تاريخ الملك ريتشارد الثالث مكتوب في أسنانه

نشر في 23-08-2014 | 00:01
آخر تحديث 23-08-2014 | 00:01
ألقت دراسة كيماوية لعظام الملك ريتشارد الثالث وأسنانه الضوء على مدى تأثير وضعه الاجتماعي ونظامه الغذائي ومكان إقامته في حياته. تشير الدراسة إلى أنه كان كما هو متوقع يتناول بنهم المأكولات الفاخرة بعدما أصبح ملكاً خلال السنتين الأخيرتين من حياته، قبل أن يُقتل في معركة بوزورث عام 1485 عن عمر يناهز الثانية والثلاثين.
اكتشفت البقايا التي يُعتقد أنها تعود إلى الملك ريتشارد الثالث في سبتمبر عام 2012 تحت موقف للسيارات في ليسيستر. وقد دعم الاكتشاف الروايات التاريخية عن موت ريتشارد الثالث ومثواه الأخير، كذلك أكدت أنه عانى انحراف العمود الفقري. وقد ألقت اليوم التحاليل الكيماوية مزيداً من الضوء على حياة الملك وبرهنت صحة السجلات التاريخية.

تذكر أنجيلا لامب، التي أجرت الأبحاث بالتعاون مع زملاء لها من مؤسسة البحث الجيولوجي البريطاني وجامعة ليسيستر في المملكة المتحدة: «من النادر جداً اكتشاف أشخاص معروفين في عالم الجيولوجيا. فضلاً عن أننا رغبنا في معرفة المقدار الأكبر من المعلومات عن حياة ريتشارد الثالثة، شكّلت هذه فرصة فريدة لاختبار تقنيات النظائر (isotope) بمقارنة السجلات التاريخية مع بياناتنا}.

حياة ملك

استخدم الفريق تقنيات مثبتة في علم الآثار ليحدد تواقيع نظائر عناصر عدة متوافرة في عينات من الأسنان، الأضلع، وعظم الفخذ في بقايا ريتشارد الثالث. شملت هذه السترونتيوم والأوكسجين من مينا الأسنان، والكربون والنيتروجين والأوكسجين من العظام. بما أن هذه العناصر تدخل الجسم من الطعام والشراب، وتختلف بعض الشيء في بعض المواقع، فقد تكشف هذه الاختلافات معلومات عن نمط الحياة، ومكان العيش، والنظام الغذائي. فتختلف المعدلات الغذائية لهذه العناصر ونظائرها باختلاف أنماط المناخ، الطعام والشراب، والجيولوجيا.

توضح لامب: «عندما نحلل حالة كل فرد عادةً، نأخذ عينات من عظم الأضلع للتحقق من النظام الغذائي. كذلك نأخذ عينات من مينا الأسنان لدراسة تأثيرات الهجرة ومكان العيش. أما في حالة ريتشارد الثالث، فأردنا أن نحلل مواضع مختلفة عدة في الهيكل العظمي كي نتمكن من تشكيل تاريخ كامل عن حياته».

تمكن الفريق من خلال التحليل المتسلسل لأملاح الفوسفات والكولاجين من سن ضاحكة ثانية جذرها سليم من إعادة بناء طفولة ريتشارد ومراهقته المبكرة. وقد نجحوا في ذلك لأن نظائر الأوكسجين والسترونتيوم كانت ثابتة في فوسفات المينا الحيوي الجيني عندما تكوّنت السن. وعندما تصبح هذه ثابتة، لا تتبدل طوال حياة الإنسان.

تذكر جاين إيفنز التي شاركت في إعداد هذه الدراسة: «تتشكل الأسنان في مرحلة مبكرة من الحياة. نتيجة لذلك، أعطتنا عينات الأسنان معلومات عن طفولته. فقد تمكن من التأكيد أنه ما عاد نحو سن السابعة يعيش في شرق إنكلترا حيث وُلد. فقد انتقل على الأغلب نحو الغرب حيث تُعتبر الصخور أقدم (هذا ما يكشفه السترونتيوم) وتُمطر أكثر من شرق إنكلترا (هذا ما يكشفه الأوكسجين). وتبرهن هذه الوقائع أنه أمضى فترة من الوقت في لودلو في هذه المرحلة من حياته».

تصلح أنسجة العظام نفسها باستمرار بخلاف الأسنان. فعظام الساق طويلة وكثيفة وتحمل معلومات عن السنوات العشر إلى الخمس عشرة التي تتجدد فيها، في حين أن عظام الأضلع الأصغر حجماً تتجدد كل سنتين إلى ثلاث سنوات. وبتحليل عظم فخذ ريتشارد، أظهر الفريق أن الملك اتبع خلال السنوات العشر إلى الخمس عشرة الأخيرة التي سبقت موته نظاماً غذائياً أرستقراطياً غنياً، على غرار كل الأشخاص الرفيعي الشأن في تلك الحقبة. كذلك كشف توقيع نظير الأوكسجين أنه أمضى سابقاً فترات طويلة في شرق إنكلترا.

طيور البلشون

أظهرت مقارنة نتائج عظم الفخذ بنتائج الأضلع أن ريتشارد اتبع نظاماً غذائياً أغنى خلال السنتين الأخيرتين من حياته حين كان ملكاً. ويشير الفريق إلى أن نظامه الغذائي ضمّ نحو نهاية حياته كثيراً من الأطعمة الفاخرة التي كانت تُقدّم عادةً خلال مأدبات ذلك العصر، مثل السمك الطازج والطيور البرية، التي تشمل طيور البلشون الأبيض الكبير، الطاووس، والبجع.

لكن توقيع نظير الأوكسجين في أضلع ريتشارد اختلف عما لاحظه الفريق في عظم الفخذ، ما يشير عادةً إلى أن مصدر مائه تبدل. ويعني ذلك أنه انتقل إلى مكان مختلف. لكن المصادر التاريخية تناقض ذلك. فتظهر السجلات أنه ظل في شرق إنكلترا. لذلك يعتقد الفريق أنه صار يشرب كميات أكبر من النبيذ الأجنبي خلال سنواته الأخيرة، ما بدّل نسبة نظير الأوكسجين في عينة الأضلع.

يوضح أندرو تشامبرلين، عالم آثار حيوية في جامعة مانشستر في المملكة المتحدة: {يزود تحليل توقيع النظائر المستقرة في البقايا العضوية القديمة علماء الآثار بلمحة فريدة عن نظام غذاء الأفراد ومكان إقامتهم. تبرهن الدراسة أن ريتشارد أمضى بعض الوقت في غرب إنكلترا خلال طفولته. والمثير للاهتمام أن نظامه الغذائي تبدل على نحو ملحوظ خلال سنواته القليلة الأخيرة. فزاد تناوله الأطعمة الغنية، فضلاً عن أن النبيذ المستورد، لا المشروبات المحلية، شكّل ربع استهلاكه من السوائل}.

تذكر لامب: {هذا أول مثال، حسبما أعرف، يُعتبر فيه استهلاك النبيذ عاملاً يؤثر في تركيب نظير الأوكسجين في حالة إنسان. لذلك نود التعمق في عملنا. كذلك نأمل أن تمهد دراستنا الطريق أمام عمليات إعادة بناء أكثر دقة لنظائر وأنسجة متعددة في المستقبل}.

back to top