عائلة كردية في حالة حرب... ثلاثة أجيال مع البيشمركة

نشر في 19-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 19-11-2014 | 00:02
تعيش عائلة توفيق في حالة حرب دائمة منذ نهاية الخمسينيات، مع الجد خورشيد وابنه ديديوان وحفيده زيران. فللعائلة كلها عناصر في البيشمركة الكردية. ثلاثة أجيال تحارب اليوم عدواً جديداً: الدولة الإسلامية.
الجد خورشيد توفيق في السادسة والستين، قصير القامة بشعر أسود كث وشاربين مخططين ومصبوغين. وهو يفضّل دوماً أن يرتدي الزي التقليدي الكردي. ها هو الآن على كرسيّه المفضل، متناولاً السكاكر ومسترسلاً في سرد حكاياته المفضلة.
يتلو الجد حكايات عن الكمائن، والمعارك، والإصابات والأطفال المبتوري الأعضاء، والنساء اليائسات وعن رجال رووا الأرض بدمائهم، وفق قوله. إنها قصصٌ من كردستان، أرض المحاربين الذي يجابهون الموت في عرينه بشجاعةٍ منقطعة النظير. إنها قصصٌ وبطولاتٌ عن البيشمركة. هذه قصة عرضتها {شبيغل}.
إنه يوم عطلة في أربيل، المساجد تنادي إلى صلاة العصر. في غرفة صغيرة اجتمعت النسوة لتحضير طبق الأرز والخروف مع اللبن والخيار. وفيما يمضي خورشيد توفيق في حكاياته، يجلس ابنه ديديوان توفيق (45 عاماً) قبالته وهو ضابط بنجوم ثلاث في جيش البيشمركة. إلى جانبه ابنه زيران البالغ من العمر 23 سنة. والأخير كان يريد امتهان المحاماة. كان ذلك قبل انضمامه إلى البيشمركة للتدريب طبعاً. يصغي الوالد والابن إلى الجد باحترام كبير، فيما يسرد تفاصيل عن حياته، وتقطع حديثه بين الحين والآخر ضحكات وقهقهات وصيحات إعجاب من السامعين المذهولين بالقصص. لقد سمعوا هذه الحكايات مراراً وعلى مدى سنين. الجد والابن والحفيد من البيشمركة. ثلاثة أجيالٍ متتالية خاضت حروباً قاسية صعبة رغم سنواتٍ طويلة من التجاهل الدولي. في نهاية المطاف، من يولي اهتماماً للأكراد؟ ولكن القصة اختلفت اليوم. بين ليلة وضحاها تحوَّل الأكراد في شمال العراق ومحاربو البيشمركة إلى أمر بالغ الأهمية. وهكذا تدفقت شاحنات الأسلحة إلى المنطقة، ألمانيا وحدها ترسل أسلحة بقيمة تتخطى الـ87 مليون دولار من الصواريخ، والبنادق، والقنابل العنقودية، وما إلى ذلك.

لم تكن ألمانيا {ما بعد الحرب}، لترسل أي سلاح إلى أيّ بقعة في العالم. ولكننا هنا أمام استثناء. فقوات الدولة الإسلامية غير بعيدة من هنا وفجر الغد، سيقود ديديوان سيارته إلى هناك للمشاركة في المعارك. سيصطحب معه ابنه ووالده.

ثلاثة من الرجال على الكنبة أمامي منخرطون في الحرب للزود من أهلهم وشعبهم، ولكن أيضاً لحماية مصالح الغرب. وكلما زادت بربرية الدولة الإسلامية كلما فتك عناصرها بالأزيديين، وكلّما قطعوا رؤوساً للأجانب كلّما ازدادت أهمية البيشمركة.

عائلة تقليدية

فيما كان خورشيد يتكلَّم، دخلت حفيدته هيا البالغة من العمر سنتين. حملها الجد بيدين قويّتين وأجلسها في حضنه مداعباً خصلات شعرها، ثم أكمل  سرد قصة عائلة كردية تقليدية.

