محام سابق لوكالة الاستخبارات المركزية

نشر في 25-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 25-08-2014 | 00:01
جون ريزو: لستُ نادماً على عمليات التعذيب!
يذكر جون ريزو، أحد محامي وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية السابقين، في مقابلة معه أن عمليات الإغراق بالماء وغيرها من «أساليب الاستجواب المحسنة» الأميركية التي مورست على المشتبه  في ارتكابهم أعمالاً إرهابية كانت ستؤدي بالتأكيد «إلى مشاكل كبيرة». لكنه ليس نادماً على قراره الموافقة عليها.

بعد الاعتداءات الإرهابية في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر عام 2001، كان جون ريزو (66 سنة) مسؤولاً عن الموافقة على «تقنيات الاستجواب المحسنة» التي اعتمدتها وكالة الاستخبارات المركزية، علماً أن هذه التقنيات كانت في الواقع أساليب تعذيب مثيرة للجدل مورست على مشتبه في ارتكابهم أعمالاً إرهابية في سجن غوانتانامو و{مواقع سرية» خلال عهد جورج بوش الابن. عمل ريزو في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بين عامَي 1976 و2009 ليصبح أهم محامي هذه الوكالة. وقد دوّن تجاربه في كتاب نشره أخيراً بعنوانCompany Man: Thirty Years of Controversy and Crisis in the CIA (رجل الشركة: ثلاثون سنة من الجدل والأزمات في وكالة الاستخبارات المركزية}.

أجرت صحيفة شبيغل أخيراً مقابلة مع ريزو في العاصمة واشنطن. عندما طرح عليه المسؤولون بادئ الأمر فكرة الإغراق بالماء (waterboarding)، يؤكد أنه ما كان يعرف حتى ماهيتها. وبالنظر إلى الماضي، يذكر أنه اعتبر هذا المفهوم «قاسياً» و«عنيفاً».

ماذا خطر في بالك عندما ذكر الرئيس أوباما أخيراً بشكل عادي: «عذبنا بعض الناس»؟

صُدمت عندما سمعت الرئيس يستخدم كلمة عادية مثل {الناس} ليصف مجرمين قساة قتلوا عدداً كبيراً من الأميركيين. أما عن استعمال الرئيس كلمة {تعذيب} ليصف برنامج تحقيق وكالة الاستخبارات المركزية، فلم يُفاجئني. فقد ذكر الأمر عينه في مناسبات عدة ترجع إلى حملته الانتخابية عام 2008. لكن ما شكّل مفاجأة إيجابية بالنسبة إلي، واقع أن أوباما تابع مشيراً إلى أن مَن نظموا البرنامج ونفذوه عشية الحادي عشر من سبتمبر تعرضوا لضغط كبير بغية حماية البلد في وقت تعرضت فيه الأمة لأزمة وطنية، حتى إنه دعانا مواطنين.

قبل عهده الرئاسي، لم يُعتبر أوباما متشدداً في مجال الأمن القومي. فأول عمل قام به عندما أصبح رئيساً كان إعلانه في يناير عام 2009 إقفال غوانتانامو. فكيف كان تعاطي أوباما بادئ الأمر مع وكالة الاستخبارات المركزية؟

يتلقى الرؤساء الجدد ومستشاروهم الأساسيون في مجال الأمن القومي تقارير من وكالة الاستخبارات المركزية عن العمليات السرية التي تُنفذ. كنت حاضراً حين تلقى أوباما التقارير عن العمليات الراهنة. وباستثناء برنامج الاستجواب، وافق على العمليات كافة، حتى إنه عزز البرنامج العام. فشكّل هذا مفاجأة بالنسبة إلي.

