النقود القذرة والتنمية

نشر في 20-12-2014 | 00:01
آخر تحديث 20-12-2014 | 00:01
 سري مولياني إندراواتي أحرز العالم تقدماً كبيراً في العقود الأخيرة في الصراع ضد الفقر، وبينما تشارف سنة 2014 على نهايتها، فإن هناك مليار شخص (بمعدل واحد من كل سبعة أشخاص) لايزالون يعيشون على أقل من 1.25 دولار في اليوم.

والقضاء على الفقر يحتاج إلى جهد دولي وإيجاد الموارد لعمل ذلك، ومن الوهلة الأولى فإن ثمن ذلك باهظ جداً، فنحن نعرف أن المساعدات التنموية لن تكون كافية لإنهاء الفقر، وسيتطلب الأمر استثمارات من القطاع الخاص وجمع الضرائب في الدول النامية وغيرها من مصادر التمويل.

والحقيقة أن هناك أموالاً كافية في العالم لتحقيق ذلك، وأحد المصادر غير المتوقعة للثروة التي يمكن أن تؤدي دوراً كبيراً فيه، هو العرض الهائل للأموال القذرة: الأرباح غير المعلنة للشركات المتعددة الجنسيات، وعائدات الفساد، وأرباح مهربي المخدرات والأسلحة والبشر، وكل تلك الأموال مخبأة في حسابات مصرفية في الخارج «أوفشور» وفي شركات وصناديق ائتمان.

ومن الصعوبة بمكان الحصول على أرقام تتمتع بالمصداقية في ما يتعلق بكمية الأموال القذرة حول العالم، ولكن وفقاً لتقديرات مجموعة النزاهة المالية العالمية التي لا تستهدف الربح، فإن تريليون دولار تختفي من اقتصادات العالم النامي كل عام، وهي أموال تحتاج إليها تلك البلدان بشدة من أجل التنمية.

وإن هذا المبلغ هو الذي نحتاج إليه تقريباً من أجل سد الفجوة الضخمة في البنية التحتية التي تمنع العالم من التعامل مع التحديات التنموية الحيوية والتمدن السريع والتغير المناخي وخلق الوظائف، فالدول النامية والناشئة اليوم تستثمر نحو تريليون دولار كل سنة في البنية التحتية، وهي بحاجة إلى تريليون دولار إضافي كل سنة من أجل سد الفجوة، وهي خطوة ضرورية من أجل إنهاء الفقر المدقع بحلول سنة 2030.

لكن نقص تنفيذ الإجراءات المتعلقة بمكافحة غسل الأموال والشفافية الضريبية وقواعد مكافحة الفساد يحمي الجناة من الملاحقة القضائية، وهذا في نهاية المطاف يمنع الدول النامية من إيقاف تدفق الأموال إلى الخارج؛ ما يحرمها موارد ضرورية، وإن لهذه الخسائر بالنسبة إلى التلميذ في بورت برنس، والأمّ الجديدة في مقديشو، والمزارع في إكوتيبيك، أثراً فعلياً، فالصفوف المدرسية مزدحمة، والعيادات الصحية غير متوافرة، والموارد المائية غير كافية؛ ما يعني أن الفرص التي يجب أن تذهب إلى الناس تُسرق منهم.

ولحسن الحظ، فإن المجتمع الدولي قد استيقظ، فثمة مبادرة أطلقها وزراء المالية الأفارقة برئاسة رئيس جنوب إفريقيا السابق ثابو مبيكي تحقق في هذا الموضوع بالنسبة إلى القارة التي خسرت 1.4 تريليون دولار من تدفقات الأموال إلى الخارج في العقود الثلاثة الماضية.

