محاولة للنهوض بالفن أم محاصرته؟ تقييم الفن بمعيار أخلاقي

نشر في 28-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 28-08-2014 | 00:01
تقييم الفن بمعيار أخلاقي ظاهرة غريبة انتشرت في الفترة الأخيرة، تعتبر أي عمل ينتقد الواقع إساءة للمجتمع والدولة، وبدأت محاولات للحد من تناول قضايا المجتمع الشائكة والاكتفاء بتقديم أعمال للتسلية.  هل قرر النظام استخدام الفن وسيلة لإلهاء الناس من دون التطرق لموضوعات تزيد من الاحتقان. أم تقديم أعمال جادة ترتقي بأخلاق المجتمع بعد التدني الأخلاقي حتى لو كان بشيء من التقييد والتوجيه؟

يرى المنتج د. محمد العدل أن الفن انعكاس للواقع وتعبير عنه، ولا بد من أن يكون مستمداً من الواقع، ومن يرى أن الفن يشوه المجتمع ويسيء إليه لمجرد نقل الواقع وتسليط الضوء على سلبياته مخطئ وواهم، لأن وجود المشكلة هو الإهانة وليس عرضها.

 يضيف: {أقدم ما أقتنع به من فن والسبكي يقدم ما يقتنع به، والفصل بيننا هو الجمهور الحقيقي، نبض الشارع، وليس هوانم النوادي والجمعيات وضيوف الفضائيات، الذين تركوا المجتمع مليئاً بالمشاكل، وتفرغوا للهجوم على الفن لأنه ينتقد الواقع}.

يتابع: {لا يهمني ماذا يريد النظام من الفن، سواء كان نقداً أو تعرية الواقع أو تسلية،  فحسب، بل أقدم ما أقتنع به والجمهور حَكَم بيننا}.

مصالح النخبة

يرى الناقد طارق الشناوي أن أزمة هذا المجتمع في نخبته ومثقفيه الذين تحركهم مصالحهم ورغباتهم، وقد أدرك النظام، ممثلا بوزير الثقافة، هذه النقطة وقرر ارضاءهم لتنفيذ ما يريد بشكل غير مباشر.

يضيف: {ظهر علينا الطامع في منصب والراغب في العودة إلى الأضواء في ثوب المحافظين على الأخلاق العامة والآداب من انحلال الفن والفنانين، لأن التوجه العام للنظام الجديد ظاهره محافظ لحماية الأخلاق العامة وقيم المجتمع، وباطنه البعد عن نقد الواقع وتعريته حتى لا يشعر الجمهور العادي بوجود سلبيات، ويعيش في وهم الإنجازات}.

 يؤكد أن النظام وجد ضالته في هؤلاء المنتفعين، وجعلهم يظهرون بصورة دعاة الأخلاق، ويطالبون بمزيد من القيود والمحاذير على الفن لحماية المجتمع، {بالتالي لا بد من أن يتحيّز المسؤولون للمثقفين في مطالبهم وحماية المجتمع، ولكن الإبداع ينتصر في النهاية، رغم العقبات التي يواجهها لأن الوقت لن يعود إلى الخلف}.

بدورها ترى الناقدة ماجدة موريس أن الخلاف مستمر وطبيعي بين دعاة حماية أخلاق المجتمع - حتى وإن كانوا مدعين – وقيمه، وبين الراغبين في حرية الفن والإبداع، {لكن يفاقمه اتجاه الدولة ورغبتها التي تكون غالباً ضد حرية الفن، وهو ما يحدث الآن}.

تضيف: {حرية الفن ونقد المجتمع لا يتعارضان مع حماية المجتمع وقيمه، لكنها مجرد مبررات لخروج بعض القرارات المقيدة للحريات}.

تتابع: {نحتاج إلى بعض التنظيم في عرض الأعمال والتصنيف العمري، خصوصاً  في التلفزيون، بعد زيادة مساحة الحرية والتعرض لموضوعات لم تكن مطروحة في الدراما التلفزيونية، وبالتالي لا بد من وضع إرشادات وتحديد موعد عرض أي عمل يحتوي ألفاظاً أو موضوعات شائكة}.

 تشير إلى أن الأمر نفسه يجب أن يكون في السينما، إذ لا بد للفن من تعرية المجتمع وإرشاد المسؤولين إلى موضع الخلل إن كانوا يريدون إصلاحاً، لافتة إلى أن تقييم الفن بمعيار أخلاقي لا يمت إلى النقد بصلة، لكنه مجرد انطباع شخصي خاص بنظرة الشخص إلى الفن.

