سعيد مرزوق مات!

نشر في 20-09-2014
آخر تحديث 20-09-2014 | 00:01
 مجدي الطيب غيب الموت المخرج الموهوب سعيد مرزوق (1940 ـ 2014) بعدما ساءت حالته الصحية، نتيجة إصابته بجلطة جديدة عقب دخوله مستشفى القوات المسلحة في المعادي للعلاج على نفقة الدولة.

كانت أزمة المخرج الكبير قد بدأت لحظة أن شعر بوعكة صحية، منذ ما يقرب من أربع سنوات، لم يتم التعامل معها بالشكل الطبي الصحيح، ما أدى إلى تفاقم الحالة، وإصابته بجلطة منعته من النطق والحركة والعمل، واستدعت علاجه على نفقة الدولة خارج مصر، لكنه فوجئ، ىبعد وصوله إلى ألمانيا، أن المبلغ الذي خصصته الحكومة المصرية، ويُقدر بثمانية آلاف يورو، لا يكفي نفقات العلاج، وأن عليه تدبير مبلغ يناهز 25 ألف يورو. ولحظتها قرر العودة إلى مصر بسبب شعوره باللامبالاة التي تحكم أداء الموظفين، والإهمال الذي سيطر على مسؤولي السفارة المصرية، الذين لم يفكروا في إيفاد موظف صغير ليسأل عنه. غير أن المصريين، والأشقاء العرب المقيمين في ألمانيا، تولوا زمام المبادرة، ونجحوا في تدبير نفقات العلاج، وانضمت إليهم السفارة القطرية في العاصمة الألمانية؛ حيث فوجئ بالسفير يسأل عنه، ويبلغه أن زوجة الأمير القطري أمرت بأن تتكفل سفارة قطر في ألمانيا، بتحمل جانب من نفقات علاجه في المستشفى الألماني!

عاد مرزوق إلى مصر لاستكمال علاجه، وواصلت السفارة القطرية في القاهرة تحمل النفقات، وزاره السفير القطري في القاهرة، كذلك أرسل طاقماً طبياً لمتابعة حالته الصحية، في حين قوبل بتجاهل غير مبرر من وزراء الثقافة: فاروق حسني، د.عماد أبو غازي، ود. شاكر عبد الحميد. ومع تولي د. صابر عرب حقيبة وزارة الثقافة قام بالسؤال عنه، في حدود ما تمليه عليه وظيفته. لكن الدعم المعنوي الكبير جاء من رفاقه الذين عملوا تحت قيادته كمخرج، وأولئك الذين لم يلتق بهم في حياته، ممن لم ينقطعوا عن زيارته في الدار التي يُعالج فيها في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي، وبقدر فرحته بمظاهرة الحب التي رأها ولمسها، وقال لي إنه لم يتوقعها، وكانت سبباً في الروح المعنوية العالية التي خففت عنه، إلا أن شعور المرارة لم يفارقه بسبب تقصير الحكومة تجاه مبدع قدم الكثير لوطنه، ولما أعياه المرض أهملته، وأعلنت علاجه على نفقتها من باب حفظ ماء الوجه أمام الرأي العام!

لم أنقطع عن زيارة المخرج الكبير في الدار التي كان يتلقى فيها جلسات العلاج الطبيعي ولكن الاستجابة كانت بطيئة للغاية، وبين الحين والآخر كانت تتملكه حالة من اليأس تنعكس سلباً على حالته النفسية. غير أن زوجته القوية ريموندا وقفت إلى جانبه تشجعه وتشد من أزره، ونتيجة تدهور العلاقات المصرية القطرية، توقف الجانب القطري عن علاجه، واضطرت زوجته إلى بيع ما تبقى من ممتلكات حتى نفدت المدخرات، وتدهورت صحتها أيضاً، وطوال الوقت ظل مؤمناً بقضاء الله وحكمته. وعندما كنت أستحثه على أن يطالب الدولة بحقه كان يُعلق: «الشكوى لغير الله مذلة» !

ربما كانت الدولة المصرية في حاجة إلى من يُذكرها بأن سعيد مرزوق هو المخرج الذي منح مهرجان لايبزج للأفلام التسجيلية والقصيرة فيلمه التسجيلي القصير {أعداء الحرية} (1967) الجائزة الثانية، وفي الدورة الأولى لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي العام 1976 فاز فيلمه {المذنبون} بجائزة التمثيل رجال (عماد حمدي)، ولم يُشارك في مسابقة محلية من دون أن ينتزع جوائز الجمعيات السينمائية الأهلية، ولم يُعرف عنه، يوماً، أنه حصل على جائزة بالمجاملة؛ إذ إنه لم يكن صاحب شبكة واسعة من العلاقات الاجتماعية بل كان يتحرك داخل دائرة محدودة للغاية من الأصدقاء، ما دفع البعض إلى اتهامه بالغرور. بينما واقع الحال أنه كان متواضعاً وخجولاً للغاية!

غيب الموت {العصامي} سعيد مرزوق، الذي ثقف نفسه بنفسه، وأوجد لنفسه لغة سينمائية خاصة ورؤية متفردة، حتى صار أحد كبار {المُجددين} في السينما العربية عموماً، والمصرية خصوصاً، وعلامة فارقة في تاريخ الإخراج المصري، بأسلوبه الفني المُدهش، الذي أجبر مخرجين كُثراً على تغيير جلودهم، والاقتداء به، وكان من الطبيعي، والحال هكذا، أن يُسفر الاستفتاء الذي أجري العام 1996، وشاركت فيه نخبة من النقاد لاختيار قائمة أفضل مئة فيلم في تاريخ السينما المصرية، عن اختيار ثلاثة من أفلامه هي: {زوجتي والكلب}،}أريد حلاً} و{المذنبون}.

رحل سعيد مرزوق، لكن روحه لن تهدأ ما لم نسع إلى إنصافه، ولتكن البداية بمنحه جائزة الدولة التقديرية، التي انتظرها ولم ينعم بها في حياته رغم أنه يستحقها عن جدارة، وإخضاع سينماه للدراسات البحثية والتحليلات النقدية التي تتناول مبدعاً كبيراً لم يكتف بفهم حرفية السينما، والتجديد في لغتها، وإنما حرص، في غالبية أفلامه،على الاقتراب من هموم المواطن، والاشتباك مع قضايا الوطن.

back to top