رئيس المفوضية الأوروبية

نشر في 17-11-2014 | 00:02
آخر تحديث 17-11-2014 | 00:02
No Image Caption
أشباح ماضي جان كلود يونكر تطارده

تولى جان كلود يونكر أخيراً منصب رئيس المفوضية الأوروبية، إلا أنه يتعرَّض راهناً لضغوط بسبب صفقات ضريبية غير مشروعة على الأرجح في لوكسمبورغ خلال عهده كرئيس وزراء في ذلك البلد. ويعتقد البعض أنه قد يستقيل.
نيكولاس بلوم، وكريستوف بولي، وغريغور بيتر شميتز، وكريستوف شولت، تناولوا القضية في «شبيغل».
كان ظهور جان كلود يونكر العلني الأول كرئيس المفوضيَّة الأوروبيَّة رمزياً. في مطلع هذا الشهر، سافر يونكر إلى فرانكفورت ليقدّم الكتاب الجديد للمستشار الألماني السابق هلموت كول في فندق فيلا كينيدي الفاخر. يحمل الكتاب العنوان Out of Concern for Europe (خوفاً على أوروبا)، ويحذّر من السعي إلى تحقيق المصالح الوطنية لأنه يشكل خطراً على النموذج الأوروبي. ويسارع يونكر إلى تأييد رأي كول، رجل يعتبره {صديقاً ومثالاً أعلى}.

يذكر يونكر: {أصاب كول في توضيحه أننا ننزلق أكثر فأكثر نحو القومية والمناطقية الانعكاسية}. لا تشكّل هذه المرة الأولى التي يتفوه فيها يونكر بعبارة مماثلة. لكنه يكون عادةً أكثر صراحة في التعبير عن هذه الرسالة. على سبيل المثال، أعلن غاضباً خلال قمة الاتحاد الأوروبي في شهر ديسمبر عام 2012: {كفى! نروّج في 80% من المرات للمصالح الوطنية فحسب. لا يمكننا الاستمرار على هذا النحو}.

عادت هذه المشاعر بالفائدة على يونكر خلال مسيرته المهنية، وأسهمت في تحويله من سياسي في دولة لوكسمبورغ الصغيرة إلى مدافع بارز عن أوروبا. ولكن في ذروة مسيرته الأوروبية هذه اليوم، يواجه يونكر والاتحاد الأوروبي العزيز على قلبه مشكلة كبيرة. وقد دفعت هذه المشكلة كثيرين، ومن بينهم المستشارون المقربون من يونكر، إلى التساؤل عمَّا إذا كان سيستقيل قريباً من منصبه الجديد، مع أنه تولاه قبل مدة قصيرة.

نشرت وسائل إعلامية عدة أخيراً، بما فيها Süddeutsche Zeitung في ميونخ، الروايات الأكثر تفصيلاً عن تلاعب حاصل من مسؤولين في لوكسمبورغ بغية مساعدة شركات على التهرّب من دفع الضريبة. طُوّرت هذه الإستراتيجيات عموماً بالتعاون مع رؤساء الشركات وأسهمت في حضّ الشركات المتعددة الجنسيات على إقامة مقرها في لوكسمبورغ. وهكذا استفاد هذا البلد الصغير الواقع على حدود ألمانيا الغربية من عائدات ضريبية ما كان ليحلم بها لولا ذلك. إذاً، كانت هذه فائدة متبادلة.

لكن هذه العلاقة أساءت إلى شركاء لوكسمبورغ في الاتحاد الأوروبي وإلى التعاون الأوروبي بحد ذاته. فما عاد كثير من الشركات، التي أقامت مقرها في لوكسمبورغ، يدفع الضرائب في بلده الأم حيث ينتج أو يبيع حصة الأسد من منتجاته.

توسع فني

تولى جان كلود يانكر طوال 19 سنة رئاسة مجلس الوزراء في لوكسمبورغ. وشكّل النظام الضريبي في بلده بالتأكيد إحدى تلك {المصالح الوطنية} التي لطالما اشتكى منها. رغم ذلك، لم تتأثر صورته كـ{سيد أوروبا} كثيراً.

