إيران لا تحتاج إلى السلاح النووي لتشكل خطراً

نشر في 23-11-2014
آخر تحديث 23-11-2014 | 00:01
انشغل مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالتطورات داخل حدوده والحروب المستعرة في شماله، فأهمل الحكومة في صنعاء، نتيجة لذلك، صارت إيران تتمتع اليوم بتأثير واسع جداً في حكومة إحدى أكبر الدول في شبه الجزيرة العربية.
 ذي ناشيونال يعلن الإيرانيون والأميركيون أنهم سيقدمون في أقل من أسبوع جواباً عن برنامج إيران النووي، إلا أنهم لن يحققوا أي هدف غير إثارة المزيد من الأسئلة.

يستمر الجدال الدبلوماسي بشأن برنامج إيران النووي منذ سنوات، غير أننا شهدنا خلال السنة الماضية سعياً حثياً من القوى الغربية (ما يُدعى مجموعة 5+1) وإيران (التي سئمت العقوبات) على حد سواء، ويشير الدبلوماسيون إلى أنهم توصلوا إلى توافق بشأن 95% تقريباً من المسائل، لكن حل الخمسة في المئة المتبقية يبدو مستحيلاً.

إذن، مع الاقتراب إلى هذا الحد من التوصل إلى اتفاق وسير الأمور على خير ما يُرام، أليس من المعيب أن تواصل دول الخليج العربي تعبيرها عن استيائها من احتمال التقرب من إيران؟ وإذا تراجع احتمال أن تطور إيران أسلحة نووية، أفلا تعود إيران تشكل خطراً يهدد دول الخليج؟

لكن قراءة الوضع على هذا النحو خطأ بالتأكيد، فرغم الخطاب الإيجابي الذي عبر عنه وزير خارجية سلطنة عمان خلال مقابلة معه الأسبوع الماضي، حين أعلن أن أي اتفاق بين إيران والغرب يخدم مصالح الخليج أكثر منه إيران، مازال الجو العام في كواليس الخليج عكراً، ويعود ذلك إلى أن إيران لن تتحول إلى خطر يهدد دول الخليج بتطويرها أسلحة نووية، بل تُشكل اليوم خطراً قائماً.

لا نبالغ بقولنا هذا، فخلال العقد الماضي، وسّعت إيران باستمرار نفوذها في الشرق الأوسط، علماً أنها حازت أخيراً دعم الولايات المتحدة السري في ذلك.

حدث "الانفجار الكبير" في مطلع القرن، حين دمّرت الولايات المتحدة بطيب خاطر اثنين من أعداء إيران، وكشفت التقارير اللاحقة (وخصوصاً كتابات ديكستر فلكنز من مجلة New Yorker) كم كانت العلاقة عميقة بين البلدين خلال الحرب ضد "طالبان"، فلم تكن تلك مجرد علاقة بسيطة أو عابرة، بل شكلت تعاوناً عميقاً. شهدنا الأمر عينه في العراق، مع أن كلا الطرفين لم يتصرفا بنزاهة.

دعم الإيرانيون الأميركيين ضد صدام حسين، ومن ثم ضد الأوفياء له، ليسعوا بعد ذلك إلى تقويضهم، ولاشك أن غموض هذه الحرب والصفقات في الكواليس، التي وسعت نفوذ إيران داخل العراق، سمما العلاقات بين السنة والشيعة طوال جيل.

عندما انفجر الربيع العربي، سارع الإيرانيون إلى التدخل، وخصوصاً في سورية واليمن، وفي هذا الأخير، بدا أولاً أن الاتفاق الذي لعبت فيه دول الخليج دور الوسيط يهمش الثوار الحوثيين، غير أن جهود إيران المتواصلة أثمرت أخيراً، إذ اكتسب الحوثيون، مع أنهم قليلون، حق النقض في الحكومة اليمنية.

انشغل مجلس التعاون لدول الخليج العربي بالتطورات داخل حدوده والحروب المستعرة إلى شماله، فأهمل الحكومة في صنعاء، نتيجة لذلك، صارت إيران تتمتع اليوم بتأثير واسع جداً في حكومة إحدى أكبر الدول في شبه الجزيرة العربية.

كل هذا ولم نناقش بعد مسألة سورية، حيث أدى دعم إيران نظام حكم الأسد إلى زعزة استقرار المنطقة بأكملها وشرد الملايين، لتشكل هذه الوقائع خلفية أساسية لفهم وجهة نظر دول الخليج.

لا داعي لأن يحل الوقت الذي تشكل فيه دولة إيران المتسلحة نووياً خطراً في مضيق هرمز: تشكل إيران اليوم خطراً، ساعيةً تدريجياً لتطبيق سياسات تحد من أمن الخليج واستقراره. ولهذا السبب تعتبر دول الخليج العربي الصفقة النووية مصدر قلق، ففي السعي لتحقيق نصر في السياسة الخارجية في عهد باراك أوباما، تعاطت الإدارة الأميركية باحتقار مع علاقات عمرها عقود، في وقت تتطلع دول الخليج إلى الولايات المتحدة لضمان أمنها في المنطقة: فما الرسالة التي يوجهها الأميركيون حين يغافلون حلفاءهم ويسعون إلى عقد صفقة مع طهران؟

كما كتب حسين إيبيش في هذه الصحيفة قبل أيام، يسود في الخليج العربي شعور بأن الولايات المتحدة تقبل سراً بنطاق نفوذ إيران، نطاق يحاصر حلفاء تقليديين في الخليج العربي.

إذا عُقد اتفاق مع إيران هذا الأسبوع، فلا شك أن كثيرين في الغرب سيهنئون أنفسهم على فاعلية تلك الدبلوماسية واستعمال العقوبات الناجح. لكن الجو العام في الخليج لن يكون مشرقاً. لم نواجه أي مشكلة مع الشعب الإيراني بحد ذاته أو مكانة إيران كدولة شيعية بارزة، فالمشكلة سياسية برمتها، وعندما ينتهي الدبلوماسيون والسياسيون في الغرب من تبادل مصافحات الفرح، سينسون أمر الشرق الأوسط، ولكن بالنسبة إلى العرب في الخليج، ستستمر المشاكل مع حكومة طهران.

* فيصل اليافعي | Faisal Al Yafai

back to top