هيتشكوك يكشف نشاط دماغ رجل في حالة {إنباتية}

نشر في 21-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 21-09-2014 | 00:01
شاهد نحو 12 متطوعاً أحد أعمال ألفرد هيتشكوك لأجل العلم، وهم ممددون من دون أي حراك في آلة المسح بالرنين المغناطيسي. لكن مشاركاً آخر، يعيش في حالة إنباتية منذ 16 سنة، أظهر نشاطاً دماغياً مماثلاً على نحو مفاجئ لنشاط المتطوعين الأصحاء، ما يوضح أن بنية الحبكة كان لها تأثير فيه. نُشرت الدراسة في Proceedings of National Academy of Sciences.

تشكل حلقة في برنامج {ألفرد هيتشكوك يقدّم} (1961) قُصّرت إلى ثماني دقائق، دراسة في التشويق. ففيه نرى فتاة في الخامسة من عمرها تحمل مسدساً محشواً تظنه لعبة وهي تتجول في حيها في الضواحي، صائحة {بانغ} في كل مرة تصوب فيها المسدس نحو شخص وتضغط على الزناد.

فيما راح المشاركون في الدراسة يشاهدون هذا العمل، راقب الباحثون نشاط دماغهم بواسطة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي. فأظهر المشاركون الأصحاء الاثني عشر أنماطاً مماثلة من النشاط، وخصوصاً في أجزاء من الدماغ ترتبط بقدرات معرفية عالية (المناطق الجبهية والجدارية)، فضلاً عن مناطق تؤدي دوراً في معالجة المعلومات الحسية (القشرة السمعية والبصرية).

بالإضافة إلى ذلك، لم تعرب امرأة غير متفاعلة سلوكياً في العشرين من عمرها عن أي أنماط في الدماغ إلا في المناطق الحسية. لكن شخصاً آخر، رجل في 34 من عمره يعيش في حالة إنباتية منذ كان في الثامنة عشرة، أعرب عن أنماط في نشاط الدماغ في مناطق الدماغ التنفيذية والحسية، تماماً مثل المشاركين الأصحاء.

يشير أدريان أون، عالم أعصاب من جامعة غرب أونتاريو في لندن بكندا: {لم يختلف مطلقاً عن أنماط المشاركين الأصحاء خلال مشاهدة الفيلم}.

يذكر راسل بولدراك، عالم أعصاب معرفي من جامعة ستانفورد في كاليفورنيا لم يشارك في هذا البحث، أن  الدراسة {تقدّم أفضل الأدلة على أن من الممكن استخدام بيانات المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي لتحديد مدى وعي المرضى في الحالة الإنباتية}.

ذاع صيت أون عام 2006 بعدما  سجل نشاطاً دماغياً واعياً لدى امرأة في الثالثة والعشرين من عمرها في حالة إنباتية. صحيح أن المرأة ظلت ممددة لا تتفاعل مع ما حولها، عندما طلب منها الباحثون تخيل أنها تلعب كرة المضرب وهي في آلة التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، إلا أن مناطق الحركة في الدماغ نشطت بالطريقة ذاتها تقريباً كما في حالة أي إنسان صحيح آخر. وباستخدام اختبارات مماثلة، رصد الفريق، أيضاً، أنماطاً من نشاط الدماغ الواعي، على ما يبدو، في نحو خمسة أشخاص كان يُعتقد أن دماغهم ميت.

إشارات عصبية

تقول عالمة الأعصاب لورينا ناسي، باحثة تتابع دراساتها ما بعد الدكتوراه في مختبر أون وشاركت في الدراسة الجديدة: {نعتقد أن الرقم قد يكون أعلى بعد}. في جهود سابقة لتحديد نشاط الدماغ في حالة مرضى غير متفاعلين سلوكياً، تلقى المشاركون توجيهات محددة في شأن ما عليهم التفكير فيه ومتى. لكن انتباههم قد يتشتت خلال تمددهم داخل الآلة. لذلك فكرت ناسي وزملاؤها في أن اللجوء إلى الأفلام سيجعل الاختبار أسهل. توضح: {يشكل هذا محفزاً يشد الانتباه طبيعياً، ومن المستحيل ألا يتتبعه الشخص، وخصوصاً حين يشاهد فيلماً مؤثراً لمخرج بارع مثل هيتشكوك}.

كشفت دراسات أعدها باحثون آخرون أنماطاً من النشاط العصبي في مختلف مناطق دماغ الأشخاص الأصحاء خلال مشاهدتهم أفلاماً مثل حلقة هيتشكوك هذه أو فيلم سيرجيو ليوني عن الغرب الأميركي عام 1966 The Good, the Bad and the Ugly. لكن أون وناسي بحثَا بالتحديد عن إشارات عصبية تدل على أفكار مركزة.

يذكر أون: {يُعتبر ألفرد هيتشكوك صانع أفلام عظيماً في هذا الإطار، لأن أعماله مليئة بطبقات من الإيحاءات والاستنتاجات. كذلك يستخدم كثيراً من التلميحات المسبقة. وتتطلب كل هذه معالجة تنفيذية. فلا تحدث أمور مماثلة بشكل غير واعٍ}. على سبيل المثال، عندما توشك الفتاة أن تطلق النار من مسدسها على أمها، يفكر المشاهد في عدد الرصاصات التي وضعتها في المسدس في المشهد السابق.

لا تعني هذه الاكتشافات أن المشاركين في الدراسة راودتهم أفكار متطابقة خلال مشاهدتهم الفيلم، وفق ناسي. يدل هذا على أن بعض أوجه هذه التجارب متشابه. تقول: {في المرتين الأوليين اللتين شاهدت خلالهما الفيلم، شعرت بتوتر كبير. وأظن أن هذا ما يحدث مع المريض. نعتقد أنه يفهم الفيلم ويتابعه}.

تجربة واعية

يشير بولدراك، الذي سبق أن حذر من المبالغة في تفسير بيانات المسح بالرنين المغناطيسي الوظيفي: {أعتبر النشاط في هذه الأنظمة مؤشراً إلى وجه محدد من التجربة الواعية}، لا إلى الوعي. ويضيف: {تبدو النتائج قوية في رأيي، قوية بقدر ما يمكنك الحصول عليه في دراسة مماثلة}. ويود في المستقبل أن يرى نتائج مماثلة لدى عدد أكبر ممن يعيشون في حالة غير متفاعلة، فضلاً عن أدلة تثبت أن بعض خصائص الفيلم، مثل الإيحاءات، يرتبط بأنماط في نشاط الدماغ تكون متشابهة لدى الأصحاء ومَن يعانون حالة إنباتية.

يذكر أون أن الفريق أجرى مسحاً لعدد كبير من الأشخاص خلال مشاهدتهم الأفلام، كثيرون منهم في حالة إنباتية، ويأمل أن يتبنى أطباء آخرون هذه الطريقة. علاوة على ذلك، يوضح أن اكتشافه قد يسهم في تحسين حياة المرضى العاجزين عن التعبير عن رغباتهم.

منذ أن فقد الرجل البالغ من العمر 34 سنة الوعي بعد تعرضه لاعتداء في سن الثامنة عشرة، يصطحبه والده إلى السينما كل يوم أربعاء. يذكر أون: {لا شك في أن واقع أنه يستمتع بهذه الأفلام وأنه يفهمها يعكس وجهاً مهماً من أوجه حياته. فثمة الكثير من أيام الأربعاء خلال 16 سنة}.

back to top