لا شك في أن هذه الأخبار ليست جديدة. فكما صرَّح وزير ألماني على هامش إحدى المناسبات الكثيرة التي نُظمت أخيراً إحياءً للذكرى الخامسة والعشرين لسقوط جدار برلين: {علم الجميع بهذه المسألة}. وأضاف الوزير أن الخطط الضريبية في لوكسمبورغ تتلاءم مع الإطار القانوني، حتى لو نجحت {فنياً في توسيع} هذا الإطار. وسأل: {ما سبب هذه الضجة كلها؟}.

لكن هذا على الأرجح سؤال خاطئ. إليكم السؤال المناسب: هل يجب التعامل مع سياسي يمثّل مصالح بلده الوطنية وفق معايير مختلفة عن تعاملنا مع رئيس المفوضية الأوروبية المكلف بصون معاهدات الاتحاد الأوروبي؟ الجواب بكل وضوح: {نعم}. وهنا تكمن المشكلة السياسية التي يواجهها راهناً جان كلود يانكر.

بصفته رئيس حكومة بلده، أسهم يونكر، الذي تولى أيضاً منصب وزير المال لسنوات، في تحويل لوكسمبورغ إلى جنة ضريبية وأعاق المحاولات الخارجية للتحقيق في هذا النظام. ولكن بعد انضمام الديمقراطيين الاجتماعيين في عام 2004 إلى ائتلاف يونكر، وافقت الحكومة على تشكيل فريق عمل بغية مقارنة القانون الضريبي في لوكسمبورغ مع المعايير الدولية. لكن مجموعة العمل هذه لم تثمر البتة.

حتى في عام 1997، أعرب يونكر عن حماسة كبيرة في الدفاع عن القوانين الضريبية في بلده. في تلك الفترة، تولى منصب الرئيس الدوري للمجلس الأوروبي بصفته رئيس وزراء لوكسمبورغ. وخلال عهده، مرّر الاتحاد الأوروبي قواعد سلوك تحدّد القوانين الضريبية المفروضة على الشركات والتي تهدف إلى {معالجة المنافسة الضريبية المسيئة في الاتحاد الأوروبي}. لكن هذه القواعد ليست ملزمة، علماً أن السبب في ذلك يعود في المقام الأول إلى يونكر. فلا تستطيع المفوضية الأوروبية تغريم النظام الضريبي في دولة ما إلا إذا صُنّفت الإدخارات التي يقدمها للشركات إعانات حكومية ممنوعة، وتخالف بالتالي قوانين التجارة الحرة في الاتحاد الأوروبي.

مبلغ صغير

سرعان ما اتضح أن سلطات محاربة المنافسة في المفوضية الأوروبية، لن تحظى بأي دعم من يونكر عندما بدأت التحقيق في قانون بلده الضريبي المعقَّد. ولم يتلقَّ المفوض الأوروبي لشؤون المنافسة يواكيم ألمونيا أي معلومات عن 22 صفقة ضريبية مشتبهاً بها إلا بعد خروج يونكر من منصبه في بلده في ديسمبر عام 2013.

تستطيع المفوضية حتى اليوم التأكيد إلى حد ما أن لوكسمبورغ منحت مساعدات حكومية غير مقبولة في حالتين. كذلك فتحت تحقيقات في شأن فرع Amazon في لوكسمبورغ وشركة السيارات {فيات كرايسلر}. ويعتقد المسؤولون أن كلتا الشركتين تلقتا تعهدات محددة في شأن أعباء ضريبية قد تواجه عملياتهما في لوكسمبورغ في المستقبل.

في رسالة من 30 صفحة إلى حكومة لوكسمبورغ، عرض ألمونيا شكوك المفوضية حيال حرص {فيات} طوال سنوات على تمرير مبادلاتها المالية عبر لوكسمبورغ. فيبدو أن السلطات الضريبية في هذا البلد قبلت بنموذج إدخار ضريبي أعدّته شركة التدقيق المالي KPMG لشركةFiat Finance and Trade Ltd.

