بشرٌ بذكاءٍ خارق الهندسة الوراثية تُبشّر بقدومهم!

نشر في 23-10-2014 | 00:05
آخر تحديث 23-10-2014 | 00:05
«لطالما ظننت أن دماغ فون نيومان يشير إلى أنه من فصيلة أخرى وأنه يتطور بشكل يفوق نطاق البشر». (هانز بيث الفائز بجائزة نوبل)
«الأولاد الموهوبون مختلفون. هم يجتهدون أكثر منا لأنهم أذكياء على نحو مخيف. أشعر بسعادة غامرة لأنني شخص نموذجي ولأنني لا أجتهد بشكل مفرط. كما أننا أفضل بكثير من الأشخاص الذين لا يتقبلون غيرهم. إنهم أشخاص أغبياء». (ألدوس هاكسلي، العالم الجديد الشجاع).
كان ليف لاندو الفائز بجائزة نوبل وأحد آباء مدرسة علم الفيزياء السوفياتية العظيمة يستعمل مقياساً لوغاريتمياً يتراوح بين 1 و5 لتصنيف واضعي النظريات. كان أثر عالم الفيزياء من الصف الأول أكبر بعشرة أضعاف من أثر شخص من الصف الثاني. هو صنّف نفسه بكل تواضع بمستوى 2.5 حتى مرحلة متقدمة من حياته، فبلغ حينها معدل 2. شمل الصف الأول أمثال هايزنبيرغ وبور وديراك وغيرهم. سجل أينشتاين معدل 0.5!

يشعر أصدقائي في البشرية أو في مجالات أخرى من العلوم، مثل علم الأحياء، بالدهشة والانزعاج لأن علماء الفيزياء والرياضيات قد يفكرون بهذه الطريقة الهرمية. يبدو أن اختلاف القدرات لا يظهر بكل وضوح في تلك المجالات. لكني أعتبر خطة لاندو مناسبة: لا أتصور إمكان تحقيق المساهمات التي يقدمها بعض علماء الفيزياء.

حتى إنني أصبحت مقتنعاً بأن مقياس لاندو قد يمتد في المبدأ إلى أقل من معدل 0.5 الذي سجله أينشتاين.

ستيفن هسو

 تشير الدراسة الوراثية للقدرة المعرفية إلى وجود اختلافات راهنة في الحمض النووي البشري، وقد تؤدي عند جمعها بطريقة مثالية إلى نشوء أفراد يتمتعون بنوعية ذكاء أفضل من أي ذكاء وُجد يوماً على الأرض: بصريح العبارة، قد يبلغ معدل الذكاء المرتقب مستوى 1000 إذا حافظ المقياس على أهميته.

في رواية دانيال كيز، {أزهار من أجل ألجرنون} (Flowers for Algernon)، تلقى شخص راشد لديه اضطراب عقلي واسمه تشارلي غوردون علاجاً تجريبياً لرفع معدل ذكائه من 60 إلى ما يقارب 200. فتحول من عامل في مخبز يستغله أصدقاؤه إلى عبقري لديه نظرة سهلة عن روابط العالم الخفية. كتب تشارلي: {بلغتُ ذروة الوضوح والجمال بشكل غير مسبوق. ما من فرحة أكبر من التوصل إلى حل المسائل. إنه خليط من الجمال والحب والحقيقة. هذه هي السعادة الحقيقية}. سيبقى التناقض بين الذكاء الخارق ومعدل الذكاء الراهن الذي يبلغ 100 كبيراً.

يشتق احتمال الذكاء الخارق مباشرةً من الأساس الوراثي للذكاء. تسيطر آلاف الجينات، لكل منها أثر صغير، على خصائص مثل الطول والقدرة المعرفية. يمكن استخلاص تأثير مخفف في شأن عدد من المتغيرات الجينية المشتركة التي تنعكس على مختلف الخصائص انطلاقاً من الأثر الإيجابي أو السلبي لخاصية المتغيرات الوراثية التي تم اكتشافها أصلاً وحملت اسم الأليلات (يتم قياس طولها بالإنش أو بنقاط معدل الذكاء).

حدد اتحاد {رابطة جينوم العلوم الاجتماعية} (شكل من التنسيق الدولي الذي يشمل عشرات المختبرات الجامعية) مجموعة من مناطق الحمض النووي البشري التي تؤثر على القدرة المعرفية. أثبت أن الأشكال المتعددة والأحادية النوكليوتيدات في الحمض النووي البشري تكون مترابطة إحصائياً مع الذكاء، حتى بعد تصحيح الشوائب في الاختبارات المتعددة التي تشمل مليون منطقة مستقلة للحمض النووي ضمن عينة تضمنت أكثر من 100 ألف فرد.

