13 عاماً ولا يزال الإرهاب مزدهراً!

نشر في 15-09-2014
آخر تحديث 15-09-2014 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري اجتمع وزراء خارجية 12 دولة نافذة– مجلس التعاون، مصر، العراق، الأردن، لبنان، تركيا، أميركا– في الذكرى الثالثة عشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، لوضع خارطة طريق لمواجهة "داعش"، اختيار هذا اليوم موعداً لهذا الاجتماع الإقليمي الدولي الهام يحمل دلالات، أبرزها: توجيه رسالة قوية بعزم هذه الدول على مواصلة حربها ضد الإرهاب والوقوف صفاً واحداً في مواجهته، وتضمن البيان الختامي التزام هذه الدول بالمشاركة في (الاستراتيجية الشاملة) ضد "داعش" عبر الإجراءات الآتية:

1- منع تدفق المقاتلين الأجانب من دول الجوار.

2- وقف تدفق الأموال لـ"داعش" والجماعات الأخرى.

3- رفض أيديولوجيات الكراهية.

4- محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الفظائع.

5- المساهمة في جهود الإغاثة الإنسانية وإعادة إعمار وتأهيل المناطق السكانية التي تعرضت لفظائع "داعش".

6- دعم الدول التي تواجه التهديد الأكبر من "داعش".

7- الاستعداد للتدخل العسكري المنسق ضد "داعش"، حين يكون الأمر ملائماً.

قبل (13) عاماً شن "القاعدة" أخطر وأبشع هجماته على أميركا، في صبيحة ذلك اليوم الكارثي 11-9 قام الانتحاريون الـ19، باختطاف (4) طائرات تجارية، وضرب برجي مركز التجارة العالمي بنيويورك و"البنتاغون" بواشنطن، رموز الشموخ والهيبة والقوة الأميركية– فيما بعد اعترف خالد شيخ محمد، الرجل الثالث في تنظيم القاعدة، الباكستاني الجنسية، الكويتي الولادة 1964 بأنه المخطط لهذه الهجمات وأن فكرة خطف الطائرات فكرته أقنع بها بن لادن، وقد تم اعتقاله 2003– سقط أكثر من 3 آلاف نفس بريئة، شاء حظها العاثر أن توجد هناك، وتزلزلت أميركا وفجع الأميركيون بهذا الهجوم الغادر الذي ذكرهم بالهجوم الياباني المباغت في (بيرل هاربر) 1941، كان ذلك اليوم الرهيب، يوماً مفصلياً في تاريخ أميركا والعالم، تغير فيه وجه التاريخ وأصبح عالم ما بعد 11 سبتمبر، غير العالم قبله، ودّع العالم بعدها دنيا ما قبل 11-9 الآمنة.

 تداعيات ونتائج وآثار وعواقب هذه الهجمات كانت كبيرة وخطيرة ليس على أميركا وحدها ولا على العالم فحسب، بل على المنطقتين العربية والإسلامية خاصة، حتى إنها لم تخطر على بال من خططوا ونفذوا هذه الهجمات، صممت أميركا على الانتقام الرهيب من الإرهابيين وقادت تحالفاً دولياً باسم (الحرب على الإرهاب) غزت أفغانستان وأسقطت دولة طالبان، وشردت "القاعدة" ودكت أوكاره وتعقبت فلوله واصطادتهم مصفدين إلى أقفاص "غوانتنامو" الرهيبة، وغزت العراق وأسقطت نظامه القمعي وتخلص الخليج من جار السوء وتنفس الخليجيون والكويتيون الصعداء، وضغطت أميركا على دول المنطقة لإعادة النظر في مناهجها وخطابها الديني وأوضاعها السياسية بما يتيح المجال لمزيد من الانفتاح والتسامح.

 واعتقدنا كما اعتقد الكثيرون أن الإرهاب إلى انحسار وزوال، لنكتشف اليوم بعد 13 عاماً من الحرب الدولية والإقليمية المستمرة على الإرهاب: بتصفية قادته واصطياد رموزه وتجفيف مصادره المالية وملاحقة فلوله ومحاكمة أتباعه وإجهاض تنظيماته، أن الإرهاب ما زال نشطاً منتعشاً لم يُقض على خطورته وتهديداته!

