مناخ الشعب

نشر في 30-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-09-2014 | 00:01
كانت مسيرة مناخ الشعب في الحادي والعشرين من سبتمبر نقطة تحول في حركة المناخ العالمية الناشئة، حيث نزل أكثر من 400 ألف شخص إلى شوارع مدينة نيويورك، ولكن مسيرة نيويورك لم تكن سوى غيض من فيض، فقد شارك مواطنون في 166 دولة، من الأرجنتين إلى أستراليا، في أكثر من 2800 حدث وتجمع، ومن خلال عريضة على الإنترنت طالب نحو مليوني ناشط الحكومات بالتحول بنسبة 100% إلى الطاقة النظيفة. وللمرة الأولى منذ مؤتمر كوبنهاغن لتغير المناخ في عام 2009 انتقل النشاط الافتراضي في مجال المناخ إلى العالم الحقيقي، ولكن لماذا؟

الواقع أن القلق يساور المواطنين بشأن التأثيرات المترتبة على تغير المناخ، وهم يعلمون أن المشكلة الحقيقية تكمن في الوقود الأحفوري، وقد أدركوا أن جماعات المصالح القوية حريصون على منع التحول الضروري إلى الطاقة النظيفة، ولم يعد بوسعهم ببساطة أن يثقوا ببذل حكوماتهم القدر الكافي من الجهد في الدفاع عن مستقبل كوكب الأرض، وقد انعكس هذا، ليس فقط في الأعداد غير المسبوقة من المشاركين، بل أيضاً في التنوع الذي اتسم به المشاركون في المسيرة؛ ناشطون من المناطق الحضرية، ومجموعات من السكان الأصليين، وأتباع ديانات ووجهات نظر سياسية مختلفة، وشباب ومسنون.

يستخلص الناس اليوم علاقات طبيعية بين تغير المناخ وحياتهم اليومية، فالمعلمون طالبوا بمدارس تدار باستخدام الطاقة المتجددة، والنساء دافعن عن الزراعة الأكثر صحة، والجدات طالبن بالهواء النظيف من أجل أحفادهن، وتريد النقابات التحول إلى وظائف خضراء، ويريد محافظو المدن الاستثمار في المباني الموفرة للطاقة.

بعد مرور خمس سنوات على فشل مؤتمر كوبنهاغن، يتعين على الحكومات أن تتصرف بمسؤولية أخيرا، وتهدف قمة المناخ التي استضافها الأسبوع الماضي الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى زيادة الزخم للعمل من خلال الجمع بين زعماء الحكومات والشركات ومنظمات المجتمع المدني، وكان الهدف خلق الظروف المواتية للحكومات للتفاوض على اتفاق المناخ في باريس في عام 2015، ورغم أن الأمم المتحدة لا تستطيع إرغام الزعماء على تنفيذ الوعود التي يبذلونها، فقد حفزت القمة تظاهرة شعبية أعادت التحدي المتمثل بتغير المناخ إلى دائرة الضوء، وسوف يظل في دائرة الضوء في الأرجح إلى أن تتخذ الحكومات تدابير ذات مصداقية.

الواقع أن ما تغير منذ عام 2009 هو درجة القلق بشأن التأثير المترتب على تغير المناخ، ففي هذه الأثناء، واجه أهل نيويورك إعصار ساندي، في حين دمر إعصار هايان الفلبين، وتستمر البلدان في مختلف أنحاء العالم في كسر الأرقام القياسية المرتبطة بالمناخ، ففي عام 2014 فقط عانى الناس العاديون موجات الحرارة في أستراليا، والفيضانات في باكستان، والجفاف في أميركا الوسطى، في حين تبين أن انهيار الغطاء الجليدي في غرب القطب الجنوبي لا رجعة فيه.

ونتيجة لهذا فإن المناقشة العالمية تحولت من تكاليف العمل إلى تكاليف التقاعس عن العمل، ورغم أن التكاليف المترتبة على الأضرار المناخية مذهلة فإن البحوث العلمية تشير إلى أن تكاليف التخفيف يمكن احتمالها.

وقد بات هذا واضحاً في نمو معدلات توليد الطاقة المتجددة، فالناس يريدون الطاقة النظيفة، والتكنولوجيات متاحة ومربحة، ومع افتقار الملايين من البشر إلى القدرة على الوصول إلى مصادر الطاقة التي يمكنهم التعويل عليها، فإن ظهور مصادر الطاقة المتجددة هو المنقذ للحياة، وقد تضاعفت قدرة توليد الطاقة من الرياح والشمس إلى ثلاثة أمثالها منذ عام 2009، والآن توفر الطاقة المتجددة أكثر من 20% من إمدادات الكهرباء في العالم.

الواقع أن كل ميغاواط من اثنين من الكهرباء الجديدة التي تضاف عالمياً يتم توليده بالاستعانة بالطاقة الخضراء، وهذا يعني ضمناً أن حصة الطاقة المتجددة من الممكن أن تصل إلى 50% بحلول عام 2030. والطاقة النظيفة قادرة على تغيير قواعد اللعبة، لأنها تعيد سلطة التحكم في الطاقة إلى المواطنين، وهو ما يشكل تحدياً مباشراً لصناعة الوقود الأحفوري. وتتلخص الخطوة التالية الواضحة في الكفاح ضد تغير المناخ في التخلص تدريجياً من كل أشكال دعم هذه الصناعة.

الحق أن قمة المناخ التي استضافتها الأمم المتحدة الأسبوع الماضي قد لا تؤثر في مسار المفاوضات الرامية إلى التوصل إلى اتفاق دولي بشأن المناخ، ولكنها أعادت التركيز إلى حيث ينبغي له أن يكون: إلى أناس حقيقيين يطالبون بتغيير حقيقي من حكوماتهم، وقد أثبت المواطنون أنهم ملتزمون ولن يتمكن أحد من إسكات أصواتهم، ولم تكن مسيرة مناخ الشعب سوى البداية.

* مونيكا أرايا المديرة التنفيذية المؤسِسة لمنظمة نيفيلا، وزعيمة مجموعة المواطنين "كوستاريكا ليمبيا"، وهانز فيرولم مؤسس شبكة مستشاري المناخ وكبير مستشاريها للشؤون الاستراتيجية.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top