«الإخوان»... وبضاعتهم المغشوشة

نشر في 23-11-2014 | 00:01
آخر تحديث 23-11-2014 | 00:01
 ياسر عبد العزيز في شهر يونيو الماضي، انتشر ملصق في العديد من شوارع مختلف المحافظات المصرية، يحمل عبارة "هل صليت على النبي اليوم؟"؛ وهو الملصق الذي آثار جدلاً كبيراً على أكثر من مستوى.

تفيد مسوح موثوقة أُجريت بواسطة بعض أهم مؤسسات استطلاعات الرأي في العالم أن المصريين بين أكثر شعوب الأرض إظهاراً للتدين، وهو أمر يمكن أن يلحظه أي متابع لسلوكهم وطقوسهم والطرق التي يعبرون بها عن أنفسهم.

لذلك، فقد أثار هذا الملصق ارتياباً كبيراً، إذ يصعب جداً الاعتقاد بأن المصريين ينتظرون من يذكرهم بضرورة الصلاة على الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، في ما ألسنتهم تلهج بمدحه والصلاة عليه في مختلف الأوقات والمناسبات.

ولم يكن مفهوماً بالطبع أن يتم تخصيص موارد كبيرة، لطبع ملايين الملصقات الفاخرة، وبذل جهود ضخمة، من أجل لصقها على جدران بلد مترامي الأطراف، يسكنه نحو 90 مليون مواطن، لمجرد تذكير الناس بأحد أكثر الأشياء التي يتذكرونها ويواظبون على أدائها.

وبعد بحث عميق وتحريات وتحقيقات، تبين أن تنظيم "الإخوان" وبعض حلفائه في اليمين الديني المتشدد وراء تلك الملصقات، بهدف إعادة التواصل مع الشارع الذي لفظهم وطردهم من الحكم، عبر استخدام أحد مفاتيح الشخصية المصرية وأكثرها فاعلية وتأثيراً... العاطفة الدينية.

يصعب جداً على أي نظام حكم أو فصيل سياسي أن يحقق تمركزاً وشعبية أو درجة من الاستقرار في مصر من دون أن يوظف العاطفة الدينية لشعبها بطريقة أو بأخرى؛ وهو الأمر الذي أدركه "الإخوان" مبكراً واستخدموه شر استخدام، حتى إن شعارهم التقليدي الأثير كان يقول: "الإسلام هو الحل".

حين أتى الإسكندر الأكبر إلى مصر لم يتمكن من توطيد حكمه، وكسب ولاء المصريين إلا عندما أظهر الاحترام الكبير لدينهم، وذبح القرابين لآلهتهم، بل فعل أكثر من ذلك حين ذهب إلى معبد آمون في سيوة، بقلب الصحراء الغربية، وأعلن نفسه ابناً لآمون، وعندها حصد ولاء المصريين وعطفهم، كما تمتع بإخلاص الكهنة ودعمهم.

الشيء نفسه فعله نابليون بونابرت حين غزا مصر عام 1798، فقد أصدر بياناً قال فيه إن "الفرنسيين أنصار النبي"، وطالب المصريين بأن يصدقوا أن رجال حملته "مسلمون"، كما وضع عمامة على رأسه، وسعى قواده إلى إقناع الأعيان والعلماء المصريين بأنه اعتنق الإسلام، وهكذا فعل أيضاً الجنرال "جاك مينو"، الذي خلف الجنرال "كليبر" في قيادة الحملة الفرنسية، وأعلن إسلامه، وأطلق على نفسه اسم "عبدالله مينو".

لا يختلف هذا عما فعلته الدعاية النازية، في مطلع الأربعينيات من القرن الماضي، حين أفهمت المصريين أن هتلر أعلن إسلامه، وصار اسمه "محمد هتلر"، وهو الأمر الذي أجج المعارضة الوطنية للمحتلين البريطانيين، الذين كانوا يخوضون معركة مصيرية مع الألمان على أطراف الحدود الغربية للبلاد.

وبالطبع، فإن أسرة محمد علي استغلت العواطف الدينية للمصريين استغلالاً واضحاً، حتى إن الملك فؤاد الأول سعى جاهداً لكي يعلن نفسه "خليفة للمسلمين"، رغم أنه لم يكن يجيد التحدث باللغة العربية.

