إشكالية العرب السنّة في العراق: أنت «داعشي» إلى أن يثبت العكس

نشر في 30-08-2014
آخر تحديث 30-08-2014 | 00:01
 أنس محمود الشيخ مظهر أخطر ما واجه العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين هو الضبابية التي رافقت عمليات ما كانت تسمى بالمقاومة العراقية التي كانت تستهدف، وحسب ما يدعي أفرادها، إخراج المحتل الأميركي من العراق.

فلأول مرة يشهد العالم جماعات مسلحة ملثمة لا يعرف أهدافها الحقيقية ولا الأجندات التي تعمل على ضوئها باستثناء شعارات إعلامية تؤكد ضرورة محاربة الاحتلال وإخراجه، وكانت الساحة حينها مفتوحة أمام أي مجموعة مسلحة للدخول من خلال هذه الشعارات تحت بند المقاومة العراقية بمن فيها مسلحو "القاعدة"، في سابقة هي الأولى من نوعها نتج عنها إخراج القوات الأميركية والإبقاء على التأثير الإيراني ليصبح عامل الحسم الوحيد في الواقع العراقي بعد التغيير.

ويظهر أن الشارع السنّي تنبه في وقت متأخر بأن شعار المقاومة ومحاربة القوات الأميركية قد استغل لخدمة سياسات دولة إقليمية وتنفيذ أجنداتها بأيد سنية عربية عادت نتائجها ضد الخصوصية السنية العربية في العراق، فبدؤوا باعتصامات سلمية استمرت ما يقارب العامين ليظهر بعد ذلك مرة أخرى عامل المجاميع المسلحة الإسلامية، ويجهض الأهداف الحقيقية لتلك الاعتصامات.

 إن ظهور المجاميع الإسلامية المتطرفة في المنطقة، وتوقيتات تدخلها في أزماتها، والسيناريوهات التي تتحرك وفقها، لا تخدم الطرف السني بقدر ما تضر به أمنياً وسياسياً حتى عسكرياً، فكما أن تدخلها في سورية وضع الثورة هناك أمام حيثيات معقدة صبت في مصلحة النظام، ومنعت أي تعاطف دولي حقيقي معها، كذلك فإن دخولها على خط الأزمة العراقية وضع المكون السنّي أمام خيارين لا ثالث لهما: إما محاربتها مما يعني دخوله في حرب غير مضمونة النتائج، تستنزف طاقاته البشرية، وإما تجنب مقاتلتها مما يعني إفساح المجال لها كي تسيطر على المناطق ذات الأغلبية السنية، وإعطاء المبرر السياسي والأمني للمكون السياسي الآخر لضرب مناطق الوجود السني مدعوما بتأييد دولي، ويظهر أن المكون السني قد اختار الخيار الثاني الذي يفسح له مجالا ( وإن كان ضئيلا) عله يستطيع الضغط على الطرف الشيعي سياسيا مستغلا التوقيت الزمني لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة.

هناك بعض الاستنتاجات التي يمكن لنا استنباطها من دخول "داعش" المفاجئ والقوي في الأزمة العراقية الحالية، ويمكن تلخيصها على النحو التالي:

- عدم قدرة هذا المكون على بلورة أفكار سياسية تعارض الحكومات العراقية المتلاحقة منذ تأسيس الدولة العراقية (لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها هنا)، جعلها غير مهيأة للتغيير الذي طرأ على العراق بعد إسقاط نظام صدام حسين، فاقتصر التمثيل السني في العملية السياسية على شخصيات لم تعبر عن طموحات هذا المكون ولم ترتقِ إلى المستوى المطلوب.

- بسبب النقطة أعلاه فإن قيادة هذا المكون اقتصرت على رجال دين يفتقرون للحنكة السياسية التي يستطيعون من خلالها الخروج من الأزمات المتلاحقة بأقل الخسائر.

- وقوف أغلبية المكون السنّي في العراق ضد العملية السياسية وتبنيهم لنظريات المقاومة (المجهولة الهوية كما ذكرنا سابقا)، مع استمرار حزب البعث وبقاياه في الادعاء بأنهم محور المقاومة العراقية (في الوقت الذي لم يمثل حزب البعث طوال السنين العشر الماضية سوى دور الـ"كومبارس" في المسرح السياسي العراقي)، جعل منهم فريسة سهلة للجماعات الإسلامية المتطرفة في سيطرتهم على الأراضي التي يقطنها هذا المكون.

- بطلان الادعاءات السابقة في وجود مقاومة عراقية خالصة أجبرت الجيش الأميركي على الانسحاب، فيظهر أن من قاتل الجيش الأميركي سابقا كانت مجاميع إسلامية متطرفة من خارج الحدود، تحركت وفق أجندات لا تصب في مصلحة المكون السنّي، وإلا فكيف لتلك المقاومة المزعومة (إن وجدت) أن تعجز عن التصدي لـ"داعش" وقد هزمت من قبل (وحسب ما تدعي) الجيش الأميركي؟

- التناحر الذي تعيشه الشريحة السياسية للمكون السني، وإخفاق الكثير منهم في تحقيق مكاسب شخصية لهم قبل دخول "داعش" أديا بهم إلى الانجراف وراء أجندات "داعش" المجهولة، الأمر الذي أدى إلى اتهام المكون السني بالكامل بتأييد المجاميع الإرهابية من المكون الآخر المقابل.

لا شك أن المكون السني اليوم يتحمل مسؤولية كبرى في إثبات عدم ولائه للتنظيمات الإرهابية، كما يحاول أن يصوره البعض، وهو من يقع عليه جهد إخراج "داعش" من مدنه، فمهما كانت قوة الضربات الأميركية وشكلها فلن يكون بمقدورها إحداث تغيير فعلي على الأرض إن لم تنتفض العشائر السنية العربية ضد وجود هذا التنظيم، وكيفما كان خطاب حكومة المنطقة الخضراء في ضرورة إخراج "داعش" من العراق، فهي بالتأكيد غير معنية بمن يسيطر على الموصل أو صلاح الدين طالما كانت بغداد والجنوب بمنأى عن خطر هذه المجاميع الإرهابية.

على ذلك فإن السنّة العرب مطالبون اليوم بالابتعاد عن الفوضوية الفكرية التي عانوها طوال المرحلة الماضية، وترك العنتريات الإعلامية التي عودهم عليها حزب البعث المنحل، كي يتسنى لهم رؤية الواقع السياسي الجديد بعيدا عن خيالات الماضي وأمجاده، والمشاركة الحقيقية في العملية السياسية بطرح مطالب تتلاءم والظروف الحالية للعراق، متحررين من قيود دول وجماعات لم تجر عليهم سوى القتل والدمار على مدى عقد من الزمن.     

* كردستان العراق – دهوك

back to top