ولد خورشيد توفيق في العام 1945 في قرية بيباني على مقربة من كركوك، وهو آخر عنقود في عائلة مكونة من خمسة أولاد. في تلك الفترة، كانت آمال حصول الأكراد على بلدٍ خاص بهم ضئيلة للغاية. حين رُسمت السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، تُرك الأكراد خاليي الوفاض. ترعرع خورشيد في بيتٍ حجري كبير، تحيط به مزرعة فيها الخراف والماعز والأحصنة والدجاج. ما يكفي لتأمين قوت عائلةٍ صغيرة. ولكن أقرب مدرسة كانت على بعد سبعة كيلومترات من بيته. {لم أقصد المدرسة. لم أتعلّم القراءة والكتابة إلا بعد فترة طويلة لاحقاً}، يقول. ويكمل: {لكنني أقسمت أن أولادي سيرتادون المدارس!}.

ببلوغ عامه الثامن، كان خورشيد قادراً على حلب الماعز وركوب الأحصنة واصطياد الأرانب. {كنت دوماً باحثاً عن المغامرات}، يعلّق قائلاً بثقة. حين بلغ الثانية عشرة، وصلت مجموعة من البيشمركة إلى القرية. كان مفتوناً بمظهرهم وما لبث أن تجاذب معهم أطراف الحديث ليعلم فوراً ما يخبئه له القدر. لم يقبلوه في صفوفهم قبل بلوغ عامه السادس عشر، وذلك فقط بصفة {شايجي}، أي مقدّم الشاي والمهتم بالتنظيف. {كرهت ذلك العمل}، يشير بامتعاض. {كنت أرغب في القتال ولكن لم تكن عندي بندقية!}، يتذكر.

انضم إلى البيشمركة حين كان عنصران يتغيران لصالحها. أولاً، وجد الأكراد قائدهم الحماسي بشخص مصطفى بارزاني، والد الرئيس الحالي، الذي برهن عن حنكة سياسية منقطعة النظير لاحقاً. ثانياً، كان العراق في حالة توتر، مع إطاحة مجموعة من الضباط القوميين الملكية قبل ثلاث سنوات.

أطلق بارزاني ثورةً كردية، بستمئة عنصر فحسب في البداية، ولكن سرعان ما ارتفع العدد الى 15 ألف. كانوا مدعومين من شاه ايران، وكان الأمر مهماً آنذاك بما أنّ إيران كانت متحالفة مع الولايات المتحدة في تلك الفترة. يقول خورشيد ضاحكاً: {كان ذلك يوهمنا بأنّ الأميركيين إلى جانبنا}، ويستدرك: {ولكننا كنا على خطأ طبعاً!}.  

يبدو أنّ التاريخ يتكرر دوماً مع الأكراد: {لا يحصلون على الدعم إلا عندما يخدم ذلك مصالح الآخرين. بالنسبة إلى الشاه محمد رضا مثلاً، كان النظام المناهض للملكية في العراق يشكل تهديداً. أما بالنسبة إلى الولايات المتحدة، فإن النظام العراقي الميَّال إلى الاشتراكية، كان بمثابة حليف محتمل للاتحاد السوفياتي. بالتالي كان مناسباً حضّ الأكراد على القتال}.   

أصبحتُ رجلاً

في العام 1963، وجد خورشيد توفيق نفسه على الجبهة، مزوّداً الذخيرة للمقاتلين المحاربين مجموعة من مشاة الجيش العراقي. «استغرقت المعركة من ساعات الفجر الأولى حتى ساعات متأخرة من الليل. قتلنا معظم عناصر مجموعة المشاة، ولكننا خسرنا كذلك معظم رجالنا. جمعتُ الأسلحة واحتفظتُ بأفضل بندقيةٍ لنفسي. ما كنتُ بحاجةٍ إلى تحضير الشاي بعد تلك التجربة. كنتُ قد بلغت نضوج الرجال».

عقيدة السلاح والقتال جزء لا يتجزأ من الثقافة اليومية الكردية. ولكن من دون الكبرياء الكردية لا شك في أنّ الحضارة الكردية كانت لتختفي منذ زمنٍ بعيد. يضيف خورشيد إلى ذلك عنصرين مهمين في نظره: طول الأناة والقدرة على تحمّل الخيبات.