ماذا برأيك يقف وراء تبديله آراءه؟

عندما وصل أوباما إلى البيت الأبيض، راجع العمليات ولاحظ أنها كلها فاعلة وقيمة. ولا شك في أن كل رئيس أميركي يدرك بسرعة مدى أهمية الخدمات التي تقدمها له وكالة الاستخبارات المركزية. فالأخيرة تخضع مباشرة لسلطة الرئيس وتنفذ رغباته. كذلك تقوم بمهامها سراً من دون الغوص في مناظرات سياسية طاحنة. وفي حالة أوباما، أعتقد أنه فهم هذا الواقع في الحال. لنتأمل مثلاً في الهجوم على آبوت أباد في باكستان ضد أسامة بن لادن. فقد قادته وكالة الاستخبارات المركزية لا الجيش. ولا شك في أن هذا يعبر بوضوح عن ثقة الرئيس بالوكالة. نواجه اليوم مناظرة متواصلة في شأن برنامج الطائرات من دون طيار وما إذا كان يجب نقل إدارته إلى الجيش. تلاحظ بوضوح التردد للإقدام على خطوة مماثلة لا في إدارة أوباما فحسب، بل في الكونغرس أيضاً.

بعد اعتداءات 11 سبتمبر، سمح البيت الأبيض لوكالة الاستخبارات المركزية «بفعل كل ما هو ضروري». وبما أنك كنت مسؤولاً في تلك الفترة، فما عنى ذلك في رأيك؟

تشكل هذه العبارة وصفاً للجو والإجماع اللذين سادا البلد آنذاك. فلا شك في أن حماية البلد تشكل الأولوية الكبرى التي تفوق أي أولوية أخرى بالنسبة إلى الأميركيين كلهم لا البيت الأبيض وحده. اجتمعنا في الساعة الخامسة من بعد ظهر كل يوم في صالة الاجتماعات الخاصة بمدير وكالة الاستخبارات المركزية في لانغلي وناقشنا الوضع. بدت الغرفة أشبه بمكتب مدير تنفيذي بجدرانها المغطاة بالخشب الذي يذكرنا بالطريقة التي تُصور بها في عدد من أفلام التجسس. ضمت الغرفة طاولة كبيرة تتسع لنحو 35 كرسياً تقريباً. في الغرفة، يجمع كل قادة الوكالة البارزين المعلومات، سواء كانوا المجموعة المشرفة على العمليات شبه العسكرية في أفغانستان أو المجموعة التي تتتبع الموارد المالية أو خبراء الأسلحة البيولوجية والكيماوية. فتقدم هذه المجموعات الواحدة تلو الأخرى تقريراً كل ليلة. وقد صببنا اهتمامنا على تفادي موجة ثانية محتملة من الاعتداءات بعد الحادي عشر من سبتمبر.

بعد أيام من اعتداءات 11 سبتمبر، وضعت أيضاً لائحة بأعمال سرية محتملة. فماذا اقترحت؟

وضعت اللائحة الأولى يوم 11 سبتمبر بعد ساعتين فقط من الاعتداء. كنت على غرار الجميع تحت وقع الصدمة وشعرت بالذهول. لكنني أدركت أن علينا اتخاذ تدابير مضادة لم يسبق أن اعتمدتها في مسيرتي المهنية. فرحت أدون على كتيبي القانوني الأصفر احتمالات ممكنة، بما فيها تنفيذ عمليات مميتة ضد تنظيم القاعدة، لا عناصر القاعدة الذين نفذوا اعتداءات 11 سبتمبر فحسب، بل أيضاً مَن يخططون لاعتداءات مستقبلية. شملت اللائحة للمرة الأولى في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية برنامجاً لاعتقال كبار قادة القاعدة واستجوابهم.

هل تعتبر نفسك الرأس المدبر وراء برنامج الأحكام الذي شمل اختطاف أعضاء القاعدة المشتبه بهم سراً وإساءة معاملتهم؟

كنت بالتأكيد الرأس المدبر وراء برنامج الاستجواب، مع أنني لم أكن أول مَن طرح الفكرة. كنت بالطبع الرأس المدبر القانوني وراء لائحة التقنيات المقترحة وأديت دوراً بارزاً في الحصول على الموافقة القانونية التي أتاحت لنا استعمالها.

مَن طرح الفكرة الأساسية؟

العاملون في مركز محاربة الإرهاب. قصدوا ذات يوم مكتبي وعددوا أمامي تقنيات الاستجواب المحسنة. لم أكن قد سمعت بالإغراق بالماء. ظننت أن بعض التقنيات، مثل الإغراق بالماء والحرمان من النوم، قاسٍ أو حتى وحشي في رأيي. كذلك شملت اللائحة الأصلية للتقنيات المقترحة تقنية أكثر قسوةً من الإغراق بالماء. لكننا لم نلجأ إليها مطلقاً.

