها، وأورث قطاعات كبيرة بين المواطنين الفقر، والجهل، والمرض، وفرغ المؤسسات وأهانها، وجرّف الساحة السياسية والفنية والثقافية والعلمية، وهبط بمصر في مؤشرات التنمية البشرية، وزعزع مكانتها الإقليمية والدولية.

ثانياً: تم القضاء على مشروع التوريث الذي كان يتفاعل بقوة ودأب من أجل تمهيد الطريق أمام جمال نجل مبارك لتولي الحكم، وهو المشروع الذي عُدل من أجله الدستور، واستحدث لتنفيذه منصب "أمين لجنة السياسات" في الحزب الوطني الحاكم آنذاك، وشُكلت من أجله حكومة يهيمن عليها رجال أعمال مقربون من الوريث المفترض، وزورت من أجله انتخابات 2010 البرلمانية.

ثالثاً: خرج تنظيم "الإخوان"، وحلفاؤه من التيارات "المتأسلمة"، من دائرة التأثير السياسي، رغم جهودهم التي استمرت على مدى ثمانية عقود من أجل اللحظة التي يمكنهم فيها الهيمنة على مقدرات الحكم.

يمارس تنظيم "الإخوان"، وبعض حلفائه، بمساندة عدد من الدول، أعمالاً إرهابية أو يحرض ويشجع ويبارك احتجاجات وعنفاً ضد الدولة والمواطنين المصريين. ويشن هجمات إعلامية عبر وسائل إعلام مدعومة من حكومات معادية، أو عبر وسائط التواصل الاجتماعي، لكنه لا يحظى بأي دعم أو تعاطف شعبي خارج نطاق أنصاره وبعض من يدفع لهم الأموال ليحصل على معاونتهم في أنشطته غير المشروعة.

لم يعد هناك رؤية أو استراتيجية لدى تنظيم "الإخوان" سوى إفشال الدولة المصرية، وشن الهجمات ضد المواطنين المصريين، ومحاولة إرباك حياتهم.

ولأنه لا يستخدم سوى الأعمال الإرهابية والاحتجاج العنيف غير القانوني والدعاية السوداء، فإن مساحة تأثيره السياسي تتقلص يوماً بعد يوم، إلى حد يمكن معه القول إن عودة "الإخوان" إلى ممارسة السياسة كبديل محتمل لأي سلطة قائمة، أو كمعارضة وطنية ذات اعتبار، باتت أمراً شديد الصعوبة، ولا يمكن توقع حدوثه قبل عقد على الأقل.

رابعاً: تراجعت بدرجة واضحة قدرة أي لاعب سياسي يستخدم التصور الديني على التمركز في الواقع السياسي والاجتماعي المصري. وأصبح المواطنون المصريون أكثر قدرة على استيعاب ضرورة فصل التصور الديني عن التنافس السياسي، كما باتوا أكثر وعياً بالأساليب الملتوية التي تلجأ إليها الجماعات السياسية ذات الإسناد الديني للتلاعب بعواطف البسطاء من المتدينين لتحقيق مكاسب تقربهم من السلطة.

خامساً: أصبح لدى المصريين دستور منفتح وعصري يوفر الأساس التشريعي اللازم لتحقيق انتقال ديمقراطي، ويكرس مبدأ المواطنة، ويخلق توازناً بين السلطات، وينتصر لحقوق الإنسان الفرد، ويضمن حرية الإعلام، وهو الدستور الذي تم إقراره في شهر يناير من العام الماضي 2014.

سادساً: انتهى عهد الفرعونية السياسية؛ إذ لن يعود بمقدور أي رئيس جمهورية أن ينفرد وحده بالسلطات كلها، أو يفترض أنه بمنأى عن المحاسبة والعزل والخلع والعقاب في حال أخطأ أو ارتكب الجرائم.

وبسبب الدستور الذي تمت الإشارة إليه سابقاً، لم يعد بوسع أي رئيس جمهورية أن يبقى في الحكم أكثر من مدتين رئاسيتين، وأصبح بوسع البرلمان أن يمارس أدواراً واسعة في الرقابة على السلطة التنفيذية وفي تشكيل الحكومة ومحاسبتها وسحب الثقة منها أو منحها إياها.

سابعاً: لم يعد المصريون رعايا ومحكومين، بقدر ما أصبحوا مواطنين، يبحثون عن حقوقهم، ويحاسبون مسؤوليهم، ويطالبون بالإصلاح، ويضغطون على السلطة، ويبلورون المطالب، ويحققون مكاسب بالإلحاح والضغط.

ثامناً: لم يحصل الشباب الذين يشكلون النسبة الغالبة بين السكان المصريين على ما يجب أن يحصلوا عليه من حقوق سياسية واقتصادية بكل تأكيد، لكن منذ اندلعت "ثورة يناير" بات الحديث عن استحقاقات قطاع الشباب متصلاً بلا انقطاع، وقد تجلى ذلك في الدستور وبعض القوانين، كما تم منحهم تمييزاً إيجابياً في قانون انتخاب البرلمان، وحصلوا على فرص لشغل مناصب تنفيذية في أكثر من مجال. لقد زاد الوعي بقضية الشباب وأدوارهم المستحقة بدرجة لم تشهدها مصر من قبل.

تاسعاً: بوصفه شعباً غير مسيس كما يقول التاريخ، ولأنه عزف كثيراً عن المشاركة في الانتخابات، أو الحديث في السياسة، فقد كان لافتاً أن "ثورة يناير" خلقت اهتماماً كبيراً لدى الشعب المصري بالسياسة، وقد انعكس هذا الاهتمام في المشاركة في الأحزاب والأطر والفعاليات السياسية، والاهتمام بمتابعة التطورات السياسية عبر وسائل الإعلام، واتخذت الانتخابات والاستفتاءات منحى أكثر جدية، وزادت نسبة المشاركة فيها بشكل واضح.

تلك تسع إيجابيات يمكن أن يبني عليها المصريون في إطار سعيهم إلى الخروج من مأزقهم الراهن، واجتراح مستقبل جديد مستحق لأمة عريقة.

لكن ثمة سلبيات كثيرة أيضاً يمكن رصدها مع الاحتفال بالذكرى الرابعة لـ"25 يناير"، وثمة إخفاقات عديدة وقعت في طريق تلك "الثورة" الشائك والصعب؛ وهي إخفاقات وسلبيات لن تكون قادرة على تبديد معظم إنجازاتها.

* كاتب مصري

back to top