حارب خورشيد مع فريق مكوّن من 12 رجلاً في شمال العراق، قاتلوا عناصر الجيش العراقي أينما وجدوا. قضوا معظم أيامهم في الجبال، حيث أواهم القرويون وأمنوا لهم الغذاء. مع ذلك، سُمح لخورشيد أن يتزوّج رنا، حب حياته، أثناء الحرب، ورُزق بولده الأول في أبريل 1969 وسمّياه ديديوان. في العام 1970، خفّفت بغداد من صرامتها، وأعطي الأكراد بعض الاستقلالية. ولكن قائد المفاوضات من الجانب العراقي ما لبث أن انتقم منهم بقساوة. لم يكن ذلك الشخص إلا صدام حسين.

يرنّ هاتف خورشيد. على الخطّ مقاتلٌ آخر من البيشمركة يستفسر عن توقيت العودة إلى الجبهة وعمّا إذا كان خورشيد قد أمّن أسلحة الآر. بي. جي الموعودة.  

تقع {خاسار} حيث يتموضع محاربو الدولة الإسلامية، على بُعد ساعة من هنا، وسيتوجه ديديوان إلى هناك في الصباح. أما ابنه زيران، فسيتمتع بيومي عطلة قبل الانضمام إلى وحدته في أربيل. يعتزم خورشيد الانطلاق إلى الجبهة بمجرّد حصوله على شحنة الأسلحة. يتناوب الرجال الثلاثة على القتال: سبعة أيام في القتال تتبعها سبعة أيامٍ في المنزل. تعيش العائلة في شقتين في بيناسلاوا بضواحي أربيل. أمام الشقتين أشجار ليمون، وزرعت العائلة شتولاً من النعناع، ونصبت مرجوحة في الحديقة أمام باحة المنزل. الأخير فائق النظافة، وكأنّ سكانه يحاولون إبقاء فوضى الحرب ووسخها خارجه قدر المستطاع. وثمة عدد من المقاعد وحوض للأسماك وتلفزيون مسطح مثبت على الحائط.

تاكسي إلى الجبهة

تعيش العائلة هناك منذ بداية التسعينات. أمنّ لهم حزب مسعود بارزاني الكردستاني العراقي المنازل، ومتجراً مشتركاً، خصوصاً أنّ الرجال الثلاثة من داعمي الحزب. حلّت الأحزاب مكان القبائل مع ما يرافق ذلك من عقلية زبائنية ونزعة إلى تشكيل أجواء من التبعية. أن تكون من البيشمركة هو نوعٌ من الضمان الاجتماعي كذلك، على الأقلّ في زمن السلم.

أربيل مدينة غريبة. للوهلة الأولى، تبدو المدينة في طور الازدهار. كل شيء يبدو جديداً وأكثر تنظيماً من مدنٍ أخرى مثل بغداد والقاهرة. ما من أكوام من النفايات أمام البنايات، وحتى جوانب الطرقات معبّدة وآليات البناء في كلّ مكان. وفي المدينة طبقة وسطى تعيش في أحياء تحمل أسماء أعجمية على غرار «قرية إنكليزية».

ولكن ذلك جانب واحد من أربيل. أما الجانب الآخر فهو أنها مدينة حرب، مع أنّ هذا الجانب مستتر. يعمل الرسميون بدوامٍ إضافي في وزارة البيشمركة للشؤون، حيث يتمّ تنسيق تحركات الفرق العسكرية. ويبدو أنّ سعر الذخيرة في السوق السوداء قد تضاعف، وتبقى الدكاكين التي تبيع البذات العسكرية، والخوذات، والستر واقيات الرصاص مفتوحة حتى ساعات متأخرة من الليل. وغالباً ما تجد مجموعات من الجنود الشباب يستقلون التاكسي للذهاب إلى الجبهة للقتال.