عاد الإرهاب أكثر نشاطاً وازدهاراً يجتذب إلى صفوفه الآلاف من شباب المسلمين من مختلف بقاع العالم، وتعاظم خطره وتزايدت تنظيماته، وفقاً لتقرير راند، فإن المنظمات الإرهابية تزايدت في الفترة من 2010 إلى 2013 بنسبة 58%، وعاد الإرهاب أكثر ضراوة ووحشية في صورته الجديدة (داعش) يخترق الحواجز الأخلاقية، ويدوس القيم الإسلامية، وينتهك المقدسات الدينية، ويرتكب المجازر المروعة ويقتلع الملايين من البشر من أوطانهم ويضطرهم للرحيل القسري، ويختطف النساء ويبيعهن سبايا.

 لماذا عاد الإرهاب أكثر قوة؟ ولماذا لم تتمكن الجهود الدولية والإقليمية من القضاء عليه، أو تجفيف منابعه، أو تحجيمه؟!

الجواب: لأن "البنية الاجتماعية الراسخة" للفكر العنيف، قاومت التغيير طوال 13 عاماً، من الجهود المبذولة في مكافحة الإرهاب على المستويين "المستوى الفكري" بتطوير المناهج وتحديث التعليم وتجديد الخطاب الديني وضبط العمل الخيري، وتشديد تشريعات مكافحة الإرهاب، وتجريم المنتمين إلى المنظمات الإرهابية أو المتعاطفين معها أو المروجين لأفكارها، وإبعاد الخطباء المحرضين عن المنابر الدينية والتعليمية، وعلى "المستوى الأمني" بتصفية الآلاف منهم في المواجهات الأمنية والقبض على الآلاف منهم وتقديمهم للمحاكمة، غير الضربات الاستباقية التي أجهضت ما نسبته 95% من مخططاتهم.

 لكن كل هذه الجهود لم تستطع تغيير "البنية الاجتماعية الصلبة للفكر العنيف"، إذ لا يزال "الفيروس الإرهابي" نشيطاً، يغزو عقول ونفوس شباب في عمر الزهور، ويجندهم لمخططاته العدوانية، لم تستطع هذ الجهود تحصين البنية الاجتماعية وتقوية "مناعتها" لمواجهة غزو الوباء الإرهابي، كان تأثير هذه الجهود على القشرة السطحية الظاهرة، ولم يصل إلى العمق المجتمعي لإحداث التغيير المطلوب.

 إذ لا تزال أعداد "المغرر بهم" الملتحقين بـ"داعش" في تزايد– داعش اليوم يضم 12 ألف مقاتل من 81 جنسية بينهم 3 آلاف أوروبي-  وما زالت منصات الخطاب المتطرف، ناشطة– هناك 20 ألف موقع إلكتروني لاصطياد الشباب، و95% من المغرر بهم، يتم عن طريق التواصل الاجتماعي طبقاً للباحث الأمني السعودي محمد الهدلاء- ولا يزال العديد من المطلق سراحهم بعد تأهيلهم ومناصحتهم يعودون للإرهاب، وما زال الفكر "الداعشي" يحظى بتأييد قطاع شعبي عريض!

وفي مقالة "أمهات داعشيات" تنقل الكاتبة السعودية زينب غاصب، عن "الحياة" اللندنية، عن استطلاع على مواقع التواصل الاجتماعي في 23-7 أن ما نسبته 92% يؤيدون "داعش"! كما أن بعض الدعاة الخليجيين المشهورين فتحوا أبواب العزاء عبر حساباتهم في "تويتر" لتأبين قادة جبهة "أحرار الشام"، وفي ذكرى مرور 13 عاماً على هجمات 11-9 أحيت "داعشيات" احتفالاً عبر المواقع الإلكترونية!

ختاماً: لم تفلح الجهود المبذولة في مكافحة جاذبية الفكر المتطرف، إذ ما زالت تستهوي نفوساً غضة وتحولها إلى قنابل بشرية مدمرة، وذلك بسبب ضعف مناعة الحواضن الاجتماعية التي تشكو ضعفاً في المقاومة والممانعة.

 * كاتب قطري

back to top