ماثيو هيل... بلّوراته تنظّف كوكبنا!

نشر في 27-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 27-11-2014 | 00:02
حاز ماثيو هيل جائزة العلوم من رئيس الوزراء الأسترالي لعمله على بلورات كثيرة المسام تُعرف بأطر العمل المعدنية - العضوية. وهي قادرة على امتصاص ثاني أكسيد الكربون.
يعجز البعض عن التخلي عن حبه الطفولي لألعاب البناء. ماثيو هيل، عالِم كيمياء من منظمة الكومنولث للعلوم والأبحاث الصناعية، حوّل حبه لهذه الألعاب إلى مسيرة مهنية لامعة بعد انتقاله من قطع الليغو إلى الذرات.

عادت عليه المواد التي يبنيها في المختبر بجائزة مالكوم ماكنتوش عام 2014 ليصبح فيزيائي العام، علماً أن هذه إحدى الجوائز الخمس التي يقدمها رئيس الوزراء. وقد تسهم البلورات في حل المشكلة الأكبر في العالم بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من انبعاثات محطات الطاقة، مشكّلةً خزانات غاز لوقود مستقبلي، أو تصفي الملوثات من مصادر الماء.

أمضى هيل العقد الأخير في تطوير بلورات تُعرف بأطر العمل المعدني- العضوي. تبدو هذه أشبه ببلورات ملح بيضاء عادية. إلا أن الصور بالأشعة السينية تكشف سرها. تتألف هذه البلورات بمعظمها من مساحات فارغة، وتحتوي على مسام تفوق بنحو 10 مرات أي شيء على الأرض.

ثمة جدال دائر بين علماء الكيمياء حول مَن ابتكر هذه البلورات للمرة الأولى. يدعي البعض أنها تعود إلى خمسينيات القرن الماضي. وظل هذا الجدال أكاديمياً حتى التسعينيات حين اتضح لبعض الباحثين مدى فاعلية هذه المواد الكثيرة المسام. فهي تشكّل إسفنج العالم الذري: حدّد الغاز الذي تريد وتستطيع هي امتصاصه.

عندما بدأ هيل عمله قبل نحو عقد، كانت هذه البلورات لا تزال في المهد. فقد صُنعت منها مجموعة صغيرة جداً، وكان علماء الكيمياء ما زالوا يعملون على طرق لتحسين خصائصها بغية استخدامها لأغراض محددة. وقد حصل هيل على الجائزة لأنه أسهم في تحويل البلورات إلى أداة صناعية.

عندما تصوّر بالأشعة السينية هذه البلورات، تلاحظ أنها تشبه قطع لعب صغيرة تُدعى Tinkertoys تشبه سقالات البناء. تتألف القضبان فيها من مكونات عضوية، أما الذرات المعدنية فتشكّل المفاصل. هكذا تتحوَّل هذه إلى ما يشبه الأقفاص النانوية المكدسة.

باستخدام مكونات معدنية وعضوية مختلفة، يستطيع هيل تعديل هذه الأقفاص بغية استعمالها لأغراض مختلفة. على سبيل المثال، إذا أردت تخزين الهيدروجين (التطبيق الذي انطلق منه هيل)، تجعل الثقوب أصغر لتحرص على تحوّل القفص إلى شرك ملائم يحتجز جزيئات هذا الغاز الصغيرة. ويبدو التفاعل بين القفص وبين الغاز بالغ القوة. حتى إنك تحتاج إلى الحرارة أو الفراغ لتتمكن من إخراج الغاز منه. ولا شك في أن هذه طريقة أكثر أماناً من تخزين الهيدروجين في خزان مضغوط قد ينفجر إن تمزق.