ينام الجد والولد والحفيد في عائلة توفيق مع مسدس 99 ملم محشو تحت وسادتهم وقد خبأوا البنادق والرشاشات في خزانات غرفهم. لا مشكلة لديهم في قتل أعدائهم. «ما دام الأمر إما نحن أو هم، يقول الجنرال ديديوان، فما المانع من أن يكونوا هم الضحية؟».

ولكن كم عدد هؤلاء يا ترى؟ يردّ الجنرال بابتسامةٍ واثقة: «أكثر من مئة».

يتدخل الجدّ مؤكداً: «وأكثر بكثير من هذا الرقم بالنسبة إليّ».

قبل ثلاثة أسابيع، عمل فريق من 120 رجلاً على محاربة عناصر الدولة الإسلامية على بعد 30 كلم من كركوك. قتلوا معظمهم وأسروا بعضهم الآخر للاستجواب قبل أن يلقوا المصير نفسه. في قصصهم يتحدث الرجال عن البيشمركة بعبارات مبجلة، واصفين إياهم بالرجال الأبرار الأبطال ولكن ثمة قصصٌ أخرى أيضاً، عن هربهم مثلاً، حين كان المسيحيون واليزيديون يتعرضون للاعتداء، بدلاً من البقاء لحمايتهم.

 

طفولة هاربة

شهدت طفولة ديديوان توفيق الأولى سنوات من السلم بين 1970 و1975. ولكن الأجواء السياسية أثرت في حياته أيضاً حين عقد إيران والعراق اتفاق الجزائر للسلام. وضع البلدان خلافاتهما جانباً، وكنتيجة لذلك سحب الشاه كل دعم كان يقدّمه إلى الأكراد. واضطرت العائلة إلى الهرب إلى إيران حيث ولدت اثنتان من إخوة ديديوان في خيمة. كانت العائلة تعيش في مخيم للاجئين وتهرب من مدينةٍ إلى أخرى. وكان الوالد دائم الغياب، إما لأنه كان يحارب أو لأنه كان مختفياً عن الأنظار. وكان ديديوان يحلم دوماً باليوم الذي سيأتي فيه والده لاصطحابه معه إلى الجبهة للقتال إلى جانبه. «غالباً ما كنت أردد بيني وبين نفسي كلمة «أبي، أبي». لماذا؟ قد تسألني. فأقول لك: لسببٍ بسيط لأنني ما كنتُ أريد أن أنساه».

ولكن الوضع تغير مجدداً بالنسبة إلى الأكراد في سبتمبر 1980 حين هاجم صدام حسين ما خال أنّها دولة إيران الإسلامية الضعيفة. فجأة كانت للأكراد منفعة أيضاً. وجد خورشيد ورجاله نفسه إلى جانب الإيرانيين مرة جديدة، فتلقوا الأسلحة والعتاد والأموال من طهران.

كان ديديوان في السادسة عشرة حين تحقَّق حلمه الكبير بالانضمام إلى البيشمركة. في العام 1987، نُشرت وحدة في قرية الحلبجة، فشهد الشاب إحدى أفظع الجرائم المرتكبة في حق شعبه.

ما من مفر

بدأت عائلة توفيق تعيش حياةً طبيعية نوعاً ما. يقصد زيران مدرسة بليسا في وسط أربيل وهو طالب مجتهد، خصوصاً في الرياضيات. أما اهتماماته الراهنة اليوم فتقع ضمن عالم الكومبيوتر وكرة القدم والكاراتيه والموسيقى. ولكن الحرب لم تتركه في حاله هو أيضاً. لا مفرّ منها على ما يبدو بالنسبة إليه.

في مارس من العام 2003، شنت 43 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأميركية هجوماً ضدّ صدام حسين ووقف الأكراد إلى جانبهم. وعندما ربحت قوات الائتلاف الحرب، بدأ الازدهار في أربيل، مع زيادة الاستثمارات فيها لاعتبارها منطقة آمنة. ولكن عندما بدأ الأميركيون سحب قواتهم الأولى في العام 2009، شهد العراق فترة أخرى من عدم الاستقرار. كان على زيران البالغ من العمر 18 عاماً آنذاك أن يتخذ قراراً.

