«داعـش»... الذي وحّد العالم

نشر في 30-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 30-09-2014 | 00:01
لقد أثبت «داعش» أن العالم أصبح اليوم أكثر عولمة من أي وقت مضى، فهو تنظيم إرهابي بربري وحشي لا يمثل الإسلام، ولا يمثل أيضاً الحد الأدنى من الإنسانية الحقيقية، ولكن التغلب على هذا التنظيم ليس بالسهولة التي يمكن أن يتوقعها الكثيرون، فالبنية العسكرية له يمكن هزيمتها خلال الفترة القريبة القادمة، ولكن ماذا عن البنية الفكرية لهذا التنظيم؟
 محمد بن راشد آل مكتوم تظهر لنا الأزمات الاقتصادية التي يمر بها العالم بين فترة وأخرى مدى الترابط المالي والتجاري بين مختلف دول العالم، وأظهرت لنا أزمة "داعش" مدى الترابط الأمني بين مختلف دول العالم، فلا يمكن لأي سياسي يعيش في أوروبا أو أميركا أو شرق آسيا أو حتى روسيا وأستراليا أن يتجاهل ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وحتى لو كان بعيداً عن النيران فستصله حرارتها لأن الحدود الحقيقية بين دول العالم سقطت، والحواجز ألغيت، وإلا كيف يمكن أن نفسر قدرة هذا التنظيم الذي لم يتعد عمره عشر سنوات على استقطاب مقاتلين من 80 دولة حول العالم، وحشد أكثر من 30 ألف مقاتل مستعدين للموت وارتكاب أبشع أنواع الفظائع والقتل التي شهدها العالم في العقود الأخيرة؟

لقد أثبت "داعش" أن العالم أصبح اليوم أكثر عولمة من أي وقت مضى، فهو تنظيم إرهابي بربري وحشي لا يمثل الإسلام، ولا يمثل أيضاً الحد الأدنى من الإنسانية الحقيقية، ولكن التغلب على هذا التنظيم ليس بالسهولة التي يمكن أن يتوقعها الكثيرون، فالبنية العسكرية له يمكن هزيمتها خلال الفترة القريبة القادمة بالإمكانات المتوافرة لدى التحالف الدولي الجديد، والإمارات ستكون جزءاً فاعلاً في هذا التحالف بالتعاون مع الدول التي يمكنها تحمل مسؤوليات هذا الخطر الجديد، ولكن ماذا عن البنية الفكرية لهذا التنظيم؟ لا يمكن فصل البنية العسكرية عن البنية الفكرية التي قام عليها هذا التنظيم، وأيضاً عن الظروف والبيئة التي تساعده دوماً على الظهور في مناطق مختلفة من العالم.

"داعش" ليس تنظيماً إرهابياً فقط، بل هو فكرة خبيثة، فـالإيديولوجيا التي قام عليها هي نفسها التي قام عليها تنظيم "القاعدة" وهي نفسها التي قامت عليها أخوات القاعدة في نيجيريا وباكستان وأفغانستان والصومال واليمن وفي بلاد المغرب العربي وبلاد الجزيرة العربية، وهي نفسها التي بدأت تضع بذوراً لها في أوروبا وأميركا وغيرها من بلاد العالم، "داعش" ليس منظمة إرهابية بل هو تجسيد لفكرة خبيثة، ولا يمكن هزيمة فكرة خبيثة باستخدام التحالفات العسكرية فقط.  

لعل هذا الفكر الخبيث وما سينتج عنه هو أسوأ ما سيواجهه العالم خلال السنوات العشر القادمة، وهناك فكر جاهز ومعلب وله صبغة دينية، يمكن أن تأخذه أي منظمة إرهابية، وتحشد له آلاف الشباب اليائس أو الحاقد أو الغاضب، وتضرب به أسس الحضارة والمدنية والإنسانية التي يقوم عليها عالمنا اليوم.

أكثر ما يقلقني أن هذا الفكر الخبيث الذي قام عليه "القاعدة" بأدواته البدائية من كهوف أفغانستان واستطاع أن يزعزع به أمن العالم ويقلق راحته هو الفكر نفسه الذي يقوم عليه "داعش" اليوم، ويستند في تنفيذه على أدوات تكنولوجية متقدمة وموارد مالية ضخمة ومساحة جغرافية هائلة تعادل حجم المملكة الأردنية، ومشاركة جهادية واسعة من مختلف مناطق العالم، مما يؤشر أن العالم فشل في مواجهة الفكر الخبيث، وأن التحدي أكبر بكثير مما نتوقع؛ لأن هذا الفكر أصبح أكثر تشدداً وأكثر وحشية وأوسع انتشاراً من النسخة السابقة له.