أو تستطيع أن تمنح هذه البلورات بعض الخصائص الذكية كي تتفاعل مع محفزات محددة. تخيل مادة تمتص ثاني أكسيد الكربون من غاز وقود محطات الطاقة مثل الإسفنج. وعندما تعرضها لنور الشمس، تنكمش وتُطلق غاز الدفيئة المحتجز داخلها. تستخدم بلورات هيل التي تمتص ثاني أكسيد الكربون أدوات وصل عضوية يتبدَّل شكلها عندما تتعرَّض للأشعة ما فوق البنفسجية بغيه إخراج الغاز منها. يذكر هيل: {يخرج نحو 80% من الغاز في الحال}. ولا شك في أن هذا مفيد جداً نظراً إلى أن المواد التقليدية التي تمتص الكربون تحتاج إلى مقدار كبير من الطاقة لتعيد تحرير الغاز المحتجز، حتى إن هذه العملية تستهلك نحو 20% من الطاقة التي تولدها المحطة.

صحيح أن استخدام نور الشمس قد لا يكون حلاً عملياً لاحتجاز الكربون على مستوى صناعي، إلا أن هيل يوضح أنه يعمل على مواد بلورية ذكية بديلة تطلق الغاز بالتفاعل مع محفزات أخرى.

عندما بدأ هيل عمله قبل نحو عقد، كانت فكرة صنع خزان وقود لاحتجاز الهيدروجين من البلورات مجرد حلم. يخبر هيل: {كان إعداد غرام من هذه المواد مهمة شاقة}. نتيجة لذلك، عمل على تصميم مفاعل ينتج هذه البلورات بكمية أكبر. فصار يُدخل المواد الخام في أحد طرفي مفاعل أنبوبي ساخن حيث تمتزج معاً في ظل ظروف مضبوطة بدقة، ليخرج بعد ذلك المنتج النهائي من الطرف الآخر. وهكذا صار ينتج نحو 460 غراماً في الساعة.

نسخة تالية

كانت النسخة التالية من مفاعله أكبر بنحو 10 أضعاف. وكلما سهل صنع هذه البلورات، انخفض ثمنها. عندما بدأ بيع البلورات هذه قبل بضع سنوات بكميات مخصصة للأبحاث فحسب، بلغ ثمنها مئة دولار للغرام. لكن هيل يتوقع أن يخفض مفاعله السعر بنحو 10 آلاف ضعف. يقول: {عندما نبلغ هذا المستوى، قد نتمكن من استخدامها في الصناعة}.

يراقب عالم الصناعة عن كثب أحد أوجه عمل هيل. فبالإضافة إلى تخزين الغاز، تتمتع البلورات بخاصية مفيدة أخرى. فبفضل بنيتها المنتظمة وثقوبها المتطابقة في مختلف أنحائها، تشكل منخلاً ممتازاً يُعتبر مثالياً لتصفية شوائب النيتروجين وثاني أكسيد الكربون من الغاز الطبيعي.

تستخدم الصناعات أغشية مسامية لتستخرج هذه الملوثات قبل أن يُضخ الغاز الطبيعي إلى المنازل والمصانع. إلا أن هذه الأغشية تتمزق بسرعة ومن الضروري استبدالها في غضون أسابيع. ولكن إذا أضيفت هذه البلورات إلى الأغشية، تقوي بنيتها وتطيل مدة استعمالها إلى بضع سنوات.

أثارت أنظمة تنقية الغاز الطويلة الأمد إعجاب كريستيان دومان، باحث يدرس هذه البلورات في جامعة أديلايد. يشير: {قد تقود هذه إلى تطورات تبدل بعض الخطوات في العمليات الصناعية}. لكنه يضيف، مؤكداً أن استعمالات هذه البلورات الصناعية المحتملة لا تعد: {نُشر أول بحث عن هذه البلورات عام 1998، لذلك لا يتخطى عمر هذا المجال الخمس عشرة سنة، وما زال ينمو}. ويوافقه هيل الرأي، قائلاً: {لا حدود لاستعمالاتها إلا مخيلتنا وقدرتنا كعلماء كيمياء}.

back to top