لو أنّ عدداً صغيراً من الجينات يسيطر على الإدراك، يُفترض أن تبدّل كل متغيرة جينية معدل الذكاء بنسبة كبيرة (نحو 15 نقطة من الاختلاف بين كل فردين). لكن يبقى حجم التأثير الأكبر الذي رصده الباحثون حتى الآن أصغر من نقطة واحدة من معدل الذكاء. كان يمكن أن يكون تسجيل أحجام الأثر الأكبر أسهل بكثير، لكن لم يتم رصدها.

يعني ذلك ضرورة وجود آلاف الأليلات المرتبطة بمعدل الذكاء على الأقل للتعويض عن التغير الفعلي لدى عامة الناس. يوفر تحليل أكثر تطوراً (مع هوامش خطأ أكبر) تقديرات بمعدل 10 آلاف تقريباً.

كل متغيرة جينية ترفع أو تخفض القدرة المعرفية بنسبة ضئيلة. بما أن بعض الآثار المضافة الصغيرة والمتعددة تحدد القدرة المعرفية، تتوزع هذه الأخيرة وتتبع منحنىً مألوفاً حيث يحتل عدد إضافي من الناس منطقة الوسط أكثر من الأطراف. ستكون قدرة الفرد الذي يتمتع بعدد متوسط من المتغيرات الإيجابية أعلى من المعدل. يبدو أن عدد الأليلات الإيجابية فوق متوسط السكان المطلوب لرفع قيمة الخصائص بنسبة نموذجية (15 نقطة) يتماشى مع الجذر التربيعي لعدد المتغيرات، أي ما يساوي 100 تقريباً. باختصار، يمكن أن يرفع معدل 100 أو أي متغيرات إيجابية إضافية من هذا النوع معدل الذكاء بـ15 نقطة.

نظراً إلى وجود آلاف المتغيرات الإيجابية المحتملة، تبدو النتائج واضحة: إذا تمكنا من هندسة كائن بشري يملك نسخة إيجابية من كل متغيرة سببية، قد يتمتع بقدرة معرفية بمعدل 100 متغيرة نموذجية فوق المعدل، أي أكثر من ألف نقطة من معدل الذكاء.

لم نتأكد بعد من أن معدلات الذكاء لها معنى في هذا النطاق. لكن يمكن أن نثق بأن هذا النوع من القدرات، بغض النظر عن معناه، سيتجاوز بشدة الحد الأقصى من القدرات لدى مجموع الأفراد الذين يبلغ عددهم 100 مليار ممن عاشوا يوماً في العالم. يمكن أن نتصور أن تصبح القدرات المعرفية حاضرة دفعةً واحدة: تذكّر شبه مثالي للصور واللغات، تفكير وحساب فائق السرعة، تصور هندسي قوي حتى في الأبعاد الأعلى مستوى، القدرة على القيام بتحليلات متعددة أو تدريب التفكير في الوقت نفسه واللائحة تطول. هذا ما حققه تشارلي غوردون.

لتحقيق هذا النوع الفائق، لا بد من إحداث تعديل مباشر للجينوم البشري، بما يضمن إيجاد المتغيرة الجينية المناسبة لكل 10 آلاف نقطة. من الناحية الإيجابية، قد يصبح هذا الأمر ممكناً يوماً بفضل تقنيات التعديل الوراثي التي تشبه نظام {كريسبر/كاس} الذي تم اكتشافه حديثاً وقاد إلى ثورة في الهندسة الوراثية منذ سنة أو سنتين. حتى إن عالم الجينوم في جامعة هارفارد جورج تشيرش اعتبر أن نظام {كريسبر} سيسمح بإعادة إحياء حيوانات الماموث عبر التعديل الانتقائي لجينوم أجنّة الفِيَلة الآسيوية. إذا افترضنا أن تشيرش على حق، يجب أن نضيف سمة العبقرية الخارقة لدى حيوانات الماموث إلى لائحة العجائب التي يمكن تحقيقها في عصر الجينوم الجديد.

لا يزال بعض الفرضيات الكامنة وراء احتمال تسجيل مستوى 1000 كمعدل ذكاء محط جدل مستمر. في بعض الأوساط، تبقى فكرة تحديد نسبة الذكاء مثيرة للجدل.