لست متشائماً بطبعي، بل أنا متفائل، متفائل لأن العالم بدأ يتوحد ويعمل بطريقة متناسقة لمواجهة هذا التحدي، ومتفائل لأن قوة الأمل والرغبة في الاستقرار والازدهار عند الشعوب أكبر بكثير وأقوى بكثير من هذا الفكر الخبيث، ومتفائل أيضاً لأن العالم مر عليه في تاريخه الحديث والقديم من هم أسوأ من "داعش" وإخوته، وانتهى بهم الأمر في صفحات التاريخ السوداء.

لعل إحدى حسنات "داعش" وإيجابياته أنه وحد العالم، وجمع الأضداد، وجعل الجميع يضع خلافاته جانباً ليواجه هذا الخطر المتنامي بهذا الاستعجال الإيجابي، وأتمنى أن يستمر العالم بنفس الروح ونفس التصميم للتغلب على كل التحديات المشتركة التي تواجه العالم.

أما بالنسبة إلى مواجهة هذا الخطر، فبالإضافة إلى العمل العسكري، والحصار المالي والإعلامي، وقطع الموارد، وإغلاق المنافذ، وضرب مراكزه وقياداته، يمكن التغلب على "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية عبر 3 محاور إضافية:

أولاً: لا بد من مواجهة هذا الفكر الخبيث بفكر مستنير، منفتح، يقبل الآخر ويتعايش معه، فكر مستنير من ديننا الإسلامي الحنيف الصحيح الذي يدعو للسلام، ويحرم الدماء، ويحفظ الأعراض، ويعمر الأرض، ويوجه طاقات الإنسان لعمل الخير ومساعدة أخيه الإنسان. إن الشباب الانتحاري الساعي إلى الموت بسبب إيمانه بفكرة خبيثة لن يوقفه إلا فكرة أقوى منها ترشده إلى طريق الصواب، وتمنعه من الانتحار، وتقنعه بأن الله خلقنا لعمارة الأرض وليس لدمارها، ولعلي هنا أشيد بتجربة إخوتنا في المملكة العربية السعودية في هذا المجال وقدرتهم الكبيرة على تغيير قناعات الكثير من الشباب عبر مراكز المناصحة التي أنشؤوها، ولعل المملكة بمفكريها وعلمائها وما تمثله من مكانة روحية وفكرية لدى المسلمين هي الأقدر والأجدر والأفضل لقيادة هذا التغيير الفكري.

ثانياً: الحكومات القوية المستقرة الجامعة التي تركز على تقديم خدمات حقيقية لشعوبها دون تفرقة هي أيضاً أحد الحلول المهمة للقضاء على البيئة التي تنشط فيها مثل هذه التنظيمات، ولعله ليس سراً أن الصعود السريع لـ"داعش" جاء بسبب حكومتين في المنطقة، واحدة تقتل شعبها وأخرى تفرق بينه أبنائه على أساس طائفي، مما مثل البيئة المثالية لصعود مثل هذا التنظيم واجتذاب آلاف المقاتلين وتوفير التبرير لقتل المزيد من المدنيين من أبناء الطوائف الأخرى.  

هناك عدم استقرار وتحديات جدية تواجه العديد من الحكومات الأخرى في المنطقة، لا يمكن تجاهل ذلك لأنه سيوفر بيئة مثالية وفراغاً تملؤه مثل هذه التنظيمات الإرهابية في أكثر من دولة.

ثالثاً: لا يمكن للعالم تجاهل الإخفاقات التنموية في العديد من مناطق الشرق الأوسط، فهي مسؤولية عالمية وعربية ولا بد من مشاريع ومبادرات فعالة لعلاج مثل هذا الخلل: التنمية الشاملة، وتحسين التعليم والصحة، وتوفير البنية التحتية، وتطوير الفرص الاقتصادية هي حلول طويلة الأمد ومضمونة لمثل هذه التحديات، والتنمية المستدامة هي أكثر الحلول استدامة لمواجهة الإرهاب.

فهناك 200 مليون شاب في منطقتنا، إما أن نغرس فيهم الأمل ونوجه طاقاتهم لتغيير حياتهم وحياة من حولهم للأفضل، أو أن نتركهم للفراغ والبطالة والأفكار الخبيثة والمنظمات الإرهابية، فالتطور الاقتصادي والتنموي وتوفير فرص العمل ورفع مستوى المعيشة لا تترك أي مبرر أو معنى لقيام تنظيمات إرهابية قوية حتى إن تم تجنيد بعض الشباب هنا وهناك.

ولا توجد قوة أكبر من قوة الأمل بحياة ومستقبل أفضل، فقبل فترة سألني أحد المسؤولين العرب عن هدف دولة الإمارات من إطلاق أول مسبار عربي للمريخ وفائدته للمنطقة، قلت له نريد أن نبعث برسالة أمل لـ350 مليون عربي، نحن قادرون على استعادة مستقبلنا ومسابقة العالم من حولنا إذا أردنا ذلك.  

* نائب رئيس الإمارات العربية المتحدة

ورئيس وزرائها وحاكم دبي.

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top