أي تقنية كانت هذه؟

لست مخولاً تحديد ذلك، فلا تزال هذه المسألة سرية. لم أكن مستعداً عندما اقترب مني العاملون في مجال محاربة الإرهاب. لذلك صُدمت بادئ الأمر حين علمت ما كانوا يقترحونه.

نعتبر أساليب الاستجواب مثل الإغراق بالماء تعذيباً. ماذا عنكم؟

حتى تلك المرحلة من مسيرتي المهنية، لم أكن واسع الاطلاع على موقف الولايات المتحدة القانوني من التعذيب. لذلك لم أكن أعرف حدود القانون في هذه المسألة.

لكن حسنت هذه التقنيات.

لم يكن ذلك بالأمر السهل. كنت المحامي الأول في وكالة الاستخبارات المركزية. بنيت سمعتي هناك، فضلاً عن مقدار كبير من المصداقية. عندما قُدمت إلي اللائحة، كانت مجرد أفكار لم تخرج عن نطاق وكالة الاستخبارات المركزية. لي ملء الثقة من أنني كنت أستطيع وقفها قبل أن تبدأ، لو أنني قررت ذلك. لا شك في أن الإغراق بالماء وغيرها من تقنيات عدائية بدت لي عنيفة جداً. لكني كنت قد أمضيت في الوكالة وقتاً كافياً في تلك المرحلة لأعرف أن النشاط المقترح كان سيضع الوكالة في موقف حرج. فمنذ البداية، بدا واضحاً أن الاقتراح سيؤدي إلى مشاكل كبيرة.

إذاً، لمَ لم توقفها؟

في مطلع عام 2002، كنا قد ألقينا القبض لتونا على أول عضو رفيع الشأن في تنظيم القاعدة، أبو زبيدة. كان محتجزاً في سجن سري بني حديثاً. واعتقد خبراؤنا على الأقل أنه يعرف المزيد عن اعتداء ثانٍ وشيك. فلو كان أحد في تنظيم القاعدة يملك هذه المعلومات، فلا بد أنه أبو زبيدة.

كيف اتخذت أخيراً هذا القرار؟

تركت مكتبي في ذلك اليوم وقصدت مقر وكالة الاستخبارات المركزية، مدخناً السيجار بمفردي ومحاولاً تحديد ما علينا فعله تالياً. أذكر بوضوح أنني رحت أفكر في سيناريو يوقف الاقتراحات لأنها عنيفة جداً. ولكن لنفترض أننا واجهنا هجوماً إرهابياً ثانياً في الأيام التي تلت 11 سبتمبر، ليخبر بعد ذلك أبو زبيدة بفرح المحققين:  نعم، عرفت في شأن هذا الهجوم، ولم ترغموني على الكلام}. كان مئات وربما آلاف الأميركيين سيموتون في الشارع أيضاً. وسيتضح في التحقيقات التي تلي الكارثة أن وكالة الاستخبارات المركزية فكرت في هذه التقنيات، إلا أنها خشيت المخاطرة، وأنني كنت مَن أوقفها. ما كنت لأستطيع العيش مع احتمال مماثل. لذلك قررت الحصول على نصيحة قانونية واضحة من وزارة العدل الأميركية في شأن ما إذا كانت تقنيات التحقيق هذه تنتهك قانون حظر التعذيب. ولو قررت وزارة الدفاع أن التقنيات تشكل تعذيباً، لامتنعنا عن اتباعها.

ما كنا لننجح  لولا تقنيات الاستجواب

كنت مسؤولاً جزئياً عن برنامج اعتبره كثيرون حول العالم تعذيباً. هل أدركت ذلك حينذاك؟

نعم، أدركت ذلك، ولكن في مطلق الأحوال، كانت الوكالة ستواجه وضعاً حرجاً. لذلك صببنا اهتمامنا على تعرضنا للانتقاد إن لم تنجح تقنيات التحقيق هذه. ففي هذه الحالة، كنا سنسمع ادعاء مثل {هل هذا كل ما قمتم به. لمَ لم تكونوا أكثر عدائية؟}.