تقرض شركة Fiat Finance and Trade المال للشركات الأخرى داخل مجموعة {فيات} ولها مكتب صغير في جادة روايال على مقربة من مقر حكومة لوكسمبورغ. وتعتقد المفوضية أن هذه الشركة تلقَّت في الثالث من سبتمبر عام 2012 تأكيداً على صفقة ضريبية كانت ستمتد من عام 2012 وحتى 2016. نتيجة لذلك، علمت {فيات} كم ستبلغ فاتورتها الضريبية كل سنة. ووفق حسابات المفوضية، حُدد الدخل الضريبي السنوي لشركة Fiat Finance and Trade بين 2.3 مليار يورو و2.8 مليار يورو، بغض النظر عن أداء الشركة الاقتصادي. ولا شك في أن الفاتورة الضريبية الناجمة عن دخل مماثل تؤدي إلى مبلغ صغير جداً إلى حد يثير الضحك: 732 ألف يورو.

يُعتبر حكم ألمونيا في هذه الرسالة قاسياً. يجهل المسؤولون الماليون في لوكسمبورغ «حقيقة» هذه الشركة الاقتصادية، وفق هذه الرسالة التي تتابع مؤكدة أن الصفقة معFiat Finance and Trade لا تستند إلى {المنطق المالي}. فقد أدت هذه التدابير إلى {خفض العبء الضريبي عن المنشآت المعنية مقارنة بمنشآت أخرى تواجه الوضع القانوني والواقعي ذاته}، وفق الرسالة. بكلمات أخرى، منحت لوكسمبورغ Fiat ميزة تنافسية غير عادلة. لكنFiat Finance and Trade تنفي هذه الادعاءات.

مارغريت فرستاغر من دنمارك خلفت ألمونيا في منصب المفوض الأوروبي لشؤون المنافس، ويبدو أنها ستسير قدماً في الدرب الذي رسمه سلفها. بالإضافة إلى ذلك، يلوح بعض التحقيقات الأخرى المحتملة في الأفق، وستتناول على الأرجح صفقات ضريبية كتلك التي عقدتها شركة التدقيق الضخمة PricewaterhouseCoopers لعملاء مثل منشأة الطاقة الألمانية E.on، البنك الألماني، وشركة الأغذية الأميركية الضخمة Heinz. فهل كان من الممكن عقد صفقات مماثلة من دون تورّط يونكر أو موافقته؟ لا شك في أن هذا السؤال سيلاحقه ما دامت التحقيقات مفتوحة.

تفادي المناسبات العلنية

يشتهر يونكر ببراعته في التعامل مع أوضاع مماثلة. خلال الانتخابات الأوروبية في شهر مارس الفائت، انضم إلى رئيس البرلمان الأوروبي مارتن شولز في مقابلة مشتركة مع {شبيغل}، واستاء كثيراً عندما أشار محاوره اليساري الوسطي إلى أن لوكسمبورغ تحوَّلت إلى جنة ضريبية خلال عهده. فأجاب غاضباً: {يشكّل الادعاء أنني أروّج للتهرّب الضريبي اعتداء مشيناً على بلدي وشخصي. لن أقبل بذلك}. ووقعت حوادث مماثلة عدة خلال هذه الحملة، بما فيها غياب الدعم العلني من المحافظين الألمان وبعد الاعتداءات الشخصية من الصحافة البريطانية. حتى إن بعض الإشاعات تحدّث عن أن يونكر يريد سحب ترشحه، غير أن أصدقاءه أقنعوه بالعدول عن ذلك.

عقب تقارير أخيرة، كان رد فعل يونكر الأول تفادي أي ظهور علني، ملغياً في اللحظة الأخيرة مناقشة عامة كان من المقرر عقدها. وأصرَّ المتحدث باسم يونكر، مارغريتس شيناس، أن رئيس المفوضية الأوروبية {هادئ جداً} في التعاطي مع هذه الأخبار.