أما الرئيس السادات فقد كان أكثر استخداماً للعواطف الدينية للمصريين، حيث لقب نفسه بـ"الرئيس المؤمن"، وأدخل تعديلات على الدستور جعل فيها "الإسلام دين الدولة"، وأسبغ على عصره الكثير من مظاهر التدين الشكلي، وأتاح الفرص للجماعات الدينية للعب أدوار سياسية واسعة، بعدما تم إقصاؤها عن المشهد في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بقسوة.

تشير تلك الوقائع، وغيرها الكثير، إلى أن معظم أصحاب المآرب السياسية سعوا إلى استخدام عاطفة المصريين الدينية ليكسبوا أرضاً ويجدوا طريقة للتأثير في المصريين والنفاذ إلى وجدانهم ومن ثم الوصول إلى عقولهم وتوجيه سلوكهم، حتى إن بعض الأحزاب الشيوعية لم تجد بداً من استخدام الطريقة ذاتها رغم تعارضها الجوهري مع المنطلقات الأيديولوجية لها.

لكن ما جرى في أعقاب "ثورة 25 يناير" أدى إلى زيادة وعي المصريين، حتى في الطبقات البسيطة والدنيا، بضرورة عدم الاستسلام لتلك الألاعيب، خاصة بعدما جربوا حكم "الإخوان"، وأدركوا، من خلال التجربة العملية، أن الدين لم يكن سوى مطية حاول هذا التنظيم استخدامها من أجل الوصول إلى السلطة، وعرفوا أن طريقة "المتأسلمين" في ممارسة الحكم لا يمكن أن تتسق أبداً مع قيم الإسلام السمحة ولا تعاليمه السامية.

ورغم ذلك، فإن تنظيم "الإخوان" وحلفاءه سقطوا في خطأ كارثي جديد يكشف عن "غباء سياسي حاد"؛ إذ أعلنت الجماعات المناهضة لمسار 3 يوليو في مصر، عن "ثورة إسلامية" مزعومة، يوم 28 نوفمبر الجاري، يرفع فيها المتظاهرون المصاحف.

ليس هناك أبلغ من رد الأزهر الشريف على تلك الدعوة المأزومة؛ إذ قال بيان لتلك المؤسسة العريقة إن الدعوة إلى رفع المصاحف في التظاهرات ليست سوى "إحياء لفتنة قصمت ظهر الأمة".

تستعيد دعوة "الإخوان" وحلفائهم لرفع المصاحف في التظاهرات ذكرى الفتنة الكبرى، التي رُفعت خلالها المصاحف، بغرض شق الصف وإحداث الفتنة وتحقيق الغرض السياسي، وليس إجلالاً لها وتكريماً واقتداءً بما ورد فيها من حض على اللحمة وهداية وتأكيد على الصدق ورفض للزيف والكذب والرياء.

"الإخوان" لا يتعلمون، وفي تلك المرة هم يقامرون بكل شيء تقريباً، وهدفهم الأساسي هو إحداث فتنة حقيقية، يريدون لها أن تشتعل حينما سيختلقون الوقائع ويزيفون الحقائق ويدّعون أن سلطات الأمن "أهانت المصاحف" لا قدر الله.

يريد "الإخوان" أن يحدثوا فتنة كبيرة، عبر استخدامهم المزري لعاطفة التدين لدى المصريين، وهو أمر يعكس يأسهم، ويكشف أنهم باتوا عاجزين عن بلورة أي خطاب سياسي يمكن أن يسمعه الناس ويؤثر فيهم، ولم يعد أمامهم غير الغرائز والألعاب القديمة.

على عكس ما يأمل "الإخوان"، وبخلاف ما حصل مرات عديدة على مر التاريخ، فإن المصريين في تلك الأثناء باتوا يدركون أن رفع المصاحف ليس سوى يأس من "الإخوان" وخيبة وانتهاز ورياء.

لن تحدث الفتنة لأن المصريين تعلموا من دروس التاريخ، ولن ينجح "الإخوان" في الحشد والتعبئة، لأن بضاعتهم بائرة ومغشوشة، ولم يعد هناك أحد يمكن أن يشتريها.

* كاتب مصري

back to top