هل يمكن لديمقراطية أن تقوم بأكثر مما فعلت وكالة الاستخبارات المركزية؟ هل كنت ستفعل ما يتعدى ذلك؟

سؤال مثير للاهتمام لم يطرحه أحد علي سابقاً. نظراً إلى الجو الذي كان سائداً آنذاك، كان من الممكن على الأرجح أن نسعى إلى الحصول على موافقة لتطبيق تقنيات أكثر عدائية بعد.

هل تندم على قرارات اتخذتها آنذاك؟

فكرت ملياً في المسألة في السنوات التي تلت. حققنا نتيجتين من خلال البرنامج. فلم تتعرض أرض الولايات المتحدة لهجوم ثانٍ وقُتل بن لادن. وأميل إلى التفكير وأنا جالس هنا بعد 12 سنة في أننا ما كنا لننجح في كل ما حققناه لو لم نلجأ إلى تقنيات الاستجواب هذه، رغم الضرر الذي ألحقه هذا بصورة الولايات المتحدة. لا يمكنني بصراحة الجلوس هنا وأدعي أنني كنت سأتخذ قرارات مختلفة لما قررته في مطلع عام 2002.

شمل البرنامج مواقع السجون السرية التي أنشأتها وكالة الاستخبارات المركزية.

كانت تجربة جديدة بالكامل بالنسبة إلينا. فأين كنا سنقيم سجناً مماثلاً؟ من المؤكد أننا لا نستطيع إنشاء سجن سري داخل الولايات المتحدة. فكرنا في البداية في جعله جزءاً من منشأة غوانتانامو في كوبا، إلا أن وزير الدفاع دونالد رامسفيلد عارض خطوة مماثلة. في تلك الأيام الباكرة، أتذكر أنني حضرت اجتماعات طُرحت فيها أفكار مثل استخدام سفينة غامضة تطوف في البحار يعيش عليها المساجين أو إقامة هذه السجون في أماكن معزولة في جزر خاصة حول العالم.

ما كانت الحجج التي دعمت إقامة سجون سرية في أوروبا الشرقية؟

لا يزال موقع السجون السرية إحدى الوقائع القليلة السرية في البرنامج، لذلك لا أستطيع الخوض في التفاصيل. لكنني أستطيع أن أخبرك أن نظام السجون دام نحو ثماني سنوات، وأن مواقع السجون كانت تتبدل باستمرار لأسباب أمنية.

يُعتبر الأمر الرئاسي، الذي كتبته وسمح لجورج بوش الابن بتنفيذ عمليات اغتيال مستهدفة ضد إرهابيين مشتبه بهم، الأكثر عدائية وخطورة في تاريخ وكالة الاستخبارات المركزية. ماذا حل بهذا الأمر؟ هل نُقض منذ ذلك الحين؟

وُقّع بعد أيام من الحادي عشر من سبتمبر، وما زال على حد علمي ساري المفعول حتى اليوم.

تصف في كتابك العمل في جهاز استخبارات بأنه أشبه {بالتعامل مع الشيطان}. فماذا تعني بذلك؟

من الأسئلة الأهم التي تراود العاملين في جهاز استخباراتي فاعل في مجتمع ديمقراطي: ما الحدود التي تستطيع منظمة استخباراتية تخطيها بهدف حماية البلد والشعب؟ كم يجب أن تقترب وكالة الاستخبارات المركزية من بعض الشخصيات البغيضة بغية إتمام عملها؟ وكيف تستطيع الوكالة الوصول إلى مجموعات تؤذي الولايات المتحدة أو تخطط لأذيتها؟

عشت الفضائح الكبرى كافة تقريباً التي شهدتها الثلاثون السنة الماضية، من مسألة إيران-كونترا إلى الإغراق بالماء. هل ترى أن وكالة الاستخبارات المركزية تتمتع اليوم ببصيرة أفضل وتنعم بضوابط أكثر فاعلية؟

أدت كل فضيحة إلى تحقيق نظمه الكونغرس أو لجنة خارجية. مرت الوكالة بمرحلة من التراجع بعد هذه الفضائح. كذلك سُنت قواعد جديدة وطُبقت إصلاحات. لكن وكالة الاستخبارات المركزية ستمضي قدماً، فهي منظمة صلبة وراسخة.

back to top