كيف طوَّر البعوض انجذاباً إلى رائحة البشر؟

نشر في 27-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 27-11-2014 | 00:01
No Image Caption
كانت أنثى البعوض، تعتمد دوماً على دم الإنسان لتغذي بيضها. فكان أسلافها يقتاتون على الحيوانات ذات الفراء. ولكن قبل آلاف السنين، قام عدد من هذه الحشرات الماصَّة للدم بخطوة ذكية: بدأ يلسع الإنسان ويستغله في مختلف أرجاء العالم، ناشراً الأمراض.
توضح ليسلي ب. فوسهول، بروفسورة في قسم روبن تشيمرز نيوشتاين ورئيسة مختبر روكفيلر للعلوم الجينية العصبية والسلوك وباحثة في معهد هوارد هاغز الطبي: {شكَّلت هذه خطوة تطورية جيدة. فنحن نقدّم نمط الحياة الملائم للبعوض. نملك دوماً الماء الذي يمكنه أن يتكاثر فيه، لا شعر يغطي جسمنا، ونعيش ضمن مجموعات كبيرة}.

بغية فهم الأسس التطورية لهذا الانجذاب، تفحَّصت فوسهول وزملاؤها الجينات التي تدفع بعض البعوض إلى تفضيل البشر. تشير اكتشافاتهم، التي نُشرت في عدد 13 نوفمبر من مجلة Nature، إلى أن البعوض الذي يفضل البشر ينجذب إلى الرائحة. تضيف فوسهول: {نمّى البعوض حباً لرائحة جسم الإنسان. وشكَّلت هذه خطوة أساسية في تركيزه علينا}.

بدأ السعي إلى فهم ما يجعل بعض البعوض يفضل البشر في منطقة راباي في كينيا. في ستينيات القرن الماضي وسبعينياته، لاحظ علماء كانوا يزورون هذه المنطقة نوعين مختلفين يعيشان على بعد بضعة أمتار. يميل البعوض الأسود، نوع فرعي يُدعى Aedesaegyptiformosus، إلى وضع بيضه في الخارج ويفضل لسع حيوانات الغابة. أما البعوض البني الفاتح، Aedesaegyptiaegypti، فيميل إلى التكاثر في الداخل في أبرقة الماء ويطارد البشر عموماً. تذكر فوسهول: {نظن أننا نستطيع أن نحصل على لمحة عمَّا حدث قبل آلاف السنين بتأمل حالة هذه القرية الصغيرة في كينيا لأن اللاعبين الأساسيين لا يزالون هنا}.

في عام 2009، سافرت كارولاين ماكبرايد، التي كانت آنذاك تتابع دروسها ما بعد الدكتوراه في مختبر فوسهول، مع بعض الباحثين إلى راباي للتحقق مما إذا كانت هاتان المجموعتان لا تزالان موجودتين هناك. فاستخدم الفريق حقناً لاستخراج اليرقات من ثقوب الأشجار في الغابة. كذلك نخلوا التراب في أوعية الأزهار والعلب المعدنية داخل منازل الناس للحصول عليها. وعندما عادوا إلى المختبر في نيويورك، ربوا هذه الحشرات واكتشفوا أن الملاحظات التي توصَّل إليها الباحثون قبل سنوات صحيحة: تتمتَّع الحشرات التي حصلوا عليها من داخل المنازل بلون بني فاتح. وإذا خُيّرت بين لسع إنسان أو فأر مختبر، تختار الإنسان بمعظمها. أما ما حصلوا عليه من الغابة، فبدا أسود وفضَّل فأر المختبر.

بغية تحديد الجينات المسؤولة عن تفضيل البعوض البشر، زاوج الباحثون نوعي البعوض هذين، مبتكرين آلاف الأحفاد المتنوعين جينياً، ثم عملوا على تصنيف البعوض بالاستناد إلى الرائحة التي يفضلها، وقارنوا بين المجموعتين.

تشير فوسهول: {أدركنا أن هذا البعوض طور حباً لرائحتنا}. لذلك ركّزت هي وزملاؤها بالتحديد على الجينات التي بدت أكثر بروزاً في قرون استشعار الحشرات التي تفضل البشر. تحتوي هذه البنى على بروتينات تُدعى مستقبلات الرائحة تلتقط الروائح المختلفة.

اكتشفت فوسهول وزملاؤها 14 جينة ترتبط بقوة بحب البعوض للبشر، إلا أن إحدى جينات مستقبلات الرائحة (Or4) بدت أكثر بروزاً. تذكر فوسهول: {بدت واضحة ومؤثرة جداً في حالة البعوض الذي يفضل البشر}.

قدّر الباحثون أن جينة Or4 تلتقط رائحة ما من روائح جسم الإنسان. وبهدف تحديد أي منها، طلبوا من متطوعين ارتداء جوارب طوال 24 ساعة. ومن ثم وضعوا تلك الجوارب التي تفوح منها رائحة كريهة في آلة مصممة لفصل الروائح إلى مئات من المواد الكيماوية الفردية التي تشكل رائحة جسم الإنسان. وتوصَّل الباحثون إلى مادة مطابقة واحدة تُدعى سولكاتون لم يلاحظوا وجودها في الجوارب التي ارتدتها فئران المختبر.

تُعتبر سولكاتون رائحة مهمة تمنح الإنسان رائحته المميزة. ولكن تتوافر على الأرجح روائح أخرى وجينات أخرى توضح انجذاب البعوض إلى البشر. فإضافة السولكاتون إلى رائحة فئران المختبر لم تجعل رائحة هذه الفئران أكثر جذباً للبعوض المحب للبشر. وتخطط ماكبرايد، التي تعمل اليوم في جامعة برينستون، للبحث عن عوامل أخرى كي توضح انتقال البعوض من حشرات غير ضارة تلسع الحيوانات إلى حاملة أمراض مميتة للبشر.

يشمل الانتقال من تفضيل الحيوانات إلى تفضيل البشر  مجموعة من التغييرات السلوكية: كان يجب أن يعتاد البعوض العيش حول البشر، دخول منازلهم، والتكاثر في ماء نظيف محفوظ في أبرقة بدل الماء العكر في ثقوب الأشجار. تقول فوسهول: «ثمة مجموعة كبيرة من الأمور على البعوض أن يبدلها في نمط حياته كي يعيش قرب البشر. لكن التقرير يقدّم لمحة جينية أولى عما حدث قبل آلاف السنين حين بدّل عدد من البعوض تفضيلاته».

back to top