شغِّل «عقلك الأزرق»!

نشر في 03-09-2014 | 00:01
آخر تحديث 03-09-2014 | 00:01
حين تتوجه النائبة الأميركية تولسي غابارد إلى منزلها من واشنطن إلى هاواي، مرتين في الشهر، أول ما تفعله هو رمي حقائبها وارتداء ثوب السباحة والتوجه مباشرةً إلى المحيط. بالنسبة إلى غابارد، وهي العضو الوحيد المعروف بحبه لركوب الأمواج في الكونغرس راهناً، يوفر الانزلاق في وجه الأمواج شكلاً من السلام العميق الذي يصعب إيجاده وسط الأحقاد السائدة في «كابيتول هيل».

تقول تولسي غابارد: {إنها طريقة فاعلة للحفاظ على توازننا وسط عالم مجنون. يكون الأثر جسدياً وعاطفياً ونفسياً. حتى لو كانت الساعة السادسة صباحاً قبل أن أتوجه إلى المكتب، أشعر بحاجة ماسة إلى هذا النشاط نظراً إلى الصفاء والعمق اللذين أكتسبهما من هذه التجربة}.

يبدو الشعور بالراحة القصوى بالقرب من الماء شائعاً، وهو لا يقتصر على راكبي الأمواج فحسب. لذا يتدفق الجميع إلى الشاطئ في فصل الصيف وترتفع كلفة العقارات التي تطل على منظر المحيط. من المعروف أن شرب الماء ينعكس إيجاباً على صحتنا الجسدية، لكنّ الماء ضرورية لكل شيء، بدءاً من البشرة والعضلات وصولاً إلى وظيفة الكلى والقلب.

تركيز وإبداع

بدأ العلماء المعرفيون يجمعون لتوهم أدلة على أنّ القرب من الماء له منافع عقلية قابلة للقياس، كونه يضمن الهدوء والتركيز والإبداع ونوعية النوم والسعادة عموماً.

قد تتعزز بعض المنافع في الدماغ لمجرد التعرض للهواء الطلق: إنها نتيجة احتكاك الدماغ بالطبيعة. استعمل العلماء أجهزة ضئيلة وقابلة للارتداء لإجراء تخطيط كهربائي للدماغ وإحداث تعديلات في فحوصات الرنين المغناطيسي الوظيفي، فتمكنوا من قياس آثار الحضور  في مواقع طبيعية على العواطف. حتى الاحتكاك الطفيف بالطبيعة يحفّز الأجزاء الدماغية المرتبطة بالتعاطف والمشاعر الإيجابية والوعي الذاتي: إنها أسس السعادة!

برزت أدلة على أن المواقع المائية توفر السعادة أكثر من أي مكان طبيعي آخر. في 2011،  طوّر الباحثان جورج ماكيرون من جامعة ساسكس وسوزانا موراتو من كلية لندن للاقتصاد تطبيقاً للهواتف الذكية، اسمه Mappiness، لتعقب مستوى الراحة الذاتية.

طوال اليوم، يتلقى المشاركون عشوائياً أسئلة عما يفعلونه ومن يرافقهم وما يشعرون به. استناداً إلى ثلاثة ملايين جواب ونصف من 60 ألف شخص، استنتج ماكيرون أن حضور  الفرد على  البحر أو في بيئة ساحلية ينذر بأنه سيكون أسعد بِست نقاط على مقياس من مئة نقطة مقارنةً بأي بيئة حضرية. نسبة السعادة هناك أعلى من تلك المسجلة في المزارع أو الجبال أو الغابات: {كان الأثر هناك أكبر من أي بيئة طبيعية نتأملها}.

هدوء وسكينة

إذا كان مجرد الحضور  بالقرب من الماء يعزز السعادة، فيعني ذلك أن الغطس فيها له تأثير أقوى بعد. يشبه ذلك الأثر منافع التأمل، بحسب قول والاس نيكولز في كتاب {العقل الأزرق}: {علم مفاجئ يثبت أن  حضور الشخص قرب الماء أو فيها أو عليها أو تحتها قد يرفع مستوى سعادتك وصحتك وأدائك}.

نيكولز هو خبير في علم الأحياء البحرية وباحث في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم، وقد استعمل مصطلح {العقل الأزرق} لوصف {الهدوء والسكينة والانسجام والشعور العام بالسعادة والاكتفاء في الحياة خلال اللحظة التي يشعر فيها الناس بأنهم في عمق المياه أو بقربها}.