وقد بدأت مجموعة العشرين أخيراً بالدعوة إلى عمل جماعي من أجل التحقق من أن الأعمال السيئة لا تعود بالنفع، وفي اجتماع عُقِد أخيراً في برلين وقعت الحكومات على صفقة لتضييق الخناق على التهرب الضريبي عبر الحدود، وهذه أخبار طيبة وخاصة للفقراء، ولكن لاتزال هناك العديد من العقبات، لذلك على العالم أن يركز على ثلاث قضايا حيوية:

أولاً: يجب على الدول النامية أن تبني مؤسسات فعالة تطبق الحكم الرشيد والشفافية والمساءلة، ويجب عليها محاربة الفساد والجريمة المنظمة وتطبيق أنظمة ضريبية فعالة أيضاً، وهذا يعتبر أمراً أكثر إلحاحاً في الدول الغنية بالموارد، والأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط وأوكرانيا تظهر كيف أن الاستيلاء على خزائن الدولة من أصحاب المصالح الشخصية يثير الصراع ويقوض ثقة الناس بالحكومة.

لكن الفساد وغسل الأموال والتهرب الضريبي هي مشكلات عالمية لا تحديات للدول النامية فحسب، وبالرغم من أن المؤسسات الوطنية الضعيفة وذات القدرة المحدودة على تطبيق القانون يمكن أن تسهّل البدء بتحويلات مالية غير شرعية، فنحن بحاجة إلى الإقرار بأن الأموال القذرة عادة ما ينتهي بها المطاف إلى مراكز مالية، وهي جهات لتمكين هؤلاء من عمل ما يريدونه تقريباً؛ ولهذا فإن التعامل مع هذه القضية يتطلب تعاوناً دولياً.

ثانياً: إن الأنظمة التي تحدد المالكين الحقيقيين للأموال غير الشرعية يجب أن يصار إلى تطبيقها، فبعد أن يتم استثمار تلك الأصول في شركات لا تتمتع بالشفافية تصبح خارج متناول السلطات الضريبية والمحققين، ومراراً وتكراراً فإن المستفيدين الحقيقيين أو مالكي الشركات وصناديق الائتمان المستفيدين يتمتعون بالحماية من الإفصاح بسبب قوانين وأنظمة تحمي المجرمين من غير قصد، وهذا يجب أن يتوقف.

أخيراً: إن نظاماً للتبادل التلقائي للمعلومات الضريبية بين البلدان سوف يحدّ من الأماكن التي يستخدمها أولئك المتهربون من الضريبة، والذين يقومون بغسل الأموال في إخفاء عوائدهم بكل سهولة، فقد التزم 90 بلداً تقريبا بالبدء في سنة 2017 بالتبادل عبر الحدود لمعلومات تتضمن بيانات عن أصحاب الحسابات وتفاصيل معيّنة تتعلق بودائعهم وأرصدتهم، وهي معلومات يمكن أن تساعد السلطات على تحديد عائدات الفساد والتعاملات المالية من خلال النشاطات والارتفاعات المشبوهة.

نحتاج إلى المزيد من العمل في سنة 2015 والفترة التي تليها، وقد بدأنا العمل فعلياً في البنك الدولي مع عملائنا في الدول النامية من أجل تحسين أنظمة الحكم لديهم، وكيفية تحصيل الضرائب ومكافحة الفساد واستعادة الأصول المسروقة، وإن عملنا سوف يستفيد بشكل كبير من التحرك الحالي لمزيد من التعاون الدولي في مكافحة التدفقات المالية غير الشرعية.

إن تغيير قوانين السرية المصرفية التي تحظى بالإعجاب يستحق كل هذا الجهد، فالفساد والتهرب الضريبي والاستيلاء على إيرادات الموارد الطبيعية تقوض حكم القانون، وتضعف النسيج الاجتماعي، وتؤثر سلباً في ثقة الناس بالمؤسسات، وتغذي الصراع وانعدام الاستقرار وتعيق خلق الوظائف، وهذه القوانين ليست غير قانونية فقط، لكنها غير أخلاقية كذلك، لكونها تُبقي الفقراء على حالهم.

* مديرة تنفيذية ومسؤولة العمليات في البنك الدولي، وهي وزيرة سابقة للمالية في إندونيسيا.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top