في سيرته الذاتية «أنت تمزح حتماً يا سيد فاينمان!» (Surely You’re Joking, Mr. Feynman!)، خصص عالم الفيزياء الفائز بجائزة نوبل، ريتشارد فاينمان، فصلاً كاملاً عن مساعيه لتجنب العلوم الإنسانية، وقد حمل عنوان {محاولة دائمة للهرب}. حين كان طالباً في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان يهتم بالعلوم حصراً ولم يكن يجيد أي أمر آخر.

عبقرية وقدرات

إنه شعور مألوف: وفق الأفكار الشائعة، يبدو أن الناس البارعين في الرياضيات لا يبرعون في الكلمات والعكس صحيح. أثّر هذا التمييز على طريقة فهمنا لمعنى العبقرية، ما يشير إلى وجود موهبة واحدة في الدماغ بدل التمتع بعبقرية تشمل الدماغ كله. هذا ما يجعل فكرة المقارنة بين الأمور المتشابهة على مستوى الذكاء مثيرة للجدل، لذا تطرح فكرة أن يصل معدل الذكاء إلى مستوى 1000 إشكالية واضحة.

لكن تعكس الدراسات الذهنية التي تسعى إلى قياس طبيعة الذكاء صورة مختلفة. أثبتت ملايين الملاحظات أن جميع القدرات المعرفية {البدائية} (الذاكرة الطويلة والقصيرة الأمد، استعمال اللغة، استعمال الكميات والأعداد، تخيل العلاقات الهندسية، التعرف إلى الأنماط...) تكون مترابطة بطريقة إيجابية.

هذه الروابط الإيجابية بين القدرات الضيقة تشير إلى أن الفرد الذي يسجل معدلاً أعلى من المتوسط في مجال معين (مثل البراعة في الرياضيات) يسجل على الأرجح معدلاً أعلى في مجال آخر (القدرة الشفهية). كما أنها تشير إلى وجود طريقة متماسكة ومفيدة لضغط المعلومات المرتبطة بالقدرات المعرفية. من خلال إسقاط أداء الفرد على محور أساسي، يمكن أن نتوصل إلى قياس فردي لنتائج القدرة المعرفية: إنه عامل {الذكاء العام}. تسهم اختبارات معدل الذكاء المدروسة في قياس عامل الذكاء العام.

هل يتوقع عامل الذكاء العام مستوى العبقرية؟ لنحلل {دراسة نضوج الشباب المبكر على المستوى الرياضي}، وهي دراسة طولية عن الأولاد الموهوبين الذين يتحددون عبر الاختبارات قبل عمر الثالثة عشرة (يُستعمل اختبار الكفاءة الدراسية الذي يرتبط بعامل الذكاء العام). كان جميع المشاركين يسجلون أعلى مستويات القدرات، لكن سجّل خِمس المشاركين في تلك الجماعة معدل واحد من أصل 10 آلاف أو أكثر. حين جرى المسح في منتصف العمر، تبين أن احتمال تحقيق إنجاز، حتى ضمن هذه الجماعة من الأفراد الموهوبين، يرتفع بشكل جذري مقارنةً بأولى علامات الاختبار. على سبيل المثال، كان الخِمس الأعلى من الجماعة أكثر ميلاً بستة أضعاف إلى نيل براءة اختراع من الخِمس الأدنى. وكان احتمال نيل شهادة دكتوراه في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات أعلى بـ18 مرة وأصبح احتمال العمل في هذه الاختصاصات في جامعات بحثية ضمن المراتب الخمسين الأولى أكبر بثماني مرات. من المنطقي أن نستنتج أن عامل الذكاء العام يمثل قياساً فردياً مهماً للذكاء، ما يسمح بإقامة مقارنات أولية لكن مفيدة بين المفاهيم المتشابهة.

يتعلق افتراض آخر في شأن توقع معدل الذكاء الذي يبلغ مستوى ألف بواقع أن القدرة المعرفية تتأثر كثيراً بالمعطيات الوراثية وأن عامل الذكاء العام موروث. تبدو الأدلة على هذا الافتراض قوية جداً. اعتبر عالم الوراثة السلوكي والباحث في مجال التوائم روبرت بلومن أن {الحجة المتعلقة بالتأثير الوراثي الكبير على عامل الذكاء العام هي أقوى من أي سمة بشرية أخرى}.