اختار الانضمام إلى البيشمركة مع أنه لم يكن قراراً سهلاً. اليوم هو في طريقه إلى الترقية إلى رتبة ضابط ويتلقى راتباً قدره 650 دولاراً أميركياً. وهو يقتصد بعض النقود كونه يعيش مع أهله ويأمل بأن يتزوّج يوماً ما.

وبقدر ما تتشابه سير الرجال الثلاثة بقدر ما تشكّل انعكاساً لمسيرة العراقيين الأكراد في نضالهم للانتقال من ساحات المعارك إلى الحياة المدنية. انخرط الجد في صفوف المقاتلين لأنه كان يبحث عن المغامرة، ابنه الجنرال، فعل ذلك لأنه كان شخصاً متحمساً لحياة المعارك. زيران، كان يخطّط لحياةٍ مختلفة تماماً ولكن الأحداث لم تتركه على حاله، فهو كرديّ. يوماً ما سيُرزق زيران بابنٍ. ولعلّ ابنه لن يكون من البيشمركة!

إلى الأبد

غالباً ما لا تفضي التحقيقات والاستجوابات إلى أية نتيجة وفق خورشيد توفيق. «يتعاطى عناصر الدولة الإسلامية المخدرات. لديهم مخدرات صغيرة بشكل حبوب بيضاء وغالباً ما يرجوننا ألا ننتزعها منهم. لا أعرف ما هي تلك المادة. لذا نتركهم يعودون إلى رشدهم أولاً ولكن غالباً ما يتملّكهم العناد ويتطلّعون إلى الموت. أحدهم كان من كوالالمبور من ماليزيا. تخيّلوا! سافر مئات الأميال ليأتي إلى هنا ويعتدي على شعبي! أحدهم قال لي: أرجوكم اقتلونا الآن كي نستطيع تناول الغداء مع النبي. جاوبته: لا يا صديقي لن نقتلكم إلا بعد الغداء كي يتسنى لك غسل الصحون هناك في الأعالي إلى الأبد!».

يهزّ خورشيد كتفيه حين تسأله إن كان مناسباً قتل الأسرى. قد تكون البشمركة حليفة للغرب، ولكنها تحارب وفق قواعدها الخاصة، وهي قواعد الميليشيات لا الجيوش النظامية والمهنية.

الأرنب...أحياناً

   

في أغسطس من العام 1988، وبعد ثماني سنوات من الحرب، عقد كلّ من العراق وإيران وقفاً لإطلاق النار. مباشرة بعد هذا الاتفاق أمر صدام حسين بشن عملية عسكرية ضدّ الأكراد بسبب تحالفهم مع إيران. استخدمت عملية «أنفا» غازاتٍ سامة بكمياتٍ وافرة، فأسفرت عن مقتل ما يربو على 150 ألف شخص. صنّفت العملية لاحقاً بالمجزرة.

«كنا نخيّم قرب النهر، حين هبّت رائحة قوية أشبه برائحة الثوم ولكنها أكثر حدةً. هربنا من قريةٍ إلى أخرى. كانت الجثث في كلّ مكان. وجدنا بعض الناس على قيد الحياة هنا وهناك فأنقذنا قدر المستطاع منهم، وساعدناهم. أذكر أننا اختبأنا. عشنا في كهف لأشهر. أوشكنا على الموت جوعاً. وتمكنا نادراً من اصطياد أرنب».

تركت التجربة آثارها على المقاتل الشاب آنذاك في ربيعه الثامن عشر، فبقي في البشمركة بعد تلك الحادثة. كان يعي أن في الأمر خطراً كبيراً ولكنه كان مدركاً أيضاً أن الشعب الكردي في خطر دائم.

وفي بداية التسعينات، عاشت العائلة للمرة الأولى تحت سقف واحد. كان ديديوان ضابطاً متزوجاً آنذاك، وقد رزق ابناً حمل اسم «زيران». وكان صدام حسين قد اجتاح الكويت، ولكن العراق اضطر في النهاية إلى قبول وقفٍ مذلّ لإطلاق النار. كانت تلك فرصةً للأكراد لإعلان دولة شبه مستقلة.

back to top