نزيف الدم في شوارع مصر

نشر في 25-10-2014
آخر تحديث 25-10-2014 | 00:01
 عبداللطيف المناوي الطريق غير مستوٍ، وأخلاق من يقود السيارات غير منضبطة، لا توجد علامات حياة لوجود أمني رادع على الطرق والكباري، ولو كان هناك تواجد فهو تواجد مادي بلا حياة، أو تواجد مادي بغرض المادة، تمر السيارات سريعا، تتقاطع، تتسابق، هذه سيارة نقل كبيرة تسير في يمين الطريق، ويقرر قائدها أن ينحرف فجأة إلى يساره دون إنذار لأنه يريد أن يكسب السباق مع السيارة التي أمامه، وهذا سائق آخر قرر أن يسكن وسط الطريق فيسد اليمين واليسار، وعلى من يريد أن يمر أن يجد لنفسه طريقاً، وهذا شاب يسابق عمره بسيارة جديدة لامعة، وهذه فتاة منهمكة في حديث عبر هاتفها الجوال وتتفاعل معها سيارتها التي تقودها يميناً ويساراً، اندفاعاَ، وتوقفاً حسب أجواء المكالمة التي تجريها عبر هاتفها الجوال، وهذه سيارة نصف نقل قرر سائقها أن يختصر الطريق فيقرر أن يسلك طريقاً أقصر حتى لو كان عكسياً، وهذه سيارة شرطة يقودها الضابط يجلس بجواره العسكري مستسلماً منكمشاً وتسير السيارة كيفما أراد لها قائدها "المتباهي" بذاته.

 وهذا توك توك قرر الصبي الذي يقوده أن يتحدى كل من حوله ويثبت أنه موجود على الطريق بحركات صبيانية ليقول إنه هنا، وهذه عربة كارو تحمل الزبالة وحصانها أو حمارها يجرجر أرجله في محاولة للحركة إلى الأمام يقاوم بها حالة الهزال التي يعانيها هو وصاحبه، ومع كل هؤلاء يناطح ملوك سيارات الميكروباص أنفسهم وكل من حولهم والأبواب مفتوحة ينادي كل على وجهته، ويتقافز حول الجميع موتوسيكلات توصيل الطلبات إلى المنازل في تحد للزمن وقدرات الآلات التي يركبونها ويجمع كل هؤلاء طرق لا ينافسها في قدرتها على تحريك من يركبون هذه السيارات إلا ألعاب الملاهي الخطرة .

في لحظة ما وسط هذه الصورة العشوائية المتخبطة يحدث التصادم، وتسيل الدماء على الأسفلت ـ أو ما تبقى منه ـ وتهدأ الحركة العشوائية العصبية أمام الحادث أو تتجمد، والكل مستاء من الفوضى ومن غياب الحسم والقانون والردع، ومن عدم الالتزام، ومن السرعة، ومن التجاوزات، ويلقي الجميع اللوم على البلد الذي يحدث فيه مثل هذه الحوادث، ويحملون ضحايا التصادم في طريقهم إلى مثواهم الأخير أو إلى المستشفيات، ويجمعون آثار الحادث على جانب الطريق، ثم ينطلق كل واحد منهم ناسيا ما حدث في تلك الحركة العشوائية العصبية المستهترة المتجاوزة، كل يقود بطريقته استعدادا للتصادم المقبل.

حوادث السير على الطرق ترجع لنقص الرقابة والحملات المرورية على الطرق السريعة، بما توفره من رقابة وضبط وردع، خاصة بعد 25 يناير، مما أسهم في حالة انفلات مروري وتجاوز للسرعات المقررة لكل السيارات، وعدم الالتزام بارتداء أحزمة الأمان، وتوقف حملات "تحليل الدم" لسائقي النقل للكشف عن تعاطي المواد المخدرة، وهي حملات كانت يومية، وفي الحال يتم ضبط السائق وإحالته إلى النيابة العامة التي تأمر بحبسه ثم محاكمته إذا كان ناتج التحليل إيجابياً للمخدرات وتسليم السيارة لصاحبها، إذ إن عددا كبيرا من سائقي النقل يتعاطون المخدرات للأسف، ويتسببون في وقوع نسبة كبيرة من حوادث الطرق، وكانت هذه الحملات رادعاً لهم تمنعهم من التعاطي وتجبرهم على الالتزام بالحمولات القانونية، وغير ذلك من عوامل الأمان، بما يقلل في النهاية من الحوادث الناجمة عن سيارات النقل. كذلك غياب العلامات الإرشادية والإنارة وسوء حالة الطرق لعدم الاهتمام بصيانتها، وإصلاح المنحنيات والنتوءات التي تحدث بها نتيجة حركة المرور الكثيفة عليها، وهذا بخلاف الرعونة لبعض قائدي المركبات الخاصة واستخدام الموبايل، وعدم الانصياع لقواعد المرور، وغياب الوعي لدى أصحاب سيارات الأجرة بأهمية الصيانة لها، ومراعاة حالة الإطارات بها، وهذا كله يضيف عوامل مساعدة للحوادث.

اختلفت تقديرات عدد الوفيات الناجمة عن حوادث الطرق، قدرها البعض بنحو ثمانية آلاف سنويا ووصل البعض الآخر إلى 12 ألفا سنويا، لكن المتفق عليه أن مصر تحتل المرتبة الأولى عالميًا في حوادث الطرق، بحسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية، وقدرت خسائر الاقتصاد المصري من وراء حوادث الطرق بنحو 17 مليار جنيه سنويا.

back to top