في الدراسات التي تتمحور حول التوائم والتبني، كانت الروابط الثنائية في معدل الذكاء شبه مناسبة مع درجة القرابة، أي جزء الجينات المشترك بين فردين. تم رصد اختلافات صغيرة حصراً بسبب البيئة العائلية: تبين أن الأشقاء غير المرتبطين بيولوجياً رغم نشوئهم في العائلة نفسها يسجلون ترابطاً شبه معدوم على مستوى القدرة المعرفية. تتماشى هذه النتائج مع دراسات كبيرة جرت في مواقع متنوعة وشملت بلداناً مختلفة.

في ظل غياب الحرمان، يبدو أن الآثار الوراثية تحدد الحد الأقصى من القدرة المعرفية. لكن في الدراسات التي اختبر فيها الأفراد مجموعة أوسع من الظروف البيئية، مثل الفقر أو سوء التغذية أو غياب التعليم، قد تكون التقديرات المرتبطة بالتوريث أصغر بكثير. حين لا تكون الظروف البيئية إيجابية، لا يحقق الأفراد قدراتهم الكاملة.

«أثر فلين»

قد يكون الذكاء الخارق احتمالاً بعيد المنال ولكن من المتوقع أن تحصل تطورات صغيرة إنما عميقة في المستقبل المنظور. ستؤدي قواعد البيانات الواسعة عن الجينوم البشري والأنماط الظاهرية (خصائص الفرد الجسدية والعقلية) إلى تقدم بارز في قدرتنا على فهم الشفرة الوراثية، لا سيما في ما يخص توقع القدرة المعرفية. تشير الحسابات المفصلة إلى ضرورة توافر ملايين الثنائيات من الأنماط الظاهرية والجينية لاستخلاص الهندسة الوراثية من خلال استعمال نظام حسابي إحصائي متقدم. لكن نظراً إلى تراجع كلفة التنميط الجيني بوتيرة سريعة، سيحصل ذلك على الأرجح خلال السنوات العشر المقبلة. استناداً إلى تقديرات التوريث، قد تكون الدقة في توقع الذكاء المبني على الجينوم أفضل من التغيرات النموذجية لدى نصف الناس تقريباً (أكثر أو أقل من 10 نقاط من معدل الذكاء).

تتوافر نماذج للتوقع ويمكن استعمالها في التطبيقات التناسلية التي تتراوح بين انتقاء الأجنة (اختيار اللاقحة التي يجب زرعها في التلقيح الاصطناعي) والتعديل الوراثي الناشط (عبر استعمال تقنيات {كريسبر} مثلاً). في الحالة الأولى، يمكن أن يحسن الأهالي الذين يختارون من بين 10 لاقحات مستوى ذكاء طفلهم بمعدل 15 نقطة أو أكثر. قد يفسر ذلك الاختلاف بين ولد يواجه المصاعب في المدرسة وآخر يستطيع نيل شهادة جامعية. يكون تنميط اللاقحات الجينية من خلية واحدة مصمَّماً بشكل مدروس من الناحية التقنية، لذا يُعتبر توقع النمط الظاهري المعقد القدرة الأخيرة المطلوبة لانتقاء الأجنة. ستكون كلفة هذه الإجراءات أقل من تكاليف روضة الأطفال الخاصة وستستمر النتائج طبعاً مدى الحياة وما بعدها.

تبقى المسائل الأخلاقية ذات الصلة معقدة وهي تستحق انتباهاً جدياً خلال هذه الفترة الفاصلة والقصيرة نسبياً، قبل أن تصبح هذه القدرات حقيقة ملموسة. سيقرر كل مجتمع بنفسه كيفية رسم حدود الهندسة الوراثية البشرية، لكن يمكن أن نتوقع تنوعاً في وجهات النظر. لا شك في أن بعض البلدان سيسمح بالهندسة الوراثية، ما يفتح المجال أمام النخب العالمية التي تستطيع تحمّل كلفة السفر والاستفادة من التكنولوجيا التناسلية. كما يحصل مع معظم التقنيات، سيكون الأثرياء والنافذون أول المستفيدين. لكن في نهاية المطاف، أظن أن شريحة واسعة من البلدان لن تشرّع الهندسة الوراثية البشرية فحسب، بل إنها ستجعلها (طوعاً) جزءاً من أنظمة الرعاية الصحية المحلية.

سيتمثل الخيار البديل بانتشار لامساواة غير مسبوقة في تاريخ البشرية.

back to top