صحوة أوباما في السياسة الخارجية

نشر في 24-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 24-11-2014 | 00:01
إذا نجح أوباما في التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة يشمل المنطقة كلها، «شراكة عبر الهادئ»، فسيكون قوّى مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في آسيا، ولاشك أن القادة الجمهوريين في "الكونغرس" سيدعمون صلاحياته لإكمال المفاوضات، ضاغطين بالتالي على الديمقراطيين المترددين .
 نيكولاس بيرنز تبدو عناوين الأخبار الدولية مخيفة في نظر الأميركيين، فقد ذكّرنا الاعتداء الفلسطيني في القدس مجدداً بالكره والعنف المستشريين اللذين يحكمان شوارع الشرق الأوسط راهناً، كما لا يزال مرض إيبولا يتفشى في ثلاث دول فقيرة في غرب إفريقيا، كذلك فإن روسيا تواصل عدوانها الذي لا يرحم على شرق أوكرانيا. لا عجب، إذن، أن يتطلع أوباما إلى آسيا بصفتها المنطقة التي لطالما أراد الاستدارة نحوها، والتي تتوافر فيها فرص إيجابية، أو حتى تاريخية، للسياسة الخارجية الأميركية.

تُعتبر رحلة أوباما الأخيرة إلى الصين، وميانمار، وأستراليا الأكثر نجاحاً خلال عهده، وكانت المرحلة الأهم فيها بكين، حيث أعلن أوباما والرئيس الصيني كسي جينبينغ اتفاقاً ثنائياً بشأن التغيرات المناخية التزما فيه بالقيام بتخفيضات كبيرة في انبعاثات الكربون وتحديا بفاعلية سائر دول العالم للتوصل إلى اتفاق عالمي عام 2015، بالإضافة إلى ذلك، اتفق أوباما وكسي على تدابير شفافية ملحة بين القوات المسلحة الأميركية والصينية في آسيا، فضلاً عن اتفاقات مهمة بشأن التجارة وتأشيرات السفر.

يبقى المشجع بشأن الصفقة المناخية أن الولايات المتحدة والصين تتعلمان مواجهة التحديات العالمية معاً، ويؤكد هذا تصميم أوباما بدءاً من قمة سانيلاندز بكاليفورنيا عام 2013 على بناء علاقة عمل أقوى مع كسي، القائد الصيني الأقوى والأكثر ثقة بالنفس منذ عهد دنغ شياو بينغ.

علاوة على ذلك، يعود الفضل غير المباشر إلى أوباما في عقد أول اجتماع بين الخصمين الآسيويين، كسي ورئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، ولا شك أن جلسة تصويرهما العشوائية أمام عدسات وسائل الإعلام بدت معبرة جداً، فصحيح أن هذين القائدين الوطنيين لا يحبان أحدهما الآخر كثيراً، إلا أنهما تراجعا عن عرض عضلاتهما في مسألة جزر سينكاكو في بحر الصين الشرقي. وبالتأكيد خلال فصل الربيع الماضي ستتمسك الولايات المتحدة بالتزاماتها الدفاعية تجاه اليابان في حال وقع صراع في تلك المنطقة، لذا بعث أوباما بإشارة مهمة إلى الصين هدفها نزع فتيل الأزمة.

إذا نجح أوباما في التوصل إلى اتفاق بشأن التجارة الحرة يشمل المنطقة كلها، "شراكة عبر الهادئ"، فسيكون قوّى مكانة الولايات المتحدة الاستراتيجية في آسيا إلى حد كبير، ولاشك أن القادة الجمهوريين في "الكونغرس" سيدعمون صلاحيات الرئيس لإكمال المفاوضات، ضاغطين بالتالي على الديمقراطيين المترددين جداً لدعمه أيضاً.

تعتمد قدرة أوباما على مواصلة سعيه لتحقيق النجاحات في مجال السياسة الخارجية على تفوقه ببراعة على خصمين خلال الأسابيع التالية، ففي قمة مجموعة العشرين في أستراليا، حذر أوباما الرئيس الروسي العدائي من مواصلة تقديمه الدبابات وحاملات الجنود المدرعة للانفصاليين الموالين لموسكو في شرق أوكرانيا (انتهاك سافر لميثاق الأمم المتحدة)، لكن بوتين سيعتبر هذا مجرد تحذير عابر ما لم يبذل أوباما جهوداً أكبر لإقناع الأوروبيين المترددين بتوسيع العقوبات الاقتصادية ضد موسكو. علاوة على ذلك، يجب أن يعيد أوباما النظر في رفضه إرسال السلاح إلى الحكومة الأوكرانية المحاصرة، فالطريقة الوحيدة لمواجهة حكام مثل بوتين تقوم على مواجهتهم بقوة وضغط مماثلين.

أما التحدي الثاني، فيشمل التعاطي مع المفاوضات الدولية بهدف وقف طموحات إيران النووية العسكرية، إذ برع أوباما في استخدام الدبلوماسية القسرية ضد القائد الأعلى الإيراني علي خامنئي، وساهمت العقوبات القاسية التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في إرغام إيران على القبول باتفاق قبل سنة يجمد برنامجها النووي. وإذا لم تتوصل الأطراف المعنية إلى اتفاق نهائي بحلول المهلة الأخيرة (اليوم)، فقد يضغط كثيرون في الكونغرس على أوباما بغية تعليق المحادثات والقبول بجولة جديدة من العقوبات. نتيجة لذلك، تكون مناورة أوباما الأذكى المضي قدماً في تجميد برنامج أيران النووي ومواصلة المحادثات مع طهران، فإذا حقق الكونغرس مبتغاه، فلا شك أن إيران ستستأنف إنتاج اليورانيوم العالي التخصيب، ما يسلب الولايات المتحدة ما حققته في المحادثات حتى اليوم، إذن، لاتزال الدبلوماسية الوسيلة الفضلى للتعاطي مع حكومة إيران الصعبة.

لا شك أن طريق أوباما صعب، ولكن مازال أمامه سنتان في سدة الرئاسة، وهو متسلح بصلاحيات دستورية كبيرة تتيح له تحديد مسار السياسة الخارجية، مع أنه خسر مجلس الشيوخ للجمهوريين، لذلك يخطئ النقاد باعتبار أوباما خارج اللعبة.

(بوسطن غلوب)

back to top