إساءة وابتذال

يشير المخرج محمد فاضل إلى أن بعض المبدعين أساءوا إلى معنى الحرية، وقدموا فناً مبتذلا، وأصبح من الواجب تدخّل الدولة والجهات المعنية لوقف هذا التخريب المتعمد للمجتمع وأخلاقياته.

 يضيف: {ما حدث من انفلات لفظي في الأعمال الفنية، لا سيما الدراما التلفزيونية، ليس محض صدفة، لكنه ظاهرة يجب التوقف عندها، لأن أكثر من عمل سلك الاتجاه ذاته وفي التوقيت نفسه}، لافتاً إلى أن على المتحدثين عن حرية الإبداع التي يكفلها الدستور قراءة المادة إلى نهايتها التي تتناول الالتزام بقيم المجتمع وليست حرية مطلقة}.

حول الطريقة التي تتدخل بها الدولة في الفن، يؤكد فاضل أنها تكون مباشرة بالعودة إلى الإنتاج الفني، لأن الفن السيئ تتم محاربته بالفن الجيد، {أفلام المقاولات في الثمانينيات هزمتها أفلام عاطف الطيب وعلي عبد الخالق وداوود عبد السيد}، فضلاً عن  وضع ميثاق شرف للعاملين بالفن عن طريق الدولة، ممثلة بالنقابات الفنية، تلزم كلاً منهم بأدوات تضمن تقديم فن راقٍ، بعيداً عن الانحطاط والألفاظ والإيحاءات، وإيجاد طريقة لمعاقبة من يخالف هذا الميثاق.

بدورها تؤكد الناقدة خيرية البشلاوي أن تقييم الفن على أساس أخلاقي أمر لا بد منه وطبيعي، {لأننا نعيش في مجتمع تحكمه قيم وأخلاق، وعلى دعاة الحرية أن يلتزموا عادات المجتمع الذي يقدمون له فناً من المفترض أن يعبر عنه}.

 تضيف: {الفن الذي يروج للشذوذ والجنس ويظهر فيه المجتمع  مليئاً بالقوادين والعاهرات لا بد من أن يحارَب ويواجَه بكل الصور، لأنه عبارة عن مؤامرة ضد الفن وضد المجتمع}.

تتابع: {دور الفن الارتقاء  بالإنسان ليس الانحدار به، وما حدث في الفترة الأخيرة من تقديم أعمال لا تمت إلى الفن بصلة، محاولة لتفكيك المجتمع من الداخل عبر هدمه وهدم قيمه وأخلاقه}.

تلاحظ أن عدم ظهور أي شخصية إيجابية في المسلسل يعدّ مؤامرة على المجتمع  ولا بد من مواجهتها، {من خلال إنتاج أعمال جيدة لإيجاد بديل لجمهور هذا النوع من الفن الجيد، ولن يكون ذلك إلا عبر الدولة التي لا تهدف إلى الربح مثل باقي تجار الفن، ومن خلال التوعية حول هذا النوع السيئ من الفن، وفضحه وفضح ما يهدف إليه من تخريب متعمد للمجتمع}.

تدخل وفرز

يعتبر عزت العلايلي أن النظر بمعيار أخلاقي أو قيمي للعمل بالتأكيد لا علاقة له بالفن، وأن من واجب الفن والفنان التعرض لسلبيات المجتمع وإلقاء  الضوء عليها حتى يبحث المسؤولون عن حل، لكن إلى جانب السلبي لابد من وجود الإيجابي ليظهر الفارق.

 يضيف: {ما حدث أننا أمعنا في عرض السلبي بشكل مبالغ فيه حتى روجنا له وأظهرنا المجتمع أنه مجموعة من السلبيات، ما يعتبر إساءة وتشويهاً للمجتمع، ففي فيلم {أهل القمة} لكي نلقي الضوء على شخصية زعتر النوري ظهرت إلى جانبه شخصية محمد الضابط الشريف}.

يرى العلايلي أن تدخل الدولة في الفن محدود عن طريق الإنتاج المباشر وتقديم فن جيد، وإجراءات تنظيمية، أما دون ذلك فالجمهور هو الفصل ويستطيع الفرز وإنجاح الفن الجيد وإسقاط الفن السيئ، لكن الأمر يحتاج إلى بعض الوقت، ويختفي هذا النوع السيئ، كما اختفى في فترة الثمانينيات.

back to top