لم يهب للدفاع عنه سوى قليلين. فقد ذكر وزير خارجية لوكسمبورغ، جان أسلبورن، الذي كان نائب رئيس الوزراء في عهد بونكر: {تشكّل هذه المعلومات ضربة ستسيء إلى سمعة لوكسمبورغ}. ووعد بأن الحكومة الجديدة ستجعل قانون الضرائب في بلده أكثر شفافية، مشيراً إلى أن لوكسمبورغ قد رفعت معارضتها لقواعد تشاطر البيانات المالية التي يفرضها الاتحاد الأوروبي. أضاف أسلبورن: {لا يمكن أن تتحوَّل لوكسمبورغ إلى مكان يرحّب بالشركات التي لا تريد دفع الضرائب. لن نكون بعد اليوم جزءاً من حيل مماثلة}.

أثارت هذه الأخبار القلق في البرلمان الأوروبي، مع مطالبة الرئيس شولز بمزيد من المعلومات. كذلك دعت مجموعة اليسار الموحد في البرلمان يونكر إلى المثول أمام الهيئة التشريعية، وتخطّط لطرح الثقة فيه، علماً أن علمية التصويت هذه لا تُجرى إلا أذا حظيت بتأييد 10% من أعضاء البرلمان.

أزمة يورو

تعلن رئيسة مجموعة اليسار الموحد غابي زيمر: {لا يحق لمن سمح بعملية تهرّب واسعة من الضرائب وأنشأ نظاماً غير عادل داخل الاتحاد الأوروبي أن يرأس المفوضية الأوروبية}. كذلك عمد الليبراليون، الذين صوتوا بغالبيتهم ليونكر عندما أكَّد البرلمان الأوروبي انتخابه، إلى النأي بنفسهم عن هذه المسألة. فقد ذكر ألكسندر غراف لامبسدورف، عضو ليبرالي في البرلمان: {أمَّا في ما يتعلق بجان كلود يونكر ومعركة الاتحاد الأوروبي ضدَّ التهرب الضريبي، فيبدو أننا كلفنا الثعلب بحراسة الدجاج}.

يبدو من المستبعد راهناً أن يخسر يونكر منصبه، إلا أن هذا الوضع قد يتبدَّل. فإن ثبت أن لوكسمبورغ قدَّمت مساعدات حكومية غير مشروعة للشركات المعنية، فسيُفتضح أمره لأنه يكون قد أمضى سنوات في انتهاك القانون الأوروبي. يشير سياسي زميل، معبراً عن آراء كثيرين: {سيصبح الوضع عندئذٍ حرجاً. ولن يتمكَّن من الصمود}. بالإضافة إلى ذلك، بدأ محامو الاتحاد الأوروبي يناقشون مسألة ما إذا كانت استقالة رئيس المفوضية تُرغم أعضاءها السبعة والعشرين الآخرين على التخلي عن مناصبهم أيضاً.

يتساءل كثيرون اليوم عمَّا إذا كان يونكر قادراً على تحمل هذا النوع من الضغط طوال أشهر التحقيق العدة. فيشكّ بعض حلفائه السياسيين وزملائه في الحزب في ذلك.

رغم ذلك، يشعر يونكر على الأرجح بالقلق ويود تفادي رد فعل متسرع، مخافة أن تؤدي استقالته إلى أزمة قيادة في بروكسل، وخصوصاً في مرحلة يبدو فيها أن أزمة اليورو عادت لتلوح في الأفق. كذلك أدَّت هذه المسألة إلى تعطيل أي محاولة للتجديد ليونكر على رأس المفوضية الأوروبية، علماً أن هذه الفكرة كانت قد لقيت الترحيب الواسع. فقد ارتكز هذا التجديد على سنوات من الخبرة كرئيس وزراء إحدى دول الاتحاد الأوروبي. لكن هذه الخبرة قد تتحوَّل اليوم إلى سبب سقوطه.

back to top