يقول نيكولز إن أثر {العقل الأزرق} قد ينجم، جزئياً على الأقل، من مفعول الناقلات العصبية المعروفة باسم «كاتيكولامينات». تعيد المواد الكيماوية العصبية التي تنقل إشارات الضغط النفسي في الدماغ تنظيم نفسها في الماء، فتخفّض مستوياتها بما يشبه ما يحصل خلال جلسات التأمل، ما يساهم في تخفيف الضغط النفسي والقلق. يوضح نيكولز: «قد تقضي أفضل طريقة للتعامل مع الضغط النفسي بالتوجه إلى أقرب شاطئ».

حتى أن تذكّر الماء في العقل، بكل بساطة، قد يكون مفيداً بحسب رأي عالم النفس بول بيف. طلب هذا الباحث من جامعة كاليفورنيا في بيركلي من المتطوعين في المختبر أن يكتبوا عن تجربة شخصية مدهشة: {غالباً ما يكونون في الطبيعة، بالقرب من الماء. يكتب الناس عن مشاهدة غروب الشمس أو عن المرة الأولى التي سبحوا فيها في البحر الأبيض المتوسط}.

ثم طرح عليهم أسئلة افتراضية، فسمح لهم بالاختيار مثلاً بين إعادة المال إلى أمين الصندوق الذي أعطاهم مبلغاً مفرطاً وعدم إعادته. يقول بيف: {عندما يتذكرون تلك التجربة المدهشة، يصبحون أكثر نزاهة}.

تراجع الضغط

قد تكون المياه قوية، حتى في أشكالها غير المباشرة. في إحدى الدراسات، حين شاهد مرضى السرطان الذين يشعرون بألم مزمن فيديو يعرض مناظر طبيعية طوال 15 دقيقة، منها أصوات أمواج المحيط وشلالات وصوت ارتطام الماء، تراجع معدل هرمونات الضغط النفسي، الإبينفرين والكورتيزول، بنسبة تتراوح بين 20 و30%. في دراسة أخرى، سجل المراهقون الذين سمعوا صوت نافورة مياه في مكتب طبيب الأسنان تراجعاً في مستويات القلق.

يمكن شرح ميلنا إلى تفضيل البيئة المائية بدورها المؤثر على تاريخنا التطوري: لطالما كانت المياه العذبة أساسية لصمود البشر، وما زالت المياه المالحة مصدر غذاء أولي وسبباً للهجرة. يقول الباحثون إن الانجذاب إلى البيئات المائية كان سلوكاً تكيفياً في الأساس بالنسبة إلى أجدادنا، وربما لا يزال صدى ذلك التكيف في دماغنا.

بالنسبة إلى نيكولز، يُعتبر فهم تأثير المياه على العقل، لهذه الدرجة، خطوة مهمة لاستعمالها لضمان راحتنا (تخيل مازحاً أن يقدم الطبيب الوصفة التالية: خذ موجتين ومشية على الشاطئ مع نهر متدفق واتصل بي صباحاً!). لكن بما أنه من المدافعين عن حماية البيئة، يأمل أن تشدد هذه التحقيقات التي يقوم بها على أهمية حماية الممرات المائية الطبيعية.

يوضح نيكولز: {حين نحمي مصادر المياه، ستردّ لنا الحماية بدورها. قد يبدو التغيير مبهماً بالنسبة إلى معظم الناس. لكن من خلال ربط المحيطات والأنهار والينابيع والبحيرات السليمة بصحتنا العقلية، أظن أننا سنعزز بذلك علاقتنا بالمياه ونحميها}.

نحو {عقل أزرق}!

ألا تستطيع الوصول مباشرةً إلى منابع المياه الواسعة؟ يقدم نيكولز نصائح للاستفادة من منافع المياه في أي مكان وزمان:

• احرص على ملء الحوض بالمياه ثم اسكب فيه بعض أملاح الاستحمام وأضئ شمعة وشغّل تطبيقاً يصدر صوت المحيط. انزل تحت الماء إلى أن يبقى أنفك وحده خارج سطح الماء. اغمر نفسك بالماء.

• ركز على مصادر المياه الصغيرة التي تصادفها: نوافير، بحيرات، أحواض، ينابيع...

• في المرة المقبلة التي تقضي فيها عطلة على الشاطئ، ركز على مشاعرك حين تصل أخيراً إلى الشاطئ.

• التقط صوراً للمحيط أو اكتب صفحة عن تلك التجربة. راجع هذه المواد لاحقاً لتشغيل {عقلك الأزرق}!

back to top