في الهند التقيت ذاتي

نشر في 22-12-2014
آخر تحديث 22-12-2014 | 00:01
 فوزية شويش السالم من الصعب أن تكتب عن شخص تعرفه تمام المعرفة ويكون قريبا جدا منك، وفي الوقت ذاته يجب أن تكون الكتابة بعيدة عن كل هذه المعرفة، أي منفصلة عن التحيز والمحبة الذاتية لهذا الشخص. ذلك ما حدث معي وأنا أقرأ أول كتاب لأروى الوقيان، صديقة ابنتي نوف، التي لها معزة تحتل مشاعري وقد تكون منحازة لها غصبا عن إرادتي فتؤثر في مصداقية كتابتي عنها، لكني بعد ما قرأت الكتاب وجدت تجربتها بحد ذاتها تستحق أن يُكتب عنها كتجربة إنسانية وكتابية، فهي على الصعيدين تعتبر منحنى وخطوة جديدة فيهما.

وسأبدأ أولا، في أسلوب الكتابة وطريقة عرض الكتاب الذي هو سيرة ذاتية لرحلة الكاتبة إلى الهند في مهمة تطوعية إنسانية لمساعدة ودعم الأطفال اليتامى والفقراء والمرضى الهنود۔

وبما أن أروى هي أصلا كاتبة صحافية، ولها عمود في جريدة الجريدة، ومحررة أيضا في وكالة الأنباء الكويتية"كونا"، فقد انعكست مهنتها على أسلوبها الكتابي، فأصبحت لغتها سلسة سهلة سريعة ومحددة في نقلها للمعلومة ولما تُريد طرحه بمباشرة، بعيدة عن أي تزويق لغوي أو شاعري أو تأويلي، لغة توصل ما تريد قوله بأسهل الطرق وأقربها إلى القارئ، وهو ما ناسب روح الكتاب.

وأعود الآن إلى مادة الكتاب، أي ما يتعلق برحلتها التطوعية الخاصة بالهند، بصراحة، استوقفتني المتاعب التي مرت بها وعايشتها مع فريق الطلبة الجامعي الكويتي المتطوع لهذه المهمة الإنسانية ذات الظروف الصعبة، المتمثلة في أفقر وأقذر المناطق البعيدة عن الحضارة ورفاهية الحياة، وخاصة إذا قورنت ببلدهم الكويت وطبيعة المعيشة المرفهة فيها، حينها ستصبح المقارنة صعبة عليهم والقدرة على التكيف أصعب بكثير عن غيرهم.

التعاطف الإنساني موجود لدى الجميع فكلنا إنسانيون، لكننا لا نحب المشقة، ندفع تبرعات نقدية أو عينية ونقف عند هذه الحدود، لا تتعدى ذلك، فالكل مستعد أن يدفع مبالغ نقدية وهو مرتاح في بيته ومكانه من دون مشقة التطوع والسفر والتعرض للإرهاق والأمراض والتعب، وهو ما قامت به أروى وزملاؤها من الشباب المتطوع.

أروى عاشت تجربة العطاء حتى النخاع بكل ما فيها من بؤس وفقر وقذارة، لأطفال يعيشون تحت خط الفقر بكل ما تعنيه الكلمة، واستطاعت هي وفريقها إعطاءهم القليل من الفرح بمساعدات قد تبدو نقطة في بحر الفقر الذي يحتاج إلى تعاضد دولي شامل بمخططات جادة قادرة على محو هذا العار عن جبين الإنسانية.

هناك نقاط مضيئة في الكتاب تكشف عن شفافية الكاتبة ومدى حسها بالآخر، فحين قدمت "بسكويت" لطفل قال لها هل تريدين بعضا منها؟

لعل أجمل ما في روح الفقراء هو عدم إدراكهم لحس الملكية، وكلما زاد الفقر انعدمت الخصوصية، فالذي لا يملك لا يعرف معنى الاستحواذ، فمن شدة الرفاهية يفرح المرفه عندما يكتشف إنسانيته عند معايشة فقراء العالم وهو الأمر الذي يعيد التوازن لديه.

وتكتب في جملة أخرى: "وهم يعيشون تحت خط الفقر بمراحل، ولا يمتلكون من حق المعيشة سوى التنفس أحيانا، وحتى هذا الحق يأتي ملوثا، ورغم ذلك يبتسمون، ويتقاسمون كل شيء تعطيهم إياه بكل حب، كيف لي أن أسأل بعد ذلك ما هو دينك، هل سأوقف تلك الخبزة التي ستشبع هذا الجائع فقط لأنه من دين آخر؟"

ومن الجمل التي استوقفتني أيضا، ما يخص اكتشاف الذات حين كتبت: " أعرف كم هو صعب أن تولد في بيئة عنصرية ولا تكون عنصريا، ولكن كم هو رائع أن تستوعب هذا الخطأ وتعمل على تصحيحه".

الكتاب لم يقتصر على الجزء الخاص فقط بالتطوع، فهناك أيضا كم وافر من المعلومات الخاصة في الهند، ومقارنة ما بين حياة ما تحت خط الفقر وحياة الثراء الفاحش، وهناك معلومات أيضا عن أماكن زارتها الكاتبة مثل تاج محل، والمسرح، والمولات، والمطاعم، وتعريفات عنها وعن عمل الصليب الأحمر والهلال الأحمر.

وأختم بكلمات أروى: "بعد هذه الرحلة اكتشفت أنه لا شيء يستحق فعليا كل هذه الهموم اليومية التي نعيشها، تعلمت كيف يجب أن أتواضع ومازلت أجد صعوبات بذلك أحيانا، تربيتنا على تعزيز مفهوم أن الكويتي يجب أن يتعامل بشيء من الكبر، إن لم يكن الغرور أحيانا، هي